لغز تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة.

بقلم: المستشار د. نبيل بو غنطوس
الخبير السياسي والاقتصادي في الشؤون اللبنانية.

رب متسائل عن السبب الذي يعيق تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، حكومة المهمة والانقاذ التي ينتظرها الجميع ويدعون الى السرعة في تشكيلها ليل نهار، جهارا وعلنا، ويعملون في السر والخفاء على تعطيل عملية التشكيل. وهناك لغز يكمن وراء اصرار القيمين على العملية من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، على القاء اللوم، الاول على الثاني وبالعكس، فالحقيقة ضائعة ومضيعة في سراديب السياسة اللبنانية المحلية ناهيك عن تلك الاقليمية المحتدمة على البارد.
في لبنان رئيس الجمهورية يرغب بتحقيق انجازات في السنة والنصف المتبقية من عهده، ولن يكون ذلك ممكنا من دون وجود حكومة مطواعة بين يديه، خاصة ان الجميع في الداخل والخارج يحمل العهد المسؤولية اولا واخيرا عن الحال التي وصل اليها لبنان، فمقولة “ما خلونا نشتغل”، لم يعد بالامكان تقريشها وتصريفها حتى لدى اقرب المقربين من اعضاء ومناصري التيار الوطني الحر، حزب رئيس الجمهورية. فكيف بالامر لدى بقية اللبنانيين. صهر الرئيس النائب جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، مأزوم سياسيا وحزبيا، خصوصا بعد النقمة الشعبية عليه والتي تجلت في حراك 17 تشرين الاول 2019، ليضاف اليها العقوبات الاميركية التي احكمت الطوق عليه، ويستميت لالغائها باية طريقة، خصوصا عبر توجيه الرسائل السياسية صراحة ومواربة، وفي اكثر من اتجاه، وهو يسعى لتعويم نفسه، الى درجة تسريب مقولة ان لا حكومة جديدة في لبنان اذا لم تلغ العقوبات المفروضة عليه، عله يكون هناك من مستجيب.
الرئيس المكلف سعد الحريري، متسلح بالموقف الفرنسي، لجهة رغبة فرنسا بحكومة مهمة في لبنان، تتشكل من اختصاصيين لا يدورون في فلك الاحزاب، وهو يراهن على دعم غربي من جهة، وينتظر دعم السعودية من جهة ثانية، لذا هو ليس في وارد تشكيل حكومة فيها تواجد لوزراء من حزب الله او يدورون في فلكه، ولا يرغب بحكومة قد يكون نصف وزرائها معادون للعرب وللدول الخليجية وعلى رأسها السعودية، وهو مدرك تماما للمناورات التي يتهم باسيل انه وراءها، لجهة الحصول على ثلث معطل او نصف زائد واحد او التحكم باكبر عدد من الوزارات السيادية الخ…
الجميع يتهم الجميع بالعرقلة، والكل يتلطى خلف متراس طائفته متذرعا بوجود خطوط حمر، مع ان هناك مايسترو واحد في لبنان يدير اللعبة، ويوزع الادوار على كل الدائرين في فلكه وحتى معارضيه الخجولين من كل الطوائف والاحزاب والتوجهات، وهذا المايسترو، قادر بايماءة رأس، ان يدفع الفريق الرئيسي الدائر في فلكه، ان يقدم حتى تنازلات لا تخطر ببال احد لتشكيل الحكومة، لكنه حتى الساعة غير راغب بتسهيل عملية التشكيل.
والملفت ان الصراع بالواسطة بين باسيل والحريري، بين باسيل المتلطي خلف عباءة عمه رئيس الجمهورية الراغب بتعويمه باية وسيلة ممكنة وبين الحريري المتمسك بمواجهة الاثنين، افضى حتى الآن الى التعادل السلبي بين الفريقين، وفي الوقائع حول هذا الموضوع، يكفي الاشارة الى ان اكثر شخصيتين خرجت جماهير 17 تشرين تنادي باسقاطهما هما باسيل والحريري، اضف الى ذلك ان المستقبل السياسي للاثنين على المحك، فالحريري مدرك انه اذا اعتذر عن التشكيل وانسحب من المعركة مع عون، يكون قد قضى على مستقبله السياسي في لبنان وعلى دوره كاكبر زعيم سني في البلاد، والامر عينه بالنسبة لباسيل، فانه ان تنازل للحريري، وقبل بحكومة من دون ثلث معطل ومن دون وزارات وازنة له، يكون قد استسلم امام الحريري، وانهارت احلامه بتعبيد طريق وصوله الى قصر بعبدا، بعد انتهاء الولاية الرئاسية الحالية.
وفي نفس السياق، توجهت الانظار في الايام القليلة الماضية الى العاصمة الفرنسية مجددا، فالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يحاول كسر الجمود الحاصل في عملية التأليف، ملوحا بعصا العقوبات على المعرقلين، وبجزرة المساعدات والتقديمات اذا ما سارت مبادرته وفق ما هو مرسوم لها، وسربت مصادر كثيرة اخبارا عن دعوته الحريري وباسيل لزيارة باريس، وانبرى مقربون من الفريقين باطلاق تسريبات تخدم موقف كل طرف، لكن الاكيد ان الحريري يرفض لقاء باسيل اذا لم يتنازل الاخير سلفا عن ثلثه المعطل، وباسيل من ناحيته، يريد ان يظهر للجميع، انه على مستوى رئيس دولة مع انه في قرارة نفسه، يبحث عن حبل انقاذ، يعيد تعويمه، وهو السابح بعكس رغبة اكثرية مناصري تياره البرتقالي حتى الذين يظهرون الكثير من التململ تجاه طرق معالجته المشاكل السياسية. وهكذا استمر شد الحبال على اشده بين الطرفين، الى ان وجه الفاتيكان في الساعات الماضية، دعوة للرئيس الحريري لزيارة عاصمة الكثلكة في العالم ولقاء الحبر الاعظم البابا فرنسيس، وهي دعوة وجد فيها الحريري مناسبة لتسلم درع تثبيت من الكرسي الرسولي، فاعتبر نفسه كاسبا بالنقاط على غريمه باسيل، الذي روج انه يستميت لان يوجه له ماكرون بالمقابل دعوة رسمية لزيارة فرنسا، وانه كان يدفع بالسر اصدقاء له لحث الفرنسين على توجيه الدعوة لزيارة باريس.
وهكذا وباختصار، حكومة لبنان عالقة في عنق زجاجة، في انتظار حل لغز مستعص حتى الآن.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 Comment
Inline Feedbacks
View all comments
P ANTOINE SAAD
3 سنوات

BONJOUR DR NABIL

UN BEAU ARTICLE SUR LA SITUATION ACTUELLE DU LIBAN
P ANTOINE SAAD PROCURATEUR DE OBS ROMA-ITALIA

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x
Scroll to Top
انتقل إلى أعلى