هل تفتح زيارة ماكرون الثانية الى بيروت جدارا في الازمة اللبنانية، ام ينزلق لبنان الى مواجهة مفتوحة مع الغرب.

بقلم المستشار الدكتور نبيل بو غنطوس
خبير سياسي واقتصادي لبناني.

في ظل الازمات التي يتخبط فيها لبنان على كل الصعد، سيما المواجهة المفتوحة منذ 17 تشرين الاول 2019، بين الانتفاضة الشعبية التي باتت اليوم ثورة بكل ما للكلمة من معنى، وبين الممسكين بمقاليد السلطة والحكم من ممثلي الاحزاب والتيارات، بادارة مايسترو واحد، يوزع عليهم الادوار وفق مصلحته ومخططاته واهدافه، تتوالى الانهيارات الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية، وعلى كل المستويات، ما جعل من حياة اللبنانيين جحيما لا يطاق. وها هو الهم الامني يدق الابواب اليوم بعيد انفجار المرفأ وما تلاه من احداث امنية، منذرا بخطر جديد، كبير وداهم، ولم يرف جفن لاهل السلطة، يغدقون وعودا ممجوجة، بالاصلاح والتغيير والمحاسبة ومكافحة الفساد واسترداد الاموال المنهوبة، ومن دون اي تغيير فعلي على ارض الواقع.

هم اهل السلطة، من كل المشارب والفئات والطوائف والاحزاب، الحفاظ على مكتسباتهم ومواقعهم، “واللي مش عاجبوا يفل”، هكذا بكل بساطة.

اتى انفجار الرابع من آب، لا بل زلزال الرابع من آب، استفاق العالم على هول الحدث، وتبارت الدول وتسابقت، على تقديم الدعم والعون والمساعدات، عينها كلها على المؤسسات الاهلية، ومنظمات المجتمع المدني، المحلي والدولي، لاعمار ما تهدم، غير ابهين باي دور للمؤسسات الرسمية والعامة، لانعدام الثقة بهذه المؤسسات بشكل كامل.

48 ساعة بعد الانفجار، حط الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في بيروت، وقبل الزيارة البروتوكلية الى القصر الجمهوري ولقاء الرئيس اللبناني العماد ميشال عون، نزل الى ارض الحدث، جال في المناطق المنكوبة، سار بين الناس وانصت اليهم، سجل همومهم، واستشرف آمالهم وتطلعاتهم، ونقل توصيات بكل ذلك، الى من التقاهم حول طاولة مستديرة في قصر الصنوبر، وهم ممثلو الاحزاب الاكثر تمثيلا في البرلمان، والاهم الاهم، بدا وكأنه يحمل تكليفا غير معلن من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الاميريكة والاتحاد الاوروبي، بان اوجد حلا سريعا للازمة اللبنانية، وهنا بات على ماكرون ان يحاول اطفاء النار المشتعلة في لبنان، ولن يكون ذلك بسهل عليه، خصوصا ان المنشود، يتوجب ان يرضي اللاعبين الكبار في العالم، وراسمي الخرائط الجيوسياسية الحديثة للمنطقة، ناهيك عن محاولة انهاض لبنان من كبوته الكبيرة.

يعود ماكرون الى بيروت في الاول من ايلول، وللمرة الثانية في اقل من شهر، اولا للمشاركة بالاحتفال بمئوية لبنان الكبير الاولى، وثانيا ليتلقى ردود القيادات السياسية الاساسية، حول ما طلبه ورسمه من خطة طريق للنهوض بلبنان وانقاذه مما هو فيه، والردود ستشمل اهم النقاط:
• موضوع تشكيل حكومة قادرة على أن تتعاطى مع الازمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والامنية التي يعاني منها لبنان.
*وجوب ان يكون رئيس الحكومة ووزراؤها، من الاكفاء والمستقلين والمحايدين.
*تنظيم انتخابات نيابية جديدة، في خلال عام كحد اقصى، يشرف عليها فريق من الاتحاد الاوروبي.
*تطبيق الاصلاحات، بدءا بالتدقيق المالي باعمال مصرف لبنان، وصولا الى قطاع الطاقة والقطاعات المتعثرة الاخرى والتي تكبد الدولة خسائر فادحة سنويا، اضافة الى السؤال عن الخطوات المتخذة في مجال مكافحة الهدر والفساد الخ…
ساعات قليلة، تفصل لبنان عن وصول الرئيس ماكرون، ويبدو وكأن شيئا لم يتغير، فلا الحكومة شكلت، ولم تتخذ اي خطوة اصلاحية، والصراع بين اركان السلطة حول المكتسبات والامتيازات والحصص مستمر، والتحقيق في انفجار المرفأ لم ينجز.
تبرز فقط محاولة هؤلاء، وتنفيسا لمفاعيل زيارة ماكرون الاولى، الالتفاف على ما طلبه خلالها، من خلال العمل بسرعة ملفتة على توقيع عقد مع شركة “Alvarez & Marsal” للتدقيق المالي بحسابات مصرف لبنان، وربما لاحقا بحسابات اخرى، وذلك تهربا من العرض الذي قدمته فرنسا بان يتولى المصرف المركزي الفرنسي عمليات التدقيق ومجانا، لان هكذا تدقيق سيكون بالطبع، اكثر شمولية وشفافية من تحقيق مدفوع الاجر تقوم به شركة تجارية خاصة، يأتي مفصلاً على قياس سلطة فاسدة، ومفرّغاً من مضمونه حتى لا يفضح المستور في حسابات الدولة المنهوبة.
فرنسا تتابع عن كثب ما يجري حاليا في بيروت، وخصوصا على صعيد المناورات المتعلقة بتشكيل الحكومة الجديدة، لذا ارسلت اشارة واضحة قبل وصول الرئيس ماكرون بيومين: “المطلوب ان تتنحى الاحزاب جانبا”، فهل يتلقف اهل السلطة الرسالة ام ينزلقون بلبنان الى مواجهة مفتوحة مع الغرب.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x
Scroll to Top
انتقل إلى أعلى