مخاض تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة: تكليف قريب وتشكيل بعيد المدى

المستشار الدكتور نبيل بو غنطوس.
خبير سياسي واقتصادي لبناني.

يبدو ان لبنان دخل مرحلة مخاض صعبة، على عتبة تشكيل حكومته الجديدة المنتظرة والموعودة، حكومة اختصاصيين تخرجه من محنته الصعبة على كافة المستويات. اذ يوم اطلق الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مبادرته لمساعدة لبنان بعد انفجار الرابع من آب، اشترط تشكيل حكومة اختصاصيين لمساعدة لبنان مع وعد باطلاق مؤتمر دعم جديد وتسييل مقررات مؤتمر سيدر السابقة. راسما خارطة طريق انقاذ الشعب اللبناني من اسريه ومعتقليه وهم من ابناء جلدة هذا الشعب، لكن بالمقابل، حسابات الحقل الفرنسي لم تتطابق مع حسابات البيدر اللبناني، فبرزت العقد فور تكليف سفير لبنان في المانيا مصطفى اديب تشكيل الحكومة الجديدة، اذ بدأت الارانب تصول وتجول على البيدر اللبناني، خرجت اولا من تحت قبعة رئيس المجلس النيابي اللبناني الاستاذ نبيه بري، خصوصا الارنب الاول المتعلق بوجوب تسمية وزير شيعي لوزارة المالية، وارنب آخر يقول بضرورة تسمية الثنائي الشيعي ومن خلفه الاكثرية النيابية الشيعية للوزراء الشيعة في الحكومة. وبدأ بعدها، الافرقاء الآخرون التحضير لافلات ارانبهم الخاصة من عقالها، فيما بدا ان الرئيس المكلف، يأنف من التعامل مع ارانب في حكومته، حكومة ارادها فقط من اختصاصيين وتكنوقراط، علل نفسه بتسمية وزرائها وحده، على ان ينالوا رضى العالبية العظمى من اللبنانيين، بعيدين عن الاحزاب الذين طالبهم الرئيس ماكرون بالبقاء خارج الحكومة اقله هذه الفترة.

سقط الرهان الفرنسي وسط مزرعة الارانب، واحمرت عينا الرئيس الفرنسي ماكرون، واعتذر اديب عن التشكيل وعاد والتحق بمركز عمله في المانيا، ومدد رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب اقامته في السراي الحكومي حيث تطيب له الاقامة. واشتغلت محركات غرف التحرير في وكالات الانباء والمواقع الاخبارية التي تدور في فلك المعرقلين في محاولة للتخفيف من مفاعيل الواقعة، ولتبرير ما حصل، وفي اعلان ظاهري بتمسك الجميع بالمبادرة الفرنسية.

هكذا بدا لبنان الرسمي محرجا امام المجتمع الدولي، ولم يكسر حالة الجمود والمراوحة، سوى اعلان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، موافقته على ترؤس حكومة انقاذ اذا ما تم تكليفه تشكيلها، شرط ان تكون وفق المواصفات التي يشترطها، اي حكومة اختصاصيين غير حزبيين، رغم انه وافق ضمنا وعلى مضض، ان يكون وزير المالية شيعيا (ولمرة واحدة) وان يسمي الثنائي الشيعي الوزراء الشيعة في الحكومة المرتقبة. وبدا ان الحريري راغب بالعودة الى السراى الحكومي مهما كلف الامر، ومهما تطلب من تضحيات، والمفارقة هنا، انه خرج من السراى منذ نحو سنة على وقع الاحتجاجات الشعبية، وها هو عائد على الاقل نظريا حتى الآن، وسط الاحتجاجات الشعبية نفسها، وكأن شيئا لم يتغير في لبنان على مدى سنة كاملة.

وفي عملية احتساب سريعة لمن هم موافقون ضمنا على تسمية الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، نجد ان الثنائي الشيعي جد متحمس لذلك لكن وفق ضوابط وشروط وخطوط رسمها ويرسمها حول من قد يتولى تشكيل الحكومة ايا يكن الاسم، مع تفضيله الحريري لانه الاكثر تمثيلا في الشارع السني، ولانه قد يكون الاكثر مطواعية للتلاقي مع رغبات هذا الثنائي، ولانه يشكل للثنائي غطاء سنيا بارزا يضاف الى الغطاء المسيحي المتمثل بالتيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية ضمنا مع تيار المردة والوزير السابق سليمان فرنجية.

كل ذلك لم يمنع اهل المحاصصة في السلطة في لبنان، من تحضير ارانب جديدة لاطلاقها على البيدر امام الرئيس الحريري، فبرأيهم ما يحق للثنائي الشيعي الحصول عليه من مكتسبات، يحق لهم ايضا، وكان لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل مواقف متقدمة في هذا الاطار، وهو تسبب في دفع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى تأجيل موعد استشارات التكليف لاسبوع كامل، فلربما يقتنع الرئيس الحريري بوجوب الالتقاء بباسيل، ليتبلغ منه بمطالبه المستترة خلف ضرورات تأمين الميثاقية المسيحية للتكليف.

حتى الساعة لا شئ يشي ان اللقاء واقع بين الرجلين المتصلبين في مواقفهما تجاه هذا الموضوع، فلا الرئيس الحريري سيكون براض بعودة زمن المحاصصة الى ما كان عليه في ظل حكومات الوحدة الوطنية السابقة، ولا النائب باسيل راض بتسهيل عملية الاستشارات للتكليف قبل التشكيل، وهو متكئ على موقف مبدئي لنواب القوات اللبنانية الذين لا يرون في الحريري رجلا صالحا لمواجهة تحديات هذه المرحلة الصعبة، الامر الذي يستغله باسيل للمراكمة في وجه الحريري من خلال الايحاء بفقدان الميثاقية المسيحية للتكليف.

وفي انتظار يوم الخميس المقبل، هل يقدم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على تأجيل استشارات التكليف مرة جديدة رغم ان رئيس المجلس النيابي نبيه بري يرفض تأجيلها، واوحى انه سيكون له رد مناسب هذه المرة في حال تقرر ترحيل الاستشارات.
وهل ستقف باريس مكتوفة اليدين حيال من يسعى إلى تعطيل مبادرتها، واحراق اوراقها في لبنان. وهل سنجد في لبنان من هو بقادر هذه المرة من تخفيق منسوب الاحتقان في الشارع السني، فيما المطلوب استيعاب هذا الشارع، لئلا تدخل البلاد في أزمة حكم.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x
Scroll to Top
انتقل إلى أعلى