مجالسنا مدارسنا

  • المجالسُ الخيارُ الشعبي بعد وفاةِ الجمعياتِ السياسيةِ دينية المنشأ
  • حضور المجالس بالإنتخابات السابقة أربك الجمعيات السياسية
  • المجالسُ الأهلية أقوى تأثيراً من الجمعياتِ السياسية
  • رموزُ المجالسِ الأهليةِ قادرون على صناعةِ أرثٌ حضاري
  • قوةُ المجالسُ الأهليةِ نابعٌ من تكاملِ النسيجِ الوطني ومفاهيم الإنتماء غير الحزبية

نعم انها المجالس، لكنها ليست المجالس التي تسمعون عنها اليوم هنا وهناك، انها المجالس التي أنشأها العرب السلف الصالح؛ بقصد التربية والوعظ والإرشاد، نعم انها المجالس التي تخرّج منها العلماء والأدباء، والفنانون المعاصرون، والمثقفون، نعم انها المجالس التي كان يذكر فيها اسم الله ليلَ نهارٍ، نعم انها المجالس التي كانت تنعقدُ فيها المحاكمُ ويُحكَمُ فيها على الرجال؛ ولا يسطيعُ أحدٌ أن ينبسُ ببنت شفاه، لذا أطلقوا عليها المجالس، فقد كانت وما زال بعضها متمسك بالمبادىء التي أُنشىء من أجلها والرسالة المعني بتواجدها ونشرها.

مجالسُنا مدارسُنا، فللمجالس رسالةٌ ساميةٌ وقيمةٌ عظيمةٌ لا يدركها الإ كل ذو عقلٍ لبيب، مطّلعٌ حصيف، فالمجالس غالباً ما تنشىء في تجمعٍ سكني كي تكون قبلةً لكل مرتاديها، ولكل مجلسٍ شخص كبيرٌ ينتمي اليه المجلس، وهو غالباً من الوجهاء، والحكماء، والقصد من وجوده الحكم بين الناس فيما يعرض عليه من قضايا أو اختلافات، وحكمه فيها نافذٌ لا يقبلُ الطعنَ أو المراجعة، نشأ الناس بين أروقتها يقدّسون مواعيدها، ويحترمون كبارها وقراراتها، لأنها كانت في مجملِ الأمرِ منصفةً للجميع، فالكل عند كبيرها سواءٌ، وهو يسعى بحكمه لإحقاق الحق وافشاء المنطق والسلام بين ربوع منتسبيها، لذا ذاع صيتها وانتشر أزيجها بين الجموع.

والمجالس الأهلية هي أحدُ أهم مقومات مؤسسات المجتمع المدني بصورته المعاصرة، فهي لا تحتاج الى قوانين تنظم عملها أو تتدخل في آليات تطويرها وتحقيق أهدافها المنشوده، فالجميع فيها يعلم دوره ووصفه الوظيفي غير المكتوب، وينفذه بحرفية دون الحاجة الى فريق جودةٍ للتقيم والمتابعة، والمجتمعات التي أدركت أهمية المجالس وأعطتها حقها من التقدير والإحترام حققت مكاسباً شعبيةً لا حدود لها؛ لأنها ضمنت ولاء مننتسبيها لعقيدتها وأفكارها، وأصبح مرتادوها يتنفسون أيدلوجية الدولة، وينافحون عنها أمام كل معتدٍ أثيم، المجالسُ الواعيةُ لرسالتها وفضلُ قيمتها حققت ما لم تستطيع الجمعيات الأهلية والسياسية ذات المنشأ المختلف تحقيقه على مر عهدها وضخامة تكوينها، وتفرع مؤسساتها العاملة لتنمية صورتها الذهنية في عقول الناس.

انظر حولك في كل مكان في كل محافظة، في كل مجمع، ستجد العشرات والعشرات يرتادون تلك المجالس لتفريغ همومهم، وطرح آمالهم، ومناقشة أفكارهم لوضع حلولٍ جذريةٍ لهم، انها بالنسبة لهم ليس المتنفس السياسيي فحسب بل هي أداةُ العصف الذهني لوضع كافة الحلول الناجعة والتخصصية لكافة مشاكل الحياة اليومية التي تواجهم.

 هل علمتم ما هي قيمة المجالس الأهلية الآن أم لا!! هذه المجالس تعقد الدورات والندوات، وتقدم المساعدات، وتسبق الجميع في تقديم التهاني والتبريكات للكبار والصغار، وتبارك خطوات الإصلاح، وتشدٌّ على أيدي المسؤولين النافعين، وتقذف ألهبةُ النار في وجوه المسؤولين المقصرين، هذه هي المجالس فماذا قدم لنا غيرها لنقارنه بها ونحصي نتائجه.

المجالس تتعامل مع الناس من منطق العموم ومصلحة الأوطان، لا تفرق بين شخص وآخر، ولا يوجد في قاموسها الأيدلوجيات السياسية أو الفلسفات الدينية، الجميعُ لديها واحدٌ على مسافات متساوية، الجميعُ لديها أصحابُ بيتٍ ومرؤةٍ وكرم.

انها المجالسُ أساسُ المدارس، انها المجالس فقه التربية وواقع الأمنية…. أنها المجالس….. فهل وعينا دورها في رفع مقدرات الأمة، والتصدى لأعداء البلاد؟! انها المجالس لا تتركوها تضعف، ابذلوا الغالي والنفيس من أجل استمرارها، فقد احتضرت الكثير من الجمعيات ودخلت في الوفاة الإكلينية الإ أن المجالس ما زالت تنافح وبقوة ويزداد بريقها ويشتد غصنها حتى حققت في الإنتخابات الماضية ما لم تستطع الكثير من الجمعيات تحقيقه؛ فلماذا نغفل دورها؟! ونقلل من شأنها؟! لماذ لا ندعم فكرها وننمي مقدراتها؟؟!!

ينبغي على المسؤولين أن يقدروا أهمية المجالس والعمل على تنميتها ومساندتها في تحقيق أهدافها ورسالتها بالمساواة في تقديم الدعم لها أياً كان الدعم مادي أو معنوي أو لوجستي، فالمسؤولية الملقاة على عاتق المجالس ليست بالهينة فأعينوهم على تنفيذ وجهات نظرهم في تطويرها والبلوغ بها أعلى المراتب.

لا أريد إلا أن أقول مجالسنا مدارسنا يتعلم فيها أولادنا مفاهيم الرجولةِ، والشرف، والعيب والحرام، والقيمة، والوطن، والإنتماء، انها صرحٌ من صروح الوطنية والولاء، فضعوها نصب أعينكم ولا تجعلوها تفلت من أيديكم فهي كنز لمن أراد الثبات والإستمرار، وهي أملٌ لمن أراد تنمية الولاء والإنتماء، فعضوا عليها بالنواجذ وفي النهاية أقول مجالسنا مدارسنا فخر لنا وعز لغيرنا.

Scroll to Top
انتقل إلى أعلى