زاوية القبطان محمود المحمود – مستقبل التعليم في عصر “كورونا”

كل مواطن ومقيم في مملكة البحرين يعرف تماما قدر وقيمة الجهود التي تقوم بها مؤسسات الدولة وفي مقدمتها فريق البحرين بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد ال خليفه ولي العهد الامين، خلال الأزمة التي نعيشها هذه الأيام، ولكننا مازلنا نعيش هواجس ولدينا تساؤلات كثيرة يلفها الغموض حول المستقبل في أمور عدة من أساسيات حياتنا اليومية.
ومن أهم تلك الأمور هي قضية مستقبل التعليم الذي لا يٌعرف مصيره ومآلاته، والخطة المحكمة لكي يكون لدينا تعليم واضح المعالم وله بدايات ونهايات ومقدمات ونتائج، ويرتكز على أسس علمية وقانونية نستطيع الاتكاء عليها في مخرجات تعليم مرحلة فيروس كورونا، والتي يبدو أنها ستطول لأكثر من عام دراسي ونيف.
لا أجحف جهود وزارة التربية والتعليم في محاولاتها لترميم العملية التعليمية التي انهارت فجأة، حيث لم يجد أبناءنا الطلبة مأوىً دراسيا يلجأون إليه، وأصبحوا عبئا على أهاليهم في البيوت، فلا الطالب يعرف ماذا سيدرس ليذاكر، ولا الأهل يستطيعون لوم الأبناء على تقاعسهم الدراسي الإجباري، وتحدث العديد من المشكلات بسبب هذا الوضع المأساوي، خاصة مع طلبة الشهادة الثانوية الذين كانوا يتوقعون أن ينتهي هذا العام ليبدأوا بعده المرحلة الجامعية.
ولا أعرف كيف سيتم التعامل مع امتحانات هؤلاء الطلبة التي تعتبر نتائجها هي المحدد لنوعية كليات سيلتحقون بها فيما بعد، وكيف ستُجرى تلك الامتحانات، وهي قضية لم يتم التطرق إليها حتى اليوم من قبل الوزارة المنشغلة اليوم بتصوير الحصص الدراسية لبثها على التلفزيون واليوتيوب.
ورغم الجهود الكبيرة في تصوير دروس للطلبة، إلا أنها مازالت لا تفي بمتطلبات يوم دراسي متكامل، حيث يتابع أبناءنا تسجيلات لمادتين فقط يوميا وبحد أقصى 15 دقيقة، بالمقارنة مع خمس مواد في اليوم الدراسي الطبيعي، بزمن 45 دقيقة لكل منها، هذا فضلا عن تواجد الطالب أمام المعلم، وإمكانية طرحه لأسئلة تدور في ذهنه، والتداول العلمي بين الطالب ومعلمه في الأوضاع الطبيعية.
وبهذا المعدل من الإنتاج التعليمي المتاح أمام الطلبة، فلا أعتقد أن السنة الدراسية ستكتمل أو تنتهي في موعدها، ولو أجبرنا على اختتامها في 30 يونيو القادم، فسيكون التحصيل العلمي المتوقع هو بنسبة 25 %، أو ربما أقل، ويبقى سؤال “كيفية إجراء الامتحانات وعلى أي مستوى من التحصيل العلمي” مطروحا، وكيف ستحسب نتائجها التي لن تعطي المتفوق حقه كما في الوضع الطبيعي، وستفرز لنا العملية التعليمية، ناجحين دون تفرقة بين طالب متفوق وآخر ذو مستوى عادي.
لقد سبقتنا دول كثيرة مثل مصر حين أنشأت قنوات تلفزيونية تعليمية، ربما نظرنا إليها في ذلك الوقت على أنها غير ضرورية، لكنها اليوم ستكون في مقدمة القنوات الأكثر مشاهدة، وأتمنى أن يتم زيادة عدد الساعات والقنوات التي تبث لطلبتنا قبل فوات الأوان.
ولا أريد التطرق إلى مدى قانونية ودستورية “التعليم عن بعد” والتي لا نعترف بها، ولا يقرها أي نظام تعليمي في دول العالم، لكنها اليوم قضية تحتاج للبحث التشريعي والدستوري، وتحتاج كذلك للتطبيق حتى يتم تمحيصها ومعرفة الثغرات والعيوب وإجراء تعديلات قانونية متوائمة مع هذا التطبيق، لكن هذا حتما سيحدث ونحن مجبرين عليه.
حين كنا نتحدث عن التعليم عن بعد، لم نتوقع أن تظهر كل هذه المعضلات، ولكن التطبيق العملي أظهر أننا مازلنا في مرحلة الروضة في مسائل التعلم الإلكتروني، ونحتاج لسنين طويلة كي نقتنع بما أنتجناه.

القبطان محمود المحمود رئيس تحرير جريدة الديلي تربيون الإنجليزية

Scroll to Top
انتقل إلى أعلى