ماذا تعرف عن التحكيم (13)ضمانات هيئة التحكيم

بقلم الدكتورة /منى طه عامر خبير التحكيم – المحكم الدولي المعتمد
المحامية بالنقض

تناولنا فى الحلقات السابقة الواجبات الملزمة لهيئة التحكيم والواجبات الاخلاقية والقانونية وما يلزم على هيئة التحكيم اتباعه من سلوكيات اثناء مباشرتها لدعوى التحكيم ، كما تناولنا أيضاً شكل حكم التحكيم لكي يكون حكماً صحيحاً وذلك لحمايته من البطلان . ولكن هناك موضوع هام جداً يلزم عرضه وتناوله بشكل مفصل وهو الضمانات التى يجب ان يتمتع بها المحكم اثناء مباشرته لدعوى التحكيم وحتى انتهاء مهمته بإصدار حكم التحكيم أو بانتهاء الخصومة وهذه الضمانات تتمثل فى :

  • ضمانات المحكم ومسئوليته وإنقضاء مهمته
    حيث يعد مبدأ إستقلال القضاء مقتضى أساسي يجب توافره في القاضي وضرورة حتمية للنهوض بعمله ويقصد بهذا المبدأ هو عدم خضوع القاضي في ممارسته لعمله لأي مؤثرات أو ضغوط خارجية تفرض عليه أراء مسبقة أو تمليها إعتبارات أخرى غير إعتبارات النظام القانوني فإستقلال القاضي يعني تحرره من القيود الخارجية بحيث لا يخضع في عمله لغير القانون وفقاً لما يليه عليه إقتناعه وضميره فيجب ألا يخضع في ممارسته لعمله لسلطان أي جهة أو سلطة أخرى.

حيث قرر المشرع دستورية هذا المبدأ وقرر أيضاً ضمانات مختلفة للقاضى تكفل له إستقلاله وهذه الضمانات ليست مقررة لحماية شخص القاضي بل حماية إستقلاله في وظيفته حتى يحسن أداءها.
وتتمثل تلك الضمانات في عدم قابلية القضاة للعزل، تقرير قواعد خاصة بالنسبة لترقية القضاة ومرتباتهم وتأديبهم وإتهامهم ومحاكمتكم جنائياً .
ولا يكفي مبدأ إستقلال القاضي وحده لضمان حسن أداء العدالة بل لا بد أن يتمتع القاضي بالحياد بمعنى ألا تكون له عند مباشرة وظيفته مصلحه ذاتيه تؤثر في تقديره وتحول دون قيامه بعمله بموضوعية ونزاهة . إذ يعد مبدأ الحياد مبدأ جوهرياً يحكم نشاط القاضي في الخصومة ، فيتعين عليه أن يزن المصالح القانونية للخصوم بالعدل وزناً مجرداً من الأهواء والعواطف ، يحكم في الدعوى بناء على الأدلة المطروحة أمامه ، والوقائع الواردة في ملف القضية ولكي يكون القاضي محايداً لا بد أن يكون مستقلاً فالحياد والإستقلال قاعدتان متلازمتان فلا يوجد حياد إذا انتفى الإستقلال ولا
مبرر للإستقلال في حالة إنتقاء الحياد فالاستقلال شرط ضروري للحياد .
ويقتضي مبدأ الحياد : يعنى الالتزام بمبدأ المساواة بين الخصوم وعدم القضاء بعلمه الشخصي، فلا يكون له أي رأي مسبق في الدعوى التي ينظرها فلا يجوز له أن يشترك في نظر دعوى قد سبق له نظرها قاضياً أو محكماً أو خبيراً . ويرجع سبب المنع هو الخشية من أن يلتزم القاضي برأيه الذي تكشف عنه عمله السابق مما يجعل للقاضي رأياً في القضية يتعارض مع ما يشترط فيه من خلو وصفاء ذهن عن موضوع الدعوى التي يفصل فيها دون أن يكون لديه مسبق حيالها.
وحياد القاضي يتطلب إبعاده عن كل المؤثرات التي تؤدي إلى ميله وتحيزه ولهذا نظم القانون بعض القواعد التي من شأنها حماية القاضي من التأثر بهذه الإعتبارات وتتمثل في : إبعاد القاضي عن الإشتغال بأي عمل آخر غير القضاء حتى لاينشأ له مصالح مادية أو أدبية أو يدخل في روابط متعددة تؤثر عليه مباشرة في وظيفته ( م 72 ، 73 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 ) ، ومنعه من نظر الدعاوى التي يحتمل فيها الإنحراف بسبب وجود صله بينه وبين أحد أطراف الدعوى أو موضوعها إذ يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى إذا توافرت أسباب عدم صلاحية القاضي فتنحيه القاضي عن نظر الدعوى هو الوسيلة التي يعتمدها القانون لضمان حياده . وقد عدد القانون الحالات التي يكون فيها القاضي غير صالح لنظر الدعوى ، فهناك حالات عدم الصلاحية بقوة القانون م 146 إذ يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ولم يرده الخصوم ، وحالات أخرى م 148 يكون تنحيه القاضي بناء على طلب أحد الخصوم وهو ما يعرف بنظام رد القاضي ، كما يجوز للقاضي أن يبادر بنفسه إذا أستشعر الحرج من نظر الدعوى لأي سبب في غير أحوال الرد المذكورة أن يطلب من تلقاء نفسه تنحيه ولا تنتج التنحية أثرها إلا بموافقة القضاء وإذنه.
وعلى الرغم من خلو التشريعات وانظمة التحكيم من عمل تنظيم متكامل لحقوق المحكم ، فى الوقت الذى يترتب على عاتق المحكم التزامات بمجرد قبوله المهمة المسندة اليه تتمثل باداء عمل يترتب عليه قيام واجبات يلتزم بها ويؤديها ولا يحيد عنها وغلا وقع فى دائرة المساءلة .
ومن ثم تقتضى العدالة بالمقابل أن يكون له حقوق يحصل عليها تعزيزاً لمكانته ونظيراً لدوره الهام الذى يؤديه ولكى يكون بمنأى عن كل ما يمس شخصه أو ينال من عدله أو نزاهته ليتمكن من الوصول بالتحكيم الى مستواه المطلوب ، ولضمان مصالح وحقوق المحكم حتى انتهاء مهمته لابد من تقديم ضمانات اساسية وجوهرية تتمثل فى :
الحقوق الادبية : وهى الحقوق المتعلقة بشخص المحكم وإحترامه توقيراً للمهمة العظيمة التى يقوم بها والتى تتمثل فى تحقيق العدالة ، وحقه فى التمتع بالحصانة ، وحقه فى قبول مهمة التحكيم أو رفضها ، وحقه فى التنحى بارادته عن اداء المهمة ، وحقه فى عدم عزله دون مبرر ، وحقه فى تأدية المهمة حتى نهايتها ، ونتناولها فى ايجاز غير مخل :
1- حق المحكم فى قبول المهمة أو رفضها

فمهمة المحكم هى مهمة اختيارية وليست اجبارية ، فترشيح المحكم وتسميته لا تعنى الزامه بقبول المهمة فله أن يقبلها وله أن يرفضها فاذا انتهى قراره الى رفض المهمة فلا يكون عليه ثمة التزام تجاه اى طرف وإن قبلها يصبح ملتزماً باكمالها .
فلم تنص غالبية القوانين على ضرورة أن يعطى المحكم موافقته ، والاصل أن تكون الموافقة صريحة وكتابية ، ففى بعض تحكيمات الحالات الخاصة يتم استخلاص الموافقة الضمنية من الظروف والملابسات مثل مباشرة اجراءات التحكيم ، وقد اشترطت القوانين هذه الموافقة ، واذا كانت القوانين لم تجتمع على شكل الموافقة إلا أنه يجب ان تعبر الموافقة عن نفسها بشكل واضح وصريح وبما لايشوبه شك أو لبس والافضل أن تكون هذه الموافقة كتابية مثل تبادل الرسائل أو من خلال محاضر تنظم هذا الامر عند توقيع وثيقة التحكيم مثلاً ،حيث أن قبول المهمة يترتب عليه التزامات وواجبات مباشرة دعوى التحكيم وفى المقابل لا يجبر المحكم على قبول التحكيم فى نزاع لا يرغب فى الفصل فيه ، ولان المحكم غير القاضى الذى لا يحق له رفض الفصل فى دعوى تعرض عليه.

2- حق المحكم فى احترامه وتنفيذ حكمه:

فلم تنص التشريعات وانظمة التحكيم على هذا الحق إلا أن المحكم كالقاضى عندما يجلس على منصة التحكيم ليفصل بين المتنازعين فانه يمارس شكلاً من اشكال العدالة ، وبالتالى فإن المحكم يجب أن يتمتع بذات الحقوق التى يتمتع بها القاضى والتى تتمثل فى احترامه وتوقيره ، وقد رتب القانون على عدم احترام القضاة والتعدى عليهم امكان انزال العقاب بالفاعل سواء من الاطراف المتنازعة أو ممثليهم أو من يحضر الجلسات وارى انه يجب أن يحظى المحكم بما يحظى به القاضى من حقوق وضمانات .

3- حق المحكم فى التمتع بالحصانة

لضمان عدالة التحكيم يجب أن يتمع المحكم بالحصانات والضمانات الكافية التى تحميه وتجعله فى منأى من الوقوع تحت أى من التأثيرات ليكون موضوعياً وحيادياً وعادلاً ، والهدف من هذه الحماية والحصانة ليس شخص المحكم بل وظيفته ، فيجب أن يكون مستقلاً فى عمله ولا يتأثر بأى جهة سواء كانت حكومات أو أشخاص ، وحتى لا تمارس عليه ضغوطاً سواء كانت سياسية أو مادية لارغامه على الانحراف عن العدالة لصالح طرف معين .
كما أن ترك المحكم عرضة للملاحقات القضائية دون مبرر أو الحكومية التعسفية أمر سيؤدى برجال القانون الذين يتمتعون بالعلم والنزاهة الى عدم ولوج طريق التحكيم مما يجعله هزيلاً وعاجزاً عن مواجهة وحل المشاكل والخلافات الناجمة عن كثرة المعاملات التجارية ، فمن حق المحكم أن يتمتع بالحصانة القضائية حتى يتمكن من انجاز المهمة المكلف بها فى استقلال .
وقد حرصت بعض التشريعات وانظمة التحكيم على تقرير نوع من الحصانة للمحكم وقد انقسمت التشريعات الى عدة اتجاهات فى هذا الامر، على سبيل المثال فى فرنسا واسبانيا والسويد تتشدد فى حماية المحكم ولكنها لا تمانع فى ملاحقاته بالمسئولية .
والولايات المتحدة الامريكية تبنت قاعدة حصانة المحكم بصورة مطلقة تمنع ملاحقته من اى خطأ عادى أو فادح .
وفى المانيا والنمسا وانجلترا والنرويج فانها تعطى للمحكم حصانة ضد الخطأ ولكنها ليست حصانة مطلقة .
والبين أن الدول العربية لا تاخذ بمبدأ حصانة المحكم . وأتمني أن تعيد القوانين العربية النظر فى هذه المسألة وتمنح المحكم الحصانة مثله مثل القاضي أثناء مباشرته دعوى التحكيم وترفع الحصانة عنه بانتهاء الدعوى ، ذلك أن المحكم فى التمتع بالحصانة والحماية ليس حق مطلق بل لابد ان يقابل هذا الحق مبدأ مسئولية المحكم عن الاخطاء التى يرتكبها حتى تتحقق العدالة لكلا طرفى النزاع .
كما أن قاعدة حصانة المحكم منقولة عن حصانة القاضى ، الا أن حصانة القاضى محددة ومنصوص عليها فى القانون وهذا مالم يحدث بالنسبة للمحكم
لذا فإننى اناشد جميع التشريعات العربية أن تتضمن فى قوانين التحكيم نصاً خاصاً يقر حصانة خاصة للمحكم لضمان توقيره واحترامه وبشرط عدم اخلال المحكم بالمسئولية المنوط به القيام بها والتى بموجبها يسأل المحكم ويحاسب عن اى اعمال يرتكبها وتلحق ضرراً باى من طرفى الدعوى وتستدعى مسائلته مدنياً أو جنائياً .
ومبدأ حصانة المحكم لا يمكن أن تصدر عن اتفاق أو عقد أو حتى عن نظام مركز تحكيمى ، فالجصانة لا يمكن ضمانتها وكفالتها الا بموجب معاهدة دولية او قانون .

4- حق المحكم فى عدم عزله او رده دون مبرر قانونى
ففى بعض الحالات قد توجد ظروفاً تثير شكوكاً لها ما يبررها حول حياد المحكم أو استقلاله وهى التى تبرر عزله .
إلا انه غير جائز لاى طرف تقديم طلب لعزل المحكم إلا انه اذا كانت هناك اسباب جدية حول استقلاله وحياده .
وقد تبنى القانون المصرى رقم 27-94 بهذه المبادئ فى المادة (18) ” لا يجوز عزل المحكمين الا بتراض الخصوم جميعاً “.
والقاعدة العامة انه لا يجوز للطرف الذى اختار محكماً ليس له الحق فى عزله بارادته المنفردة وانما يلزم لعزله اتفاق الخصوم جميعاً على عزله على نحو لا يكون امام الطرف الذى يريد عزل المحكم المختار من قبله فى حالة عدم موافقة الاطراف الاخرى سوى الالتجاء الى الطريق الذى رسمه المشرع لرده .
ومن ثم يجوز عزل المحكم بتراضى الخصوم سواء اكان قد تم تعيينه بواسطتهم ام تم تعيينه بواسطة القضاء فى التشريعات التى تجيز ذلك بواسطة شخص كان سبق الاتفاق على منحه سلطة تعيين المحكم ، وبطبيعة الحال لا يتصور ثمة عزل الاا اذا كا قد سبق تعيين المحكم وسبق قبولها لها.
اما اذا كان المحكم قد اعتذر عن القبول أو اشترط آجلاً لتحديد موقفه فلا يتصور ثمة عزل ، ويمكن للخصوم الاتفاق فى اى وقت بعد تشكيل محكمة التحكيم على عزل المحكم وهذه الخصوصية يتسم بها عقد التحكيم كما هو الحال فى عقد الوكالة وان كان المحكم ليس وكيلاً .
ولا يترتب على انهاء العقد من جانب طرفى النزاع أى اثار سوى دفع الاجر الى المحكم بشكل يتناسب مع الجهد الذى بذله .
ويرى جانب من الفقه انه يمكن عزل المحكم فى اى مرحلة من مراحل التحكيم حتى وإن كان ذلك بعد صدور الحكم فى شق معين من موضوع النزاع الذى ينظره المحكم أو بعد اثبات الدعوى ويجوز للخصوم النزول عن هذاالحكم او الاعتداد به .

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x
Scroll to Top
انتقل إلى أعلى