المبادرة الفرنسية تترنح في بيروت بانتظار اعلان النعي رسميا.

المستشار الدكتور نبيل بو غنطوس.
خبير سياسي واقتصادي لبناني.

يجهد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على خط انجاح مبادرته اللبنانية، ويجهد لاجل ان يثبت وجود فرنسا كلاعب شرق اوسطي اساسي من خلال الامساك بالورقة اللبنانية، وذلك من خلال المهادنة طورا بتمديد المهلة المعطاة لتشكيل حكومة الاختصاصيين الموعودة والواعدة بالاصلاحات الاقتصادية، التمديد مرة اولى ومرة ثانية، او من خلال التهديد المبطن طورا اخر، بفرض عقوبات اوروبية على المعرقلين ترفدها عقوبات اميريكية سيفها مسلط منذ زمن بعيد.

العرقلة التي تواجه عمل الرئيس المكلف مصطفى اديب، مقصودة ومتشعبة، فمن خلف الثنائي الشيعي، يقف جميع اعضاء المنظومة الحاكمة، يشدون على ايدي الثنائي بالسر وخلال اللقاءات والاتصالات الجانبية. يخشون ان هذه هي الفرصة الاخيرة، لا بل قل المحاولة الاخيرة، ليس لابقاء سطوتهم على البلد ومقدراته ومساره ومصيره فقط، انما للتعمية على كل الموبقات التي مورست منذ عقود بحق لبنان واللبنانيين، وتاليا لتغيير الدور والوجه والنهج.

ليس صحيحا ان العقدة كما يروج هي عند الثنائي الشيعي وحده، فمن خلف هذا الثنائي كما ذكرنا، هناك شركاء كثر معهم من كل الطوائف والاحزاب والتوجهات، يخشون انفضاح ادوارهم التدميرية التي اوصلت لبنان الى الوهن الذي هو فيه.

قد تكون المرة الاولى يتعامل فيها الفرنسيون مع ازمة كتلك التي يتعاملون معها في بيروت، رغم تجاربهم الطويلة في تركيب الحكومات والانقلابات والتسويات في بلدان افريقيا، حيث مستعمراتهم السابقة، باقية تحت الف ستار وستار.

لقد تمكن اللبنانيون من ارباك المبادرة الفرنسية، وهي المبادرة، التي وضع الرئيس ماكرون ثقله الشخصي لانجاحها، وكان يظن ان الامور ستكون سهلة وسلسة، خصوصا بعد انفجار الرابع من آب في مرفأ بيروت، اذ اعتقد، انه برميه حبل الانقاذ للسلطة، ستسارع هذه الاخيرة للتشبث به، اولا لاضفاء شرعية مفقودة لدورها، وثانيا لارتياح الثنائي الشيعي لموضوع تحييد سلاحه في المرحلة الحالية، وثالثا لان مقررات دعم لبنان اقتصاديا وماليا ونقديا و”سيدر” ستجد طريقها الى التسييل سريع.

لكن، من قال ان الثنائي الشيعي المطالب بوزارة المالية لا يهدف من خلال مطلبه امرار المثالثة في الحكم، رغم رفض اكثرية الاطراف الاخرى من الخط المناوئ. من قال ان المطالبات ستقف عند هذا الحد، الم يمرر النائب جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر، انه اذا اعطيت المالية للشيعة، سيطالب بابقاء وزارتي الطاقة والخارجية مع تياره البرتقالي، الا يطمح كذلك رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري بوضع اليد على وزارات ليس شرطا ان تكون سيادية بل ان تكون دسمة، الن تكون هناك مطالبات بان يكون لرئيس الجمهورية الحق بتسمية عدد من الوزراء، اضافة الى نغمة وجوب ان تسمي الكتل النيابية من يمثلها من الوزراء، الم يسد شعور ان فكرة الثلث المعطل ما زالت راسخة في اذهان من يجيدون طبخ الحكومات على نار هادئة وابتزاز المكونات الاخرى في البلاد.

الفرنسيون ما زالوا يراهنون على عدم سقوط مبادرتهم، ويواصلون ضغوطهم المعنوية، على هذا الفريق وعلى ذاك، لكنهم يدركون انهم يسيرون في رمال لبنان المتحركة، فان تراجعوا في مكان فسيضطرون للتراجع في اخر، وحتى الآن ليسوا في هذا الوارد.

اراد الفرنسيون حكومة انقاذ من اختصاصيين في الاقتصاد والمال والاعمال، او هكذا هم اعلنوا، وطالبوا بحكومة مستقلة غير مرتبطة باحزاب وتيارات وطوائف، تسرع الى وضع لبنان على سكة النهوض من ازماته، وطرحوا اسم الرئيس مصطفى اديب ووافق عليه الجميع من دون تحفظ ولو ظاهريا، لكن كيف لهذا الرجل ان يعتبر نفسه عن حق رئيس حكومة او سلطة تنفيذية، في انتظارها الكثير من المهام الصعبة، وليس له دور في اختيار اي وزير من اعضائها، كيف له ان يقبل بالمهمة ووزراء حكومته يختارهم غيره ويهبطون بالمظلات على القصر الحكومي، كيف له ان يجتمع على طاولة واحدة مع وزراء لا يملكون حق اتخاذ اي قرار في اي موضوع، من دون ان يجري كل منهم اتصالاته بمرجعيته للوقوف على توجيهاتها. ويبدو ان الرجل، ليس ممن يقبلون بالمساومة او تخطيه في هذا الاطار، وان ابدى بعض الليونة في مكان ما، لكنه يظل متشبثا بمبادئ لن يحيد عنها، اعلنها منذ اليوم الاول لتكليفه، وهو مذ ذلك الحين قليل الظهور الاعلامي، ولا يصرح الا قليلا وبكلمات مقتضبة، وهو بات امام خيارين، ليس من ثالث لهما، اما يتجه الى بعبدا ويسلم تشكيلته الحكومية الى رئيس الجمهورية وتكون التشكيلة التي يريدها هو، وليحجبوا عنها الثقة في مجلس النواب، او يتجه مباشرة الى الاعتذار عن التشكيل ويعود للالتحاق بمركز عمله كسفير للبنان في المانيا. ويبدو ان من غير الوارد ايضا، ان يقبل الرجل، بترؤس حكومة على غرار حكومات الوحدة الوطنية، يكون هو على رأسها شاهد زور.

نهاية الاسبوع في بيروت حبلى بالمفاجآت، ويبدو ان الامور تتجه الى التعقيد اكثر فاكثر، على الرغم من الضغط الاميركي المتصاعد من خلال فرض العقوبات بالقطارة حاليا، ومن خلال استهداف شخصيات معروفة الولاء، لكن في حال تم نعي المبادرة الفرنسية، لا احد يدري كيف ستتعامل واشنطن مع لبنان، ولسان حالها “اعذر من انذر، واشهد اللهم اني بلغت”. ففي حال ادرك الاميركي بلمس اليد، ان مبادرة الرئيس ماكرون سقطت، والاميركي الماكر، كان يتمنى هذه النهاية للمبادرة الفرنسية، فسيعتبر علانية ان “الامر بات لي”، وسيعمل على ان يكون سيد الساحة الوحيد والاوحد، وعلى اللبنانيين تحمل عواقب تصرفات السلطة الحاكمة بامرها. وليت الامر عندها يقف عند حدود العقوبات وان توسعت مروحتها، فقد يكون ما يطبخ ادهى بكثير.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x
Scroll to Top
انتقل إلى أعلى