سيكولوجية المرأة

بدا لي في أول الأمر أن الكتابة عن سيكولوجية المرأة (الطبيعة النفسية لها) لا يحتاج سوى عودتي إلى أرشيف جلسات العلاج النفسي التي أتاحت لي كثيراً رؤية هذا المخلوق اللغز بلا أقنعة أو بأقل قدر ممكن من الأقنعة، ثم أربط هذه الرؤى الميكروسكوبية التحليلية برؤيتي للمرأة في الحياة اليومية بالعين المجردة وبذلك تكتمل الصورة ونصل إلى كلمة السر التي تفتح لنا دهاليز هذا الكيان المحير.

ولكن ما إن بدأت العمل بهذا المنهج حتى وجدتني أتوه في جزئيات وتفاصيل يصعب الحصول منها على مفتاح أو مفاتيح للأبواب الرئيسية للشخصية الأنثوية، هنا فكرت أن أسأل صاحبات الشأن مباشرة عن كلمة السر وعن المفاتيح فوجدت ردوداً متباينة منها:
“نجوم السماء أقرب لك” “المرأة إنسان، فإذا فهمت الإنسان فهمتها” “المرأة لا تفهم نفسها لذلك فهي عاجزة عن المساعدة في هذا الأمر” “لو فهمت الفن تستطيع فهم المرأة” “اقرأ الأديان فستجد تصويراً دقيقاً لأدق خصائص وخلجات المرأة وستعرف القانون الإلهي للتعامل معها” “إذا فهمت الطبيعة فستفهم المرأة”

وعندما جمعت هذه الردود النسائية اكتشفت شيئاً في غاية الأهمية وهو أن هذا الكائن شاسع المساحات ومتعدد الأبعاد والطبقات، لذلك تعجز الرؤية الميكروسكوبية التحليلية والرؤية بالعين المجردة عن إدراك كلياته وأنه يلزم إضافة الرؤية التلسكوبية إلى المنهج الحالي لتكتمل الصورة أي العودة إلى الطبيعة… الأم الكبرى.. والعودة إلى الرؤية الفنية التي تسمح برؤية الشكل والخلفية وتعلى من قيمة الوجدان…. والعودة إلى الأديان لقراءة كتالوج الصانع (الخالق) وقراءة قانون التعامل والانتفاع والصيانة ومع كل هذا علينا أن نحترم تواضع النتائج ومحدودية الرؤية البشرية للإنسان عموماً وللمرأة على وجه الخصوص.

أما وقد اكتملت أبعاد المنهج فلنبدأ الآن في القراءة بلا مقدمات وأحياناً بلا كلمات تمهيدية أو عبارات وصلية:
إن القراءة الفاحصة للحضارة المصرية القديمة تكشف أن تلك الحضارة بفنونها وآدابها وأديانها كانت أعمق إدراكا للطبيعة وأعمق إدراكاً للمرأة في ذات الوقت، وكانت تربط بين الاثنتين على أساس أنهما ينتميان إلى الأنوثة الولاَدة الراعية الحنونة من جانب والمتقلبة والمتعددة الأشكال والألوان والحالات من جانب آخر.

“وكون الإنسان المصري كان رائداً من رواد الزراعة جعل منه رائداً من رواد الحضارة وارتباط هذا بالمرأة يأتي من الجنس، ليس الجنس بالمعنى السينمائي، إنما الجنس بمعنى المبدأ المؤنث في الحياة: مبدأ الأمومة.. مبدأ احتواء البذرة الأولى وتعهدها بالنماء شيئاً فشيئاً حتى تصل النضج وتؤتي ثمارها كاملة. إن أدراك المصري القديم للزراعة جعله يدرك أن الطبيعة عبارة عن أم كبيرة تلد ما عليها (بإذن ربها). كل ما عليها بما فيه الإنسان والحيوان تحتويهم بذوراً صغيرة وتتعهدهم حتى يصلوا التمام.. فهو أدرك أن هناك مبدءاً في الحياة.. هو مدين له بحياته هو والأشياء من حوله.. وأن هذا المبدأ مؤنث والمرأة تجسيد له ..لأن الطبيعة إذا كانت تلد الإنسان فهي تلده عن طريق المرأة. فالمرأة هي الطبيعة في صورة إنسان. من هنا يأتي الرباط بين المرأة والطبيعة (حامد سعيد 1994 – أساسيات الشخصية المصرية – الهيئة العامة للكتاب)، وكما قدس المصري القديم بعض مظاهر الطبيعة – رغبة ورهبة – كالشمس والقمر والنماء، قدس أيضاً المرأة ورفعها أحياناً إلى مراتب الآلهة (أسطورة الإلهة إيزيس).

والمرأة راعية لجوانب الرحمة والعدل والبقاء في الوجود، فالرحمة من الرحم، ووظيفة الرحم هي احتواء البذرة الأولى وحمايتها وتغذيتها ثم رعايتها بعد ذلك طول الحياة. وفي الأسطورة المصرية القديمة كان “أوزيريس” يمثل الرجل المعلم صاحب القانون والقوة والخير. ولما كان الخير لا يترك وحده على الأرض، فقد جاء الشر ممثلاً في رمز الشر “سـت” واحتال على “أوزيريس” واحتواه داخل تابوت وأغلق عليه وألقى به في النيل. فما كان من ” إيزيس ” وهي راعية الحياة وحاميتها والمجاهدة الأولى في سبيل العمل على أن يكون الحق والنظام والخير أمراً واقعاً إلا أن تسعى حتى تحصل على جسده في التابوت.

ولكن “ست” يستعيده، وفي هذه المرة يقطعه إربا ويبعثره في أنحاء الوادي ولم تقبل إيزيس ثانياً هذا الأمر الواقع وجمعت الأشلاء وحملت منه الأمل.. الطفل “حوريس” الذي أصبح يمثل كل حاكم على هذه الأرض.. كل صاحب أمر في هذا المكان مفروض أنه يحكم باسم “حوريس” لكي يقيم القانون والخير والحق مرة أخرى على الأرض، وكليوباترا منحت أنطونيو الحب والرعاية والحماية، وكذلك فعلت شجرة الدر مع الملك الصالح… وهكذا نرى المرأة ترعى الحياة وتلملم الأشلاء وتحمي بذور الحب والرحمة والحق والعدل.

“ويخيل لنا أن الفن المصري كان نتيجة التزام المصري بعالم النبات وتفتحه له وتفتحه لمبدأ الأمومة في الطبيعة أو الأنوثة في الطبيعة. والأنوثة أعم من الأمومة، الأمر الذي جعل منجزاته تبدو وكأنها من خلق الطبيعة الأم نفسها لا افتعال فيها إطلاقاً بل فيها شيء من العمق والبساطة وصدق التكوين ولا محدودية الإيحاء الذي تقدر عليه الطبيعة…. وإن كلاً من المرأة والطبيعة في ذلك الفن لم تؤخذ غلاباً ولكن حباً ووداً وتواصلاً وتوحداً وامتزاجاً، فأعطت وساندت وساعدت وأسعدت وكملت وشفت وأتاحت حين شفت بصيرة من معنى الحياة أرق من النسيم وأدق من الكلام” (حامد سعيد – 1994 – أساسيات الشخصية المصرية).

وهذا المأخذ الرفيق الرقيق الودود المحب لكل من المرأة والطبيعة يتناقض مع المواقف المعاصرة التي تتحدث عن قهر الطبيعة وتحديها والسيطرة عليها وامتصاص ثرواتها واستغلال قوانينها وركوب برها وبحرها وجوها قسراً وكرها وكذلك المرأة. وكنتيجة لتشوه إدراك الإنسان للطبيعة (الأم) تشوه إدراكه للمرأة وأصبح يراها لغزاً عصياً على الفهم، ولذلك قال بعضهم في يأس: مهما أوتيت من قدرة على فهم أفكار ومشاعر البشر وبالتالي التنبؤ بسلوكياتهم فإنك لا تستطيع أن تدعي النجاح في ذلك مع المرأة، وإذا حدث ونجحت في فهمها فهماً كاملاً فهناك أحد احتمالين:
أولاً:-أن تكون هذه المرأة مسترجلة
ثانياً:- أن يكون ذلك الفهم قد حدث صدفة ولذلك لا يقاس عليها ولا يمكن تعميمها .

ويبدو أن المرأة تسعد بهذا الغموض لأنها اكتشفت أنه يزيدها سحراً، ويزيد انشغال الرجل بها والدليل على ذلك تلك الإبداعات الأدبية والفنية الهائلة والجميلة التي تجسد الحيرة أمام هذا المخلوق المحوري شديد التقلب والتناقص بالدرجة التي يصعب معها التقاط صورة حقيقية له تعبر عنه تعبيراً كاملاً.

وحين كانت تشتد حيرة الرجل وارتباكه أمام سلوك المرأة ومشاعرها كان يصفها بأنها مثل الحية في نعومتها وقسوتها والتوائها وقدرتها على النفاذ، وهذا الوصف له جذوره الدينية التي نلمحها في هذا النص التوراتي في الإصحاح الثالث من سفر التكوين: “وكانت الحية أحيل جميع الحيوانات البرية.. فقالت للمرأة: أحقاً قال الله لا تأكلا من شجر الجنة؟ فقالت المرأة للحية: من ثمر شجر الجنة نأكل وأما ثمرة الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منها ولا تمساه لئلا تموتا.

فقالت الحية للمرأة: لن تموتا .. بل الله عالم انه يوم تأكلان منه تتفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر، وأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل، وانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان، فخاطا أوراق تين، وصنعا لأنفسهما مآزر، وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله وسط شجر الجنة، فنادى الرب الإله آدم: وقال له: أين أنت؟
فقال له: سمعت صوتك في الجنة، فخشيت لأني عريان واختبأت. فقال: من أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها؟ فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي أعطتني من الشجرة، فقال الرب الإله للحية: لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية، على بطنك تسعين وتراباً تأكلين كل أيام حياتك، وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها، هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه، وقال للمرأة: تكثيراً أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولاداً، والى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك، وقال لآدم: لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلاً لا تأكل منها – ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك ، وشوكاً وحسكاً تنبت لك، وتأكل عشب الحقل بعرق وجهك ..تأكل خبزاً حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها، لأنك تراب، والى التراب تعود”.

وسواء آمن البعض بالنص التوراتي كتراث ديني أو نظر إليه البعض الأخر كتراث إنساني، فإننا نستطيع استخلاص المفاهيم التالية من عباراته وإيحاءاته:

  1. ثمة علاقة ترابط بين المرأة والحية نتج عنها حوار بين الاثنين ثم اتفاق ثم خطة تم تنفيذها.
  2. 2-     كانت المرأة قابلة للاستهواء من الحية، وفي نفس الوقت قادرة على استهواء الرجل (آدم).
  3. لدى المرأة – والرجل أيضاً – جوع للخلود والرؤية والوعي جعلتهما يتورطان في تجاوز الحدود (يوم تأكلان منه تتفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر).
  4. ولع المرأة بالجمال والزخرف (وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر).
  5. المرأة قادرة على إغواء الرجل (وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل)، (المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة).
  6. كثرة معاناة المرأة في الحمل والولادة (تكثيراً أكثر أتعاب حبلك. بالوجع تلدين أولاداً).
  7. المرأة مشدودة إلى الرجل ومسودة به (والى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك).
  8. الرجل يسمع لقول المرأة ويعاني من ذلك (لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلاً لا تأكل منها – ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك).

وإذ كانت هذه هي صورة المرأة في النص التوراتي فإن النصوص القرآنية التي تناولت هذه القصة لم تشر من قريب أو بعيد إلى ذلك التحالف – غير المقدس – بين حواء والحية (لا حظ الاشتراك في البناء اللفظي)، حيث وردت القصة في ثلاث مواضع في القرآن الكريم: –

? ففي سورة البقرة : وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ *فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ” (البقرة 35 ، 36 ).

? وفي سورة الأعراف: وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ” (الأعراف 19، 20 .
وفي سورة طه : فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى  * فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عليهمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى   (طه 120 ، 121 
ففي سورتي البقرة والأعراف كان الزلل والوسوسة لآدم وحواء معاً دون إشارة إلى سبق أحدهما، في حين كانت وسوسة الشيطان موجهة لآدم في سورة طه (فوسوس إليه الشيطان) ثم اشترك هو وحواء في الفعل (فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما) ، وانفرد آدم بالمسئولية وتلقي اللوم (وعصى آدم ربه فغوى).
مع هذا ورد في تفسير الطبري، وهو أحد التفاسير المعتبرة للقرآن الكريم، نقلاً بالإسناد عن وهب بن منبه الطبري: “.. لما أسكن الله أدم وزوجته الجنة، ونهاهما عن الشجرة أراد إبليس أن يستذلهما فدخل في جوف الحية .. فلما دخلت الحية الجنة خرج من جوفها إبليس فأخذ من الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته فجاء به إلى حواء فقال: انظري إلى هذه الشجرة! ما أطيب طعمها وأحسن لونها! فأخذت حواء فأكلت منها، ثم ذهبت بها إلى آدم فقالت: انظر إلى هذه الشجرة: ما أطيب ريحها وأطيب طعمها وأحسن لونهافأكل منها آدم. فبدت لهما سوآتهما..”

  • وخطورة هذه القصة أنها جعلت حواء أحد أضلاع مثلث بقية أضلاعه الحية وإبليس، ومرجعية هذه القصة – كما هو ظاهر – قصة التوراة التي حفظها وهب بن منبه ورواها للمسلمين بعد دخوله في الإسلام ولذلك تعتبر من الإسرائيليات.
  • وإذا انتقلنا من التراث الأدبي والفني والديني (النظرة التلسكوبية) إلى التراث العلمي (النظرة الميكروسكوبية) فإن الصورة تزداد وضوحاً شيئاً فشيئاً لدرجة أننا نستطيع القول بأنه من خلال المنهج العلمي البسيط نملك كلمة السر للدخول إلى عالم المرأة الغامض المجهول ونفك طلاسم هذا اللغز، وسوف يتم هذا من خلال عدة مفاتيح بسيطة نذكرها فيما يلي:

(أ‌) التكشف البيولوجي مقابل التستر النفسي:

لا يمكن فهم المرأة نفسياً إلا من خلال فهمها بيولوجياً، فعلى الرغم من غموض المرأة نفسياً فهي شديدة الوضوح بيولوجياً، بمعنى أن التكوين البيولوجي فاضح لها مهما حاولت إخفاءه، فهي أضعف عضلياً من الرجل على وجه العموم، وفي حالة بلوغها يسيل دم الدورة الشهرية معلناً بدء الحدث في وضوح، ويتكرر ذلك الإعلان مرة كل شهر مسبوق ومصحوب ومتبوع بتغيرات جسدية ونفسية لا يمكن إخفاءها، والتركيب الجسماني للمرأة بعد البلوغ يعلن عن نفسه بشكل واضح من خلال بروزات واضحة في أماكن مختلفة من الجسم، والحمل يكون ظاهراً بارزاً بعد الشهر الرابع، والولادة مصحوبة بألوان شتى من الألم والصراخ والنزف، والأطفال كائنات ظاهرة وملتصقة بالأم تعلن أمومتها في صراحة ووضوح، وحين تصل المرأة إلى سن الشيخوخة أو قريب منها تظهر الترهلات والتجاعيد بشكل أكثر وضوحاً مما يظهر في الرجل.

وكرد فعل طبيعي لهذا الفضح البيولوجي تميل المرأة -السوية- إلى التخفي والتستر، وما الخجل الفطري لدى المرأة إلا رغبة حقيقية في الابتعاد عن العيون الفاحصة المتأملة لتلك المظاهر البيولوجية الكاشفة، ومن هنا يبدو حجاب المرأة ملبياً لهذا الاحتياج الفطري النفسي للتستر أما محاولات التعري لدي النساء فإنها غالباً تتم بإيعاز من الرجل ورغبة في إرضائه أو جذب انتباهه، أي أن التعري ليس صفة أصلية في المرأة السوية.
وربما تكون صفة التستر قناعاً يخفي حقيقة المرأة البيولوجية ومشاعرها عن العيون، وخاصة إذا بالغت المرأة في استخدامها….. وربما يكون هذا هو أحد أهم أسباب غموض المرأة وكونها لغزاً.

ويتبع صفة التستر صفة أخرى تبدو مناقضة لها ولكنها في الحقيقة مكملة إياها، وهذه الصفة هي التظاهر” فالمرأة لا تكتفي بالتستر ولكنها تريد أن تزين ظاهرها وتجمله ليتلهى به كل ناظر إليها فلا يستطيع التلصص إلى دخائلها بسهولة. ومن هنا نفهم ولع المرأة الفطري بأدوات الزينة والتجميل واستعمال الروائح العطرية. ولا يتوقف التظاهر عند المستوى الجسدي أو المادي فقط وإنما يمتد إلى المستوى النفسي فيتمثل في ميل المرأة إلى الكذب المتجمل بمعنى أنها تميل إلى إعطاء صورة أفضل عن نفسها تخفي بها أشياءاً وتظهر أشياءاً وتبالغ في أشياء.

وهي إن بالغت في عمليتي التستر والتظاهر تصبح خادعة ومخدوعة في نفس الوقت، فهي تكون قادرة على خداع الرجل بظاهرها (المخالف كثيراً لباطنها)، وتكون أيضاً مخدوعة لأنها بمبالغتها في لبس القناع تصبح بعيدة عن مشاعرها الحقيقية وعن ذاتها الأصلية فتصدق ما صنعته من وسائل التمويه. وهي إذ تفعل هذا تكون أكثر هشاشة في تكوينها من الرجل لأنها تكون (كما قالت أحد الفتيات في جلسة علاج نفسيأشبه بماسة في زجاجة.
والمرأة لا تحتاج فقط إلى ستر تكوينها البيولوجي والتظاهر بخلافه، وإنما تحتاج ذلك أيضا في مواجهة مشاعرها وعواطفها، فقد خلقت بطبيعة جياشة لتكون مناسبة لمواكبة حاجات الأب والزوج والابناء، وهذه الطبيعة تتسم بالسيولة العاطفية والتي تتبدى في التغير السريع في المشاعر وفي حرارة هذه المشاعر مقارنة بالرجل. وهذه السيولة العاطفية يكمن خلفها تركيبات عصبية وإفرازات هرمونيه تجعلها قوة دافقة تخشى المرأة خطرها، لذلك تحاول جاهدة إخفاء جزء كبير من مشاعرها وربما أظهرت مشاعر تبدو في ظاهرها عكس مشاعرها الحقيقية، فهي تحاول إخفاء حبها حتى لا تتورط في علاقات حرجة، وتحاول إخفاء كرهها حتى لا تتعرض لغضب الرجل الذي تحتاج إليه وتخشى بطشه، وهي التي خلقت لتتمنع وهي راغبة (يتمنعن وهنّ الراغبات). فإحساسها بضعفها وإحساسها بأنوثتها يجعلها تفضل موقف الانتظار فلا تسمح لرغباتها بالظهور الفج أو التعبير الصريح كما يفعل الرجل.

(ب‌) التبعية :

مهما تظاهرت المرأة بالقوة ومهما تزعمت الحركات النسائية فهي تشعر في أعماق أعماقها بأن الرجل يعلوها، وأنها تابعة له متعلقة في رقبته. والحركات النسائية نفسها تعتبر دليل على ذلك لأن المرأة لو شعرت في قرارة نفسها بالمساواة الحقيقة بالرجل لما شغلت نفسها بالإلحاح ليل نهار بأنها مثل الرجلويبدو أن هذه حقيقة لا تستطيع المداهنات الاجتماعية أو الإنسانية تجاهلها على أي مستوى من المستويات، فقد ورد في التوراة (الإصحاح الثالث من سفر التكوين):

وإلى رجلك يكون اشتياقك، وهو يسود عليك

وجاء في القرآن: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عليهنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عليهنَّ دَرَجَةٌ” ( البقرة 228)
وجاء أيضا: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ النساء34)
والواقع يؤكد هذه الحقيقة في كثير من النواحي، فمما لا شك فيه أن الرجل أقوى عضلياً من المرأة (والاستثناءات النادرة لا تنفي هذه القاعدة بل تؤكدها)، والرجل متفوق في أغلب المجالات على مر العصور (وهذا لا يمنع تفوق بعض النساء على كثير من الرجال على الندرة التي لا تغير القاعدة) . والطريف أن الرجل ثبت تفوقه على المرأة في المجالات التي كان يعتقد أن للمرأة سبق معرفة بها وسبق تخصص فيها .
فالمرأة مثلاً متفرغة للطهي منذ صغرها وتمارسه طيلة حياتها، ومع هذا نجد الرجل الذي يمارس الطهي لفترة وجيزة يتفوق عليها ونفاجأ بأن أعظم الطهاة في العالم هم من الرجال، وقس على ذلك أن أعظم مصممي الأزياء النسائية هم من الرجال وأعظم مصففي الشعر وأعظم منتجي أدوات الزينة التي هي من أقرب خصوصيات المرأة هم أيضا من الرجال إذن فنحن أمام واقع تؤكده الشواهد اليومية ويؤكده التركيب البيولوجي وتؤكده النصوص الدينية، وهذا الواقع ليس عيباً في التكوين وليس انتقاصاً من المرأة وليس مبرراً لاستعبادها وقهرها، وإنما هو احتياج وظيفي لكي تكتمل مسيرة الحياة …(مع الاعتذار للزعيمات) . والمرأة السوية – تعرف بداهة أنها متعلقة برقبة الرجل طوال مسيرة حياتها، فقد عاشت طفولتها وصباها متعلقة برقبة أبيها أو أخيها، وعاشت شبابها ونضجها متعلقة برقبة زوجها، وعاشت بقية حياتها متعلقة برقبة ابنها…. وهكذا تشعر المرأة بمحورية دور الرجل سواء أحبته أم كرهته.

وكرد فعل نفسي لهذا الشعور العميق بالتحتية والتبعية نجد أن المرأة تميل إلى الدهاء والحيلة لتتفادى بطش الرجل، وهي تلجأ للإغراء بأن تتزين وتتعرض للرجل وتنتظر سعيه إليها فإن لم يكن ذلك كافياً لجأت إلى الإغواء بالتنبيه والحيلة والدلال، فهي تسعى إلى تحريك إرادة الرجل نحو الفعل، بمعنى أن المرأة تملك الإرادة المحركة في حين يملك الرجل الإرادة الفاعلة. والمرأة بوعيها الفطري بقوة الرجل تسعى لموازنة ذلك بجمال الأنوثة وهي تستطيع أن تصل من خلال جمال الأنوثة إلى قهر قوة الرجولة وبذلك تشعر أنها حققت مرادها وأكثر. وهذا النموذج الطبيعي يؤدي إلى بقاء النوع وتحسين صفاته حيث تسعى المرأة الجميلة إلى الاستسلام للرجل القوي فينتج نسلاً يجمع بين القوة والجمال، وعلى العكس فالمرأة المسترجلة تبحث عن رجل ضعيف لتعتليه فينتج جيلاً ضعيفاً مشوهاً، وهي لن تكتفي بانتقائها للرجل الضعيف بل ستواصل قهرها لأبنائها من الذكور فتزيدهم ضعفاً.

وحين تفشل المرأة في إغراء الرجل أو إغوائه، أوحين ترفض حتمية التحتية والتبعية للرجل بسبب إسترجالها أو مبالغة الرجل في الاستعلاء عليها فإنها تلجأ للعناد والمخالفة والعصيان، فهي بالعناد تثبت وجودها الذي يريد الرجل بحماقته الإطاحة به، وهي بالعناد ترفض ضعفها الذي استغله الرجل لإذلالها بدلاً من توظيفه لخدمة الحياة
والمرأة –مثل أي تابع– مولعة بالممنوعات وبما هو ليس كذلك، فهي تبحث عن البديل لعلها تجد فيه الخلاص من التبعية للرجل، ولعل إقدامها على الأكل من الشجرة المحرمة يرمز لهذه الصفة الأصيلة فيها. ويعبر الشاعر الجاهلي طفيل الغنوي عن هذه الصفة الأنثوية بقوله:

إن النساء كالأشجار خلقن لنـا منها المرار، وبعض المر مأكول
إن النساء متى ينهـين عن خُـلق فإنه واجــب لابــد مفعــول


فهي مولعة بالممنوع بحثا عن الخلاص من التبعية، وهي مولعة بالممنوع كجزء من عنادها، ومولعة بالممنوع لأنها تشعر أن القوانين وضعها الرجال، ومولعة بالممنوع لإحساسها بأن الرجل هو المسئول عنها وعن شرودها وعليه أن يلملمها إذا هي تبعثرت ويعيدها إذا انحرفت. وهذه الصفة رغم ظاهر خطورتها إلا أنها تفتح الطريق أمامها وأمام الرجل إلى ما هو “ليس كذلك وتمهد الطريق لرؤى إبداعية جديدة، وتنبه الرجل إلى مصادر الجمال والمتعة، وتفتح أمام عينيه آفاقا من الرؤية والمخاطرة، وبذلك تكون المرأة ملهمة للإبداع ويكون الرجل منتجا له. وهذا ملحوظ على مر التاريخ حيث كانت المرأة أقل إبداعا من الرجل حتى في المرثيات التي هي أقرب إلى خصائص المرأة، وحتى الرقص تكون فيه المرأة منفذة لا مبتكرة (أشهر مصممي الرقصات من الرجال).
والمرأة حين تفشل في إغراء الرجل أو إغوائه وحين تفشل في مقاومة قوته بجمالها، وحين تفشل في تحريك إرادته ليتجه نحوها، وحين تفشل في عناده، وحين تفشل في اجتياز الخطوط الحمراء والدخول في المناطق الممنوعة، حين تفشل كل هذه الوسائل لا تجد أمامها إلا الشكوى والألم والتمارض، ويحدث هذا حين يُهمل الرجل المرأة أو حين تفقد المرأة جاذبيتها أثناء الحمل أو بعد الولادة أوحين بلوغ سن اليأس، وهنا تكثر الشكوى الجسدية وتكثر الآلام وتكثر علامات الاستغاثة ونداءات القرب، وطلب الاعتمادية السلبية، لعل هذه الأشياء تكون شفيعة لها عند الرجل فيرق قلبه ويحتويها مرة أخرى (سواء كان أباً لها أو زوجاً أو ابناً) .
(جـ) المرأة ونوازع الحياة:

وإذا كانت صفة التبعية قد أغضبت بعض النساء، فإن الصفة الحالية حتماً ستسعدهن أيما إسعاد. فالمرأة تعلم في قرارة نفسها أنها الوعاء الذي يحافظ على بقاء النوع، فهي منتجة للحياة بإذن ربها، وراعية لها، لذلك تشعر من هذه الناحية أنها أقوى من الرجل، والمرأة هي وعاء اللذة الجنسية التي أعطاها المحللون النفسيون مكانة محورية في توجيه وتحريك السلوك، والمرأة هي الوعاء العاطفي الذي يشعر الرجل معه بالسكن والراحة، والمرأة تذكي روح التنافس بين الرجال طلباً للقوة التي توصل إلى قلبها إذن فالمرأة وعاء الحياة، ووعاء البقاء، ووعاء اللذة، ووعاء العاطفة والسكن، ووعاء القوة، أي أن المرأة تضرب بجذورها في أعرق نوازع الحياة.
(د) الوفاء للطبيعة:

هذه أحد الصفات المحيرة جداً للرجل، فهو يريد المرأة وفية له دائماً، والمرأة السوية تفعل ذلك غالباً خاصة إذا كان وفاؤها للرجل يتماشى مع وفائها للطبيعة، أما إذا تعارض الإثنان فإنها تختار (شعورياً أو لا شعورياً) الوفاء للطبيعة. وهذه فطرة أصيلة في المرأة للمحافظة على القوة والجمال في النوع البشري، فالمرأة أكثر ميلاً نحو الأقوى (بكل معاني القوة) والأجمل (بكل معاني الجمال)، وهي مدفوعة لذلك بالفطرة، ولو كانت غير ذلك فقبلت الأضعف (بكل معاني الضعف) والأقبح (بكل معاني القبح) لتدهورت السلالات البشرية. وهذه الصفة رغم انتهازيتها الظاهرية –على الأقل في نظر الرجل– إلا أنها تدفعه ليكتسب مصادر القوة (الصحة والمال والنفوذ… إلخ) ويكتسب مصادر الجمال (المظهر والأخلاق والسلوك) وهذا يصب في النهاية في مصلحة الجنس البشري ككل حتى وإن كان على حساب الضعفاء من الرجال.

وهناك استثناءات تقبل فيها المرأة الاستمرار مع الأضعف أو الأقبح ويكون ذلك بدافع الشفقة أو الأمومة أو أي دوافع فطرية أخري، أو تكون مضطرة لذلك، وهذه الاستثناءات لا تنفي القاعدة الفطرية العامة والمرأة حين تقاوم فطرتها مضطرة فإن ذلك يظهر عليها في صورة اضطرابات نفسية وجسمانية متعددة كاحتجاج على مخالفة الدافع الفطري لديها وهو الوفاء للطبيعة التي تدعم بقاء الأقوى والأجمل.

(هـ) الجمع بين النقيضين:

لا يفهم المرأة من لا يفهم هذه الصفة الفطرية فيها، فهي تجمع بين اللذة والألم بحيث لا تستطيع التفرقة بينهما في لحظة بعينها، ويتجسد ذلك في حالة اللقاء الجنسي الذي يموج بمشاعر غاية في التناقض لدى المرأة، ويتجسد أيضاً في حالة الحمل والولادة والرضاعة وتربية الأولاد، فعلى الرغم من شكوى الأم من آلام الحمل والولادة والرضاعة والتربية إلا أنها في ذات الوقت تشعر بلذة عارمة أثناء هذه المراحل. ويمتزج الحب بالكره لدى المرأة فهي تكره شقاوة الأبناء وتحبهم في ذات الوقت، وتحقد على الزوج ولا تطيق ابتعاده عنها، وتغضب من الأب وتدعو له بطول العمر وهي تجمع بين الضحك والبكاء ويساعدها تكوينها العاطفي وسيولة مشاعرها على ذلك، ويساعدها التكوين البيولوجي فتسعفها الغدد الدمعية بما تحتاجه من دموع وبمنتهى السرعة والسهولة.
(و) التقلب: 
وهو صفة بيولوجية ونفسية أصيلة في المرأة، فالمرأة منذ بلوغها لا تستقر على حال، فأحداث الدورة الشهرية وما يسبقها وما يصاحبها وما يتبعها من تغيرات تجعلها تتقلب في حالات انفعالية متباينة، والحمل وما يواكبه من تغيرات جسدية وهرمونية ونفسية يجعلها بين الشوق والرفض وبين الرجاء والخوف طيلة شهور الحمل، ثم يتبع ذلك زلزال الولادة الذي ينتج عنه تعتعة ما تبقي من استقرار لدى المرأة. ومع قدوم الطفل تصبح الأم مسئولة عن كائن كثير الاحتياجات، شديد التقلب، ولابد أن تكون لديها قابلية لمواكبة كل هذا وغيره كثير في حياتها. ومن لا يفهم صفة التقلب لدى المرأة يحار كثيراً أمام تغير أحوالها ومشاعرها وقراراتها وسلوكياتها.
وبالتأكيد فإن الصفات التي ذكرناها تمثل غالبية النساء، وتبقى هناك استثناءات تخرج عن هذه القواعد، ولكن الاستثناءات لا تنفي بل تؤكد القاعدة، وأخيراً نقول: هذه هي المرأة اللغز، شديدة الغموض شديدة الوضوح، بالغة الضعف بالغة القوة، فاستوصوا بالنساء خيراً.

Scroll to Top
انتقل إلى أعلى