فلسفة آباي نحو الإنسان البسيط

د خالد السيد غانم
كان للإنسان في فكر آباي قونانباي نصيب أوفر في إبانة صفاته واتجاهاته، وقدمت فلسفة آباي وصفا للإنسان البسيط من خلال حكمه وأمثاله فيقول: الإنسان البسيط الذي يتحلى بالفطنة والذكاء أسمى من الملك الذي حالفه الحظ ورفعته الأقدار، الشاب الذي يبيع ثمار عمله أفضل من الرجل العجوز الذي يتاجر بلحيته.(من القول السابع والثلاثين ).

حيث يصور الشاعر الحكيم مقارنة حكيمة بين إنسان بسيط يتسم بالفطنة والذكاء، وإنسان يملك الكثير ويعيش في رفعة، فالأول أسمى. إذ إن الذكاء والفطنة تجعل الإنسان يعيش بفكر طيب، وعمل صالح، ومع أن توقُّد الذكاء هبة من الله تعالى، بيد أن وجوده فطري لدى الإنسان.
ومن خلال استقراء التاريخ ومأثورات السابقين، قيل: إن أشهر دهاة العرب الكبار أربعة، هم: معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وزياد ابن أبيه، والمغيرة بن شعبة”.
ويروي الأصمعي عن معاوية أنه قال: “أنا للأناة، وعمرو للبديهة، وزياد للكبار والصغار، والمغيرة للأمر العظيم”.
أما الذكاء فكان مضرب المثل فيه بإياس بن معاوية، حتى قيل: “أذكى من إياس بن معاوية، وأحلم من الأحنف، وأسخى من حاتم، وأشجع من عمرو.
وفي ذلك قال أبو تمام ـ وهو يمتدح الخليفة المعتصم ـ :
إقدام عمرو في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس”.
فأراد بعض الحاضرين أن يوقعوا بين أبي تمام والمعتصم، فقالوا: لقد شبهت أمير المؤمنين بصعاليك العرب.
فقال أبو تمام:
لا تنكروا ضربي له من دونه مثلًا شرودًا في الندى والباس.
فالله قد ضرب الأقل لنوره مثلًا من المشكاة والنبراس.
إضافة إلى أن آباي عقد مقارنة أخرى بين إنسان يحيا بشبابه ويعمل بكد يمينه، ورجل عجوز لا يملك إلا كبر سنه وعمره، فالأول ـ لا ريب ـ أفضل.
دون مواربة، الإنسان مكلف بالسعي في مناكب الأرض، لاستخراج ما فيها من كنوز؛ حتى يعيش حياة كريمة، ويكون من أسباب جلب الرزق لمن يعولهم أو لمجتمعه ككل، وسوف يرقب الله ـ تعالى ـ ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عمله، ويكون الناس رقباء وناظرين، وذلك مهما علت مكانة الإنسان، وهكذا صُوِّرت فلسفة آباي نحو الإنسان البسيط.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x
Scroll to Top
انتقل إلى أعلى