ماذا تعرف عن التحكيم
(14)انقضاء مهمة المحكم وتنحيه واستقالته

بقلم الدكتورة /منى طه عامر
خبير التحكيم – المحكم الدولي المعتمد
المحامية بالنقض

تناولنا فى الحلقة السابقة الضمانات القانونية لهيئة التحكيم و حقوق المحكم ، ونتناول فى هذه الحلقة حالة انقضاء أو انتهاء مهمة المحكم ، حيث يولد عقد التحكيم المبرم بين المحكم من ناحية والأطراف المحتكمة من ناحية أخرى التزامات حقوق لكل طرف قبل الآخر وبموجب هذا العقد يلتزم المحكم بعدة التزامات تهدف في مجموعها الى تنفيذ الالتزام الرئيسي الملقى على عاتقه المتمثل في الالتزام بالفصل في المنازعة محل التحكيم . وبقيام المحكم بإصدار حكم المنازعة محل التحكيم ينقضي عقد التحكيم المبرم بينه وبين المحتكمين وتنقضي بالتالي ولاية المحكم ويفقد صفته كمحكم ويصبح مواطناً عادياً لأن ولاية المحكم تتميز بأنها خاصة ومؤقته متعلقة بنزاع محدد بموجب اتفاق الأطراف .

ويتميز حكم التحكيم بأنه حكم بات لا يقبل الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات طبقاً للمادة 52/1 من قانون التحكيم المصري وان كان يجوز رفع دعوى لإبطاله في الحالات المحددة الواردة في قانون التحكيم في المادة 53 طبقاً للإجراءات وخلال الأجل المحدد الوارد في المادة 54 وهو 90 يوما التالية لإعلان حكم التحكيم للمحكوم عليه .

وبقيام المحكم بمهمته وذلك بإصدار حكم مالزم للطرفين في النزاع محل التحكيم ، يفقد صفته كمحكم وتنزل ولايته ، لكونها ولاية موقوتة وخاصة بنزاع محدد في عقد التحكيم .
تنحى المحكم او استقالته
واما ما يتعلق بتنحي المحكم واستقالته فالاصل أنه لا يجبر أحد على قبول مهمة التحكيم ولكن موافقة المحكم وقبوله القيام بالمهمة الموكولة اليه تبقى ضرورية لتأكيد مبدأ أساسى وهو أن المحكم ماهو الا قاضى خاص وأن اختصاصه وسلطته مرتبطين برضائين وهما :
التراضى بين اطراف النزاع على تعيينه محكماً ورضائه مع اطراف النزاع على ذلك وهى المهمة القائمة على عقد وطبيعته التعاقدية .
وهو عقد يربط المحكم بالاطراف أو بمركز التحكيم ، وموضوع النزاع وهو تحقيق غاية وليس بذل عناية وتحقيق الغاية فى اصدار حكم تحكيم يفصل فى النزاع والعقد بطبيعته يتضمن حقوقاً وواجبات على الطرفين .

فاذا قبل المحكم المهمة قبولاً صحيحاً وجب عليه أن يتممها بالسير فيها حتى النهاية والا حكم عليه بالتعويض لصالح الخصوم اذا نشأ ضرر نتيجة لهذا التنحى سواء جاء التنحى قبل البدء فى المهمة أو فى اثنائها .

بعض التشريعات لا تجيز للمحكم الاستقالة ذلك أن عدم جواز الاستقالة مرتبط بالوقت الذى يتم فيه مباشرة المحكم لمهمته فى حين يجوز له الاستقالة قبل هذا الوقت سواء وافق المركز على ذلك أم لم يوافق ، اما بعد هذه المباشرة فلا يجوز له الاستقالة ، وهذا الحد الفاصل هو وقت يتلقى فيه المحكم ملف التحكيم بعد احالته اليه من رئيس المركز .

ويتضح مما تقدم أنه اذا نشأ سبب جدى يمنع المحكم من الاستمرار فى المهمة الملقاة عليه فلا يلزم بالتعويض ، والسبب الجدى الذى يبرر تنحى المحكم أو عزل نفسه قد يتمثل فى قيام سبب من اسباب الرد فى حقه كما لو اصبح غير صالح للحكم أو اذا عين قاضياً او مستشاراً ولم يكن قريباً للخصوم على النحو المقرر فى قانون السلطة القضائية ، وقد يكون سبباً آخر يحول بينه وبين اتمام مهمته كعجز او مرض أو قوة قاهرة .

أما اذا كان السبب الذى يدعيه للاعتذار قائماً وقت قبوله للمهمة فانه لا يعوق الحكم عليه بالتعويض اذا ما توافرت اركانه .
ونظراً لان طبيعة مهمة المحكم وحساسيتها توجب تخويله الحق فى التنحى أو عزل نفسه عن المهمة دون ابداء الاسباب ودون أن يرتب التنحى بذاته ماقد يتعرض له من ضغوط أو من احساس بعدم نزاهة احد اطراف النزاع مما قد يكون من الصعب البوح به ، فالتنحى حق للمحكم وقد ورد النص عليه فى المادة 20 من قانون التحكيم المصرى .

و التنحى عن نظر النزاع فى هذه الحالة اذا توافرت مقتضياته يعد اسلوباً جيداً لتلافى المشاكل الناجمة عن عدم توافر الشروط الواجب توافرها فى المحكم وهو اسلوب يوفر الوقت والجهد والنفقات فلى بداية الاجراءات لدعوى التحكيم أو قبل بدايتها تمهيداً لاستبدال مبكر لهذا المحكم بهدف الوصول الى تشكيل لهيئة التحكيم فى مرحلة مبكرة ومن ثم الوصول الى حكم عادل لا تشوبه شائبة من تقصير أو تحيز أو محاباة .

وهذا التنحى من قبل المحكم انما يكون عادة أثناء سير خصومة التحكيم فى الحالة التى يطلب فيها احد الخصوم رده ، وذلك اذا ما قدر المحكم بارادته التنحى تفادياً للنظر فى طلب رده .

وعليه فاذا اعتذر المحكم قبل البدء فى العملية التحكيمية فلا مسئولية عليه اما اذا اعتذر بعد البدء فى المهمة دون مسوغ أو مبرر مشروع أو ابعد من قبل أحد الطرفين لاسباب غير مشروعة جاز فى هاتين الحالتين مطالبته بالتعويض متى ترتب على انذاره او استبعاده ضرر بأطراف النزاع او باحدهم .

وبناء على الطبيعة التعاقدية التى تميز بها التحكيم فالمحكم بحسب الاصل له ان يتنحى او يعزل نفسه عن اداء المهمة الموكولة اليه فينتهى العقد بهذا التنحى لانه من العقود التى يمكن انهاؤها من جانب واحد مثله مثل عقد الوكالة ، ولكن المحكم يكون مسئولاً امام طرفى النزاع اذا ما ثبت أن التنحى لم يكن له سبب مشروع .

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x
Scroll to Top
انتقل إلى أعلى