تقرير – محمد البسيونى
شكلت العملية الأخيرة التي قام بها الجيش السوداني على حدوده الجنوبية، في مناطق كانت تحت سيطرة “جماعات إثيوبية” لسنوات، مفترق طريق، بالنسبة لعدد من القضايا الشائكة التي شهدتها المنطقة في الأشهر الأخيرة.
العملية التي حدثت في الأيام الأخيرة من العام 2020 ومع بداية العام الجديد، استطاع من خلالها الجيش السوادني القيام بـ”إعادة انفتاح وانتشار للقوات المسلحة السودانية داخل أراضيها” كما وصفها رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، عبد الفتاح البرهان، قبل أيام. وأكد البرهان على أن السودان “لم ولن تتعدى الحدود الدولية أو تعتدي على الجارة أثيوبيا”.
وأتت تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، التي اتهم من خلالها “دولة ثالثة” بتشجيع تحرك السودان عسكريا على الحدود المشتركة بين البلدين، لتطرح الكثير من التساؤلات، حيث أكد أن “هذه الدولة تسعى لزعزعة الاستقرار في المنطقة” على حد زعمه.
هذا التصريح، وإن لم يحدد بين كلماته الجهة المقصودة من عبارة “الدولة الثالثة أو الجهة الثالثة”، إلا أن الرد عليه أتى سريعا من الجانب المصري، حيث فندت الخارجية المصرية هذه الاتهامات جملةً وتفصيلاً، مؤكدةً عدم تدخلها في الشؤون الداخلية لأي دولة أفريقية.
وتسبب التقدم السريع الذي أحرزه الجيش السوداني على حدوده مع إثيوبيا ونشر قوات جديدة والإعلان عن وصول تعزيزات عسكرية كبيرة إلى ولاية القضارف شرقي البلاد استعدادا لتحرير “الأراضي المغتصبة”، بحسب بيان الجيش السوداني، تسببت هذه الأحداث المتسارعة بصدمة كبيرة، لم يتخيلها الجانب الإثيوبي، الأمر الذي جعل إثيوبيا تطلق أحكاما سريعة استنتجت من خلالها، ربما، أن “السودان يثأر لمصر”، ليعيد الجانب السوداني التأكيد على أن العملية كانت داخل الأرضي السودانية وأن العلاقات بين الجانبين جيدة ولن تتأثر بهذه العمليات.
وأشارت جميع البيانات إلى أن إثيوبيا تمر حاليا بوضع “حرج جدا” منذ بداية أزمة منطقة تيغراي، حيث يستمر الصراع داخل البلاد بين القوات الاتحادية والإقليمية، وحذرت وسائل إعلام عالمية ومؤسسات دولية من وجود “أزمة حقيقية في الداخل”، وأتى على رأس المحذرين، اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي زارت المراكز الصحية المتعثرة في منطقتي تيغراي وأمهرة المجاورة، حيث تعيش المنطقة أزمة صحية وأمنية: “لا يزال الوباء معنا، رغم القتال والأزمة الإنسانية الجديدة التي تتكشف في أعقابه”.
السودان من جهته، الذي استقبل أكثر من 45 ألف لاجئ من الصراع الدائر في تيغراي، يبدو أنه قد تحرك في الزمان والمكان المناسبين لتصحيح الأوضاع الأمنية داخل حدوده الجنوبية، ليظهر، على الأقل بالنسبة للجانب الإثيوبي، حيث أعاد الجيش السوداني الانتشار على حدوده وبسط سيطرته عليها من ناحية، ومن ناحية أخرى، بدا وكأنه قد “لوح” بورقة ضغط جديدة تؤثر على القضية التي تشغل كل مصر والسودان وإثيوبيا وهي قضية سد النهضة، الأمر الذي يمكن لمسه بين كلمات التصريحات الإثيوبية.
الأزمة الداخلية التي يعيشها الجانب الإثيوبي جعلت الدولة الأفريقية تعيد دراسة موقفها من قضية الحدود مع السودان، لصالح التركيز على قضية سد النهضة، وهو ما لوحظ بنتائج المباحثات الأخيرة.
هذا وتسببت العملية العسكرية التي نفذها السودان بقلق كبير لدى الجانب الإثيوبي، حيث تزامنت العملية مع خلاف بين الدول الثلاثة حول سد النهضة، الأزمة التي تهدد بعطش الملايين في مصر، كما صرحت الخارجية المصرية مرارا وتكرارا.
والأكثر خطورة بالنسبة للجانب الإثيوبي هو موقع سد النهضة الجغرافي، حيث يكن اعتبار موقع سد النهضة نقطة ضعف كبيرة بالنسبة لهذه المنشأة الحيوية لدى إثيوبيا، حيث يبعد عن الحدود السودانية مسافة تقدر بحوالي 10 كيلومترات فقط، وهي مسافة قريبة جدا من حدود دولة جارة، في حيتن تبعد محطة الكهرباء المرفقة بالسد أقل من 5 كيلومترات فقط، ما يجعل هاتين المنشأتين في موقع تهديد مستمر في حال وجود أي صراع في المنطقة، حيث من الممكن استهداف هذه المنشآت من خارج الحدود بكل بساطة ومن دون سلاح الطيران، وهو ما سيكل عائقا أيضا أمام أي وسائل دفاع جوي تخصص لحماية السد.
ومن جهته، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في اتصال هاتفي أجراه أمس مع عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، دعم بلاده الكامل للسودان في كافة المجالات.
وأشار إلى السيسي إلى أن الدعم المصري للسودان ينطلق من “الارتباط الوثيق بين الأمن القومي المصري والسوداني، والروابط التاريخية التي تجمع شعبي وادي النيل”.
وبعد أيام من تشابك القضايا وتعقدها، عقد أول اجتماع بين مصر والسودان وإثيوبيا لمناقشة سبل استئناف المفاوضات حول تشغيل سد النهضة، بحسب بيان للخارجية الإثيوبية.
واعتبرت إثيوبيا في بيانها أنها “لن تقبل باتفاق حول سد النهضة يحد من حقها في استخدام مياه النيل”.
وأشار البيان إلى أن “مصر رفضت بشكل قاطع وثيقة الخبراء المعينين من قبل رئيسة الاتحاد الأفريقي (جنوب أفريقيا)”.
من جانبها، شددت القاهرة على ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم قبل استئناف الملء. وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان صادر عنها، إن “الجانب المصري أكد خلال الاجتماع على ضرورة التوصل في أقرب فرصة ممكنة إلى اتفاق حول سد النهضة، وقبل بداية المرحلة الثانية من ملء خزان السد، وبما يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاثة ويؤمن في الوقت ذاته حقوق مصر ومصالحها المائية”.
وخلصت الاجتماعات إلى التوافق على عقد جولة مفاوضات بين الدول الثلاث تمتد لمدة أسبوع بهدف التباحث حول الجوانب الموضوعية والنقاط الخلافية في اتفاق سد النهضة، وذلك بحضور المراقبين الذين يشاركون في المفاوضات والخبراء المعينين من قبل مفوضية الاتحاد الإفريقي.