انطلقت مؤسسة “قامات” لإنتاج أفلام قصيرة، تتطرّق أساسًا لسيرِ الشخصيّات الفلسطينيّة، المُعتقَل، والمُقاتل، والأسير، والشهيد من زوايا وتجارب مُتعددة.
وتأسست المؤسسة على يدِ الشابّ الفلسطينيّ أنس الأسطة، الذي اتجه إلى إسطنبول للعملِ والإنتاجِ الفنيّ والسينمائيّ فيما يتعلّق بقضاياه وتجاربه ونضاله، مع منظومة الاضطهاد والقمع في أرض فلسطين التاريخيّة، على حدّ قوله.
وقامَ الأسطة، بعرضِ مجموعة أفلام أنتجها، وتسرد تجارب كفاح ونضال عايشها فلسطينيون خلال فترات مختلفة واتخذ مخيم “عسكر” للاجئين بمدينة نابلس من تجربة اعتقال والده في سجون إسرائيل، منطلقًا لتوثيق تجارب نضالية فردية خاضها فلسطينيون، بهدف تعريف الأجيال بها.
واعتُقل سمير الأسطة، والد أنس، مدة 17 عاما متواصلة في السجون الإسرائيلية، بتهمةِ طعن جنود ومستوطنين إسرائيليين، لكن تفاصيل قصة اعتقاله ظلّت غائبة عن الكثيرين، حتى تمكن أنس من جمع وثائق وصوّر له، وعرضها خلال فيلم قصير.
ونسجَ الشاب أنس، على ذات المنوال أفلامًا تروي حكايات أخرى شبيهة بقصة والده، ليؤسس بعد ذلك “قامات”، وهي مؤسسة غير ربحية هدفها توثيق تجارب النضال الفلسطيني، من خلال أفلام توثيقية أو تمثيلية، وجمع وثائق وأرشيفات نادرة في هذا المجال.
تجارب معاناة ونضال
ونجح أنس، مع فريق “قامات”، في إنتاج 10 أفلام قصيرة، تتطرق لسير حياة وتجارب شخصيات فلسطينية مختلفة، منهم معتقلون سابقون، وجرحى، ومبعدون، ونساء واجهن معاناة السجن واللجوء.
وقال أنس إن “قامات هي المؤسسة الأولى من نوعها في فلسطين، المختصة في توثيق التجارب النضالية الفردية، عبر أفلام وثائقية وندوات”، مضيفًا أن “الأفلام تأخذ بالحسبان توثيق شخصيات مغمورة، لم يمنحها الإعلام حقها، ونراعي التعدد المناطقي والديني والاجتماعي”.
وتابع “أبرز من وثقنا تجاربهم حتى الآن، الفلسطينية أم جبر وشاح من قطاع غزة، التي عرفتها كل سجون الاحتلال خلال زيارة نجلها المعتقل هناك، والشيخ الكفيف علي حنون، الذي لم يشفع له فقدان البصر من التعرض للاعتقال المتكرر، والأسير محمد أبراش، الذي فقد عينه داخل السجون الإسرائيلية”.
ويأمل أنس أن تتمكن مؤسسة “قامات” من إنجاز عرض مسرحي حول شخصيات ومناضلين فلسطينيين، وإصدار مجلة شاملة عنهم، والوصول لأكبر عدد من المتابعين من أماكن مختلفة.
فرصة لإعادة بناء الهوية
رأى الناقد الفني الفلسطيني، وأستاذ الإعلام في الجامعة العربية الأميركية بالضفة الغربية، سعيد أبو معلا، أن “هناك حاجة قوية لمشروع مثل ‘قامات’، لتعريف وتذكير الأجيال الجديدة بالتجارب النضالية واستحضارها”.
وقال أبو معلا إن “قامات فرصة لإعادة بناء وترميم الهوية والذاكرة الفلسطينية، ولكونها جهدا شبابيا خالصا، فهي تمثل حالة نبيلة يستوجب دعمها ورعايتها”، لافتًا إلى أن هناك تقصيرًا على المستوى الرسمي، وعلى مستوى المؤسسات الأهلية، وحالة من الانكفاء عن الاهتمام بالتجارب والمشاهد النضالية الماضية، مما أفقد الأجيال الجديدة المعرفة بها، وضياع كل ما قدمت للقضية.
وأردف أنه “الفكرة مهمة كونها توثق تجارب كادت أن تضيع، وتعود للماضي القريب، وتعيد ترجمة أحداثه عبر أفلام قصيرة تعبر عن مرحلة معينة، حتى يعرف الفلسطيني من هو وما ماضيه”.
حماية الذاكرة الوطنية
اعتبر أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت صالح مشارقة، أن “فكرة مؤسسة إنتاج سينمائي للنضال الفلسطيني، جاءت في الوقت المناسب، وغطت مساحة لم تغطها أي مؤسسة رسمية أو أهلية فلسطينية”.
وأشار مشارقة، إلى أهمية توثيق وأرشفة ذاكرة المعتقلين بالسجون الإسرائيلية، ومشاهد الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت في 9 كانون الأول/ ديسمبر عام 1987، وتخليد قصصها، وبثها في مهرجانات خارج فلسطين، خاصة في مخيمات اللاجئين.
وقال “هذا عمل شجاع، يسهم في حماية الذاكرة الوطنية، بما لم تفعله أي مؤسسة أخرى تحكمها شروط التمويل ومعاييره، بما يضع الكثير من المحاذير على طبيعة الأعمال التوثيقية”مضيفًا أنه “الأهم أن فكرة قامات تتجاوز التقسيمات السياسية والحزبية، وتقفز فوق تلك التصنيفات الضيقة، فهي صنعت أفلاما عن مناضلين من مختلف التنظيمات، دون أي تحيز إلا للفكرة”.
وأعرب عن أملهِ أن تتلقى المؤسسة دعما واهتماما من كافة الجهات، لأهمية الدور الذي تلعبه في حماية الموروث الثقافي الفلسطيني.