احمد الياسري يكتب لبوابة العرب العقائد الاشهارية في فلسفة تيارات الشيعة المهدوية

بقلم الكاتب احمد الياسري كاتب وباحث عراقي

الفرق الحجتية المهدوية وفلسفة الاعتقاد :

انا من الكتاب الذين يتبنون مصطلح الحجتية بتعريف الحركات المهدوية الشيعية كونه المصطلح الاقرب الى موروثنا العقائدي فالحجة بن الحسن لا يقولها المهدويون السنة لذلك اعتقد بجواز تصنيف الفرق المهدوية الشيعية وتسميتهم بالفرق الحجتية بناءاً على هذا الفهم التوصيفي واعتقد ان ( انجمن حجتية ) المنظمة المهدوية التي ظهرت في ايران أواسط القرن الفائت والتي أسسها محمود ذاكر زادة تولايي كانت اقرب الى الإدراك الثقافي الشيعي بإطلاقها هذه التسمية على نفسها ، لذلك اي ورود لكلمة الحجتية في مقالي تعني الفرق المهدوية الشيعية ولا تعني منظمة الحجتية الا في الموارد التي اخص بها المنظمة بالحديث … ،
لأن المهدوية هي فكرة سنية وشيعية ع

لى حدٍ سواء متعلقة بفكرة نهاية التاريخ المتداولة في تاريخ مختلف الامم والأديان ابتداءاً من اليونانيين مروراً باليهود والمسيحيين والمسلمين الكل يؤمن ان للتاريخ نهاية ومصلح او مهدي ، كارل ماركس وجورج فريدريش هيغل، صورا التاريخ على أنه معركة جدلية بين النماذج والأطروحات الأيديولوجية المتناقضة. فجاء فوكوياما ليعلن ان سقوط الاتحاد السوفيتي هو نهاية التاريخ مفترضاً ان الفكرة الليبرالية هي الأبقى والأكثر مثالية لهذه النهاية وهي الخلاص المثالي أيضاً .
وهي بالحقيقة فكرة مهدوية أيضاً لكنها غير مؤمنة وليست مؤطرة باطار ميثولوجي دينيٍ ..
الشيعة هم الوحيدون الذين تميزوا عن الامم جميعاً بفكرة المهدوية حين تبنوا مفهوم الغيبة، وجعلوا فكرة نهاية التاريخ مرتبطة بحلقة غير منفصلة عن الواقع عبر امامٍ معصومٍ حاضرٍ غائب يهيأ الظروف الإصلاحية خلال فترات غيبته لنهاية قوة الظلم بالتاريخ من خلال وسائط اتصال بكوادر ونخب ذات مواصفات علمية وروحية معينة تتناقل افكار التواصل معه من جيل الى جيل .
في هذه المساحة الفكرية خرج الفكر الحجتي الشيعي او الفرق المهدوية ، والتي شكلت تحدياً للتشيّع بشكل عام
و للمدرسة الاصولية فيما بعد بشكلٍ خاص،
ودخلت بصراعات تاريخية فكرية طاحنة حتى ان الشيخ الطوسي يذكر ان اكثر من ٢٣ مدعياً بالنيابة الخاصة ظهر بعد غيبة الامام المهدي ، ولم ينته هذا الانقسام بل استمر وتحولت بعض الفرق المهدوية الى مذاهب وفرق ودوّلٍ ومن بين الفرق الشيعية التي تبنت الفكر المهدوي بالتاريخ كما يذكر الحسن بن موسى النوبختي في كتابه ( الفرق الشيعية ) ان المهدوية ظهرت مع بدايات التشيع وكانت الفرقة السبئية تعتقد بمهدوية الامام علي ، ثم انتقلت الفكرة الى الكيسانية الذين ذهبوا للاعتقاد بأمامة وغيبة محمد بن الحنفية، ولعل هذه الفترة كانت من انشط فترات ظهور الفرق الاسلامية امتزجت دوافع ظهورها بصراعات الدولة الاسلاميةالمختلفة ،

يورد الشريف المرتضى في كتابه الفصول المختارة عن الشيخ المفيد الفرق المهدوية التي نشأت بعد وفاة الامام الصادق وكان ابرزهم ( الناووسية الذين قالوا بمهدوية الامام الصادق وغيبته ، والإسماعيلية الذين قالوا بأمامة اسماعيل ابن الامام الصادق وانه المهدي المنتظر ، والفطحية الذين قالوا بأمامة عبدالله بن الامام الصادق والقرامطة الذين أقاموا دولتهم على فكرة مهدوية محمد بن عبدالله بن الامام الصادق ثم الواقفة الذين وقفوا عند الامام الكاظم واعتقدوا بأنه المهدي المنتظر وخلافهم مع الامام الرضا،
ثم يؤكد الكتاب نفسه في ص٣٨١ ما اشار له النوبختي بكتاب الفرق(بانقسام الشيعة الى ١٤ فرقة بعد وفاة الامام العسكري ، اغلب هذه الفرق تلاشت ولم يبق لها اثر كذلك الدول التي قامت بباعث المهدوية كالفاطميبن والقرامطة والموحدين في المغرب وغيرهم انتهت تقريباً لكني اعتقد وبعد قراءتي لدراسة خاصة حول الفرق المهدوية منذ غيبة الامام والى وقتنا هذا ان اكثر مدعي المهدوية هم من السنة ولكن الدول السنية التي ظهروا بها فيها اثر تأريخي للدول المهدوية السابقة كمصر واليمن والمغرب والعراق والسعودية وهذا مبحث يحتاج لتفصيل خاص تستطيعون الاطلاع على رابط البحث الذي أوردته عن الفرق المهدوية في عصر الغيبة. .
الحركات الحجتية المهدوية الحالية في العراق :.

بالعراق في عصرنا خرجت مجموعة من الحركات الحجتية مثل المولوية الذين يكثرون استخدام مصطلح المولى ، واليمانية الذين يسمون جماعة اليماني احمد الحسن وهي حركة منأثرة بالبيئة الشيخية في بعض مناطق البصرة نشطة جداً ولها اتباع كثر ، وجند السماء جماعة ( قاضي السماء ) ضياء الگرعاوي الذي قتل بمعركة الزرگة عام ٢٠٠٧ وهي حركة انطلقت من الفرات ، حتى ان ابو هدى الغزي ذكر في حلقة خاصة ان شريحة مهمة من أنصار التيار الصدري يتبنون الفكر المهدوي ويعتقدون بمهدوية السيد مقتدى الصدر ولعل أحياء الشهيد الصدر الثاني لفكر النهضة المهدوية بموسوعته المهدوية وحركته النضالية اعادت الفكر المهدوي التمهيدي الى الحياة واعتقد البعض انه صاحب النفس الزكية الذي يقتل بالكوفة والذي يعتبر مقتله علامة بارزة من علامات الظهور، حتى ان بعض المتابعين اعتقدوا ان مقتله نفذه النظام السابق من خلال بعض المهدوية الذين كانوا يعتقدون بأن مقتله سيساهم بالخروج المقدس .مع ان فائق الشيخ علي نفى بكتابه ( اغتيال شعب ) هذه الفرضية وأكد ان رجال الامن قتلوه بالمستشفى لكني لا استبعد فرضية اغتيال السيد من قبل المهدويين بالتنسيق مع النظام.

حاول البعض ان يجد علاقة لأبي هدى الغزي بالحركات المهدوية الموجودة بالعراق الان ، من خلال ما تناقلته بعض المواقع عن علاقته الخفية بجند السماء عبر احد تلاميذه وهو السيد محمد الذي نزل للعراق بعد خروج الغزي من ايران واعتقل خمس سنوات في ابي غريب مع ضياء الگرعاوي وهو الذي نقل فكر الغزي للگرعاوي وان الغزي هو القائد الروحي لهذه الجماعة !!
وانا لا ارجح هذه الفرضية فمن خلال اعترافات شقيق الگرعاوي في فيلم ( اشباح الزرگة) الذي أنتجته قناة البغدادية عام ٢٠٠٧ اكد شقيقه ان ضياء لم يسجن بأبو غريب معه والگرعاوي كان موسيقياً لكنه تعرض لمرض شفي بعده بكرامة فذاع صيته في النجف بعدها اسس جماعته ( جند السماء ) ولم يذكر اي علاقة للغزي به ، واعتقد من خلال قراءاتي لتاريخ الحركات المهدوية انها تيارات عقدية غير منظمة ، ابو هدى الغزي مرتبط بهذه الحركات بأفكارها السلوكية وهي مرتبطة بفكره بنفس القوة ولا يحتاج هذا الارتباط الى علاقة تنظيمية خصوصاً ان الفترة التي نشط بها هذا الفكر بالعراق كان ابو هدى غائباً في أوربا وليس له اي حضور إعلامي .

لماذا يهاجم ابو هدى الغزي العلماء الشيعة ؟ وماهي فلسفة الحجتية
؟؟

لا يمكن ان تفهم سبب هجوم الغزي على العلماء الشيعة دون فهم العقائد الفلسفية للحجتية ، ما اشيع عن هذا الفكر ان أصحابه يمارسون اللواط ويدعون للرذيلة في المجتمع حتى يستفزّون الامام المهدي بالخروج هذا خطأ شائع ليس له علاقة بالواقع وجزء من التسقيط الفكري انا شخصياً عندي علاقات كثيرة بأنصار اليماني ولَم اسمع منهم يوماً انهم يدعون للرذيلة واللواط .

الحركات المهدوية الشيعية تعرضت الى انكار وتفسيق في التاريخ الشيعي فلجأت الى التصوف والعرفان لتخفي اعتقاداتها ولتحافظ على سرية افكارها ولذلك تعتبر من الفرق الباطنية هم يتبنون الفكر السلوكي والسلوك الى الله هو التصوف عند السنة والعرفان العملي عند الشيعة ، اضافة الى ان فكرة الارتباط والتواصل مع امام غائب تحتاج لغطاء فلسفي صوفي يجعلها منطقية لأنها فكرة ميثولوجية لا يمكن إثباتها بالدليل العقلي ، لذلك تعتبر فلسفة ( الاتحاد والحلول ) مثلاً هي الركن الفكري المركزي عند السلوكيين المهدوية (؟يعتقدون ان الله ممكن ان يحل بشخصية الامام المهدي وانا الموالي اذا توفر على كمالات باطنية ( الإرادة ، القوة ، النية ) مع انها نسبية لكنها ممكن ان تجعله قريباً من المعصوم او تجعله متحداً معه اذا بلغ درجة متقدمة من الكمال الروحي وتوحده بالمعصوم هو توحد بالله ) بقول الحلاج في اشارة ل هذا المعنى
(( انا انت بلا شك – فسبحانك سبحاني) ،
فكرة اقرب الى فكرة الأقانيم الثلاث عند المسيحية ( الاب ، الابن ، روح القدس ) ( الله ، المهدي ، الموالي ) ،
واعبد ربك حتى يأتيك اليقين : اليقين عند السلوكيين هو أقصى درجة عبادية يصلها الفرد وهي درجة روحية عالية بلغها الأصفياء والأولياء لذلك اذا بلغها الانسان لم تعد العبادات ( الصوم الصلاة الحج) الا تكاليف ظاهرية ممكن ان يستغني عنها الانسان اليقيني، هنا تصبح فرضية إسقاط التكاليف وإرغام النفس المؤمنة على ما تكره ذروة للتعجيل بالظهور ، فالذات المؤمنة تكره ارتكاب المعاصي وهذا المعنى نجده مثلا بسيرة ( الحشاشون ) الإسماعيلية في التاريخ ،وعند بعض فرق البابية ،
منظمة الحجتية في ايران مثلا كانوا يتجنبون كل امر لا يستفز الامام فالامر بالمعروف والنهي عن المنكر مثلاً قد لا يعجل بظهور الامام الذي يخرج ليسود العدل والإيمان ، اذن الموضوع ليس عبثياً ولكنه مبنيٌ على قواعد فلسفية وأعمال لا يقوم بها كل حجتي ولكن حسب موقعه ودرجته الروحية ، هذا المعنى أشار له ابو هدى الغزي في الفيلم الذي شاهدناه بايران حين تحدث عن محاولة اختفائه الفاشلة مع صديقه وزوجته .. وهو تفسير قريب من المنطق في قرائتنا لهذا الفكر الباطني الذي لا يفصح عن أفكاره الحقيقية لكي لا يتعرض لهجوم المؤسسات الدينية والعلماء .
-هذه الحركات قد لا يبدو خطرها ظاهراً ولكنها من اخطر الفرق التي واجهت السلاجقة والصفويين في التاريخ ، لأنها تبني تصرفاتها على مخيال عقائدي وفكرة ثورية جاهزة بأي لحظة ان تنتشر وتحرق الأخضر واليابس .. الغزي الحالي بتصوري اختلف عن الغزي في قم ، نزع خطابه الثوري واختار ان يدس الأفكار الباطنية المسمومة بعسل البحوث الاقصائية التي قد تبدو مقنعة ولكني احذر من خطورتها فهي موجهة لشبابنا الذين ما انفك ياسر الحبيب وياري من بث ثقافة الكرة والحقد الديني في أوساطهم حتى جاء الغزي ليلتقط هذا الصيد الشاب بسنارة المظلومية الزهرائية .

اذا أردت ان تفهم لماذا يهاجم عبد الحليم الغزي علماء النجف وقم ويمدح الشيرازيين والحجتية والإخبارية ويعلن بشكل مباشر عن تبنيه واعتقاده بفكر الشيخية في معرض رده على احمد اليماني حيث اكد( إنه يؤمن بفكر الشيخ الأحسائي ورسائله التي شوهها احمد الحسن اليماني ) الذي يستمع لرده على اليمانية يتأكد انه كان يدافع عن هذه الأفكار السلوكية ولم ينكر ما جاء به اليماني فعقيدتهم واحدة لكن طروحاتهم مختلفة ..ربما لأنه يعتقد انه اولى من اليماني بالدعوة لذلك ركز على ضعف لغة اليماني العربية ووجه كلامه للشباب اليمانيين وكأنه يقول لهم اتركوه واتبعوني هذا ما فهمته من محاضرة رده على اليمانيين في فضائيته ،

اذا أردت ان تعرف سبب هجوماته الغير منطقية والمتناقضة ما عليك الا ان تدخل اليوتيوب وتتابع اعترافات جند السماء الذين اعتبروا النجف موقع الظهور وقتل السيستاني ومراجع الحوزة ابرز اهداف القيام ، حينئذ ستعلم ان الفكرة واحدة ولكنها برأسين رأس للگرعاوي وأخر للغزي ، فأهداف جند السماء والغزي واحدة لكنه لم يرفع السلاح الا على الآصفي في قم ، الحوزة الاصولية تشكل العائق الفكري والتاريخي امام هذه الحركات التي تسربت في تاريخنا المعاصر من الفكر الشيخي، عملية تسقيط العلماء او اسقاطهم هي جزء من عوامل التمهيد فإثارة الفتن والشبهات بعصر الغيبة تمهد للظهور هكذا يعتقد هؤلاء ، الموضوع ليس عبثياً ولكنه جزء من منظومة فكرية يتحرك ضمن إطارها الغزي وجماعته ،

اذا قرأت كتابه ( الملف المهدوي ) مثلاً هو عبارة عن قصص وروايات واحلام ليس لها اي ادلة عقلية عن رؤية الآمام المهدي ، ليس فيه اي بحث معرفيٍ او فكرة قيمة الغزي مستعد ان يكتب لك كتاباً يستشهد لك بمليون قصة من مليون مبحث ولكنها كلها تدور بفلك الأحلام والرؤيا بمشاهدة المهدي ويعطيك رقم الصفحة حتى تتأكد انه باحث خطر ، قمة التناقض ان تطعن بعقيدة وفكر مرجع وتستشهد ببعض كتبه لتلتف على اتباعه بأن انتقادك ليس لأثارة الشبهات ولكن لتبديدها .

الفيلم الذي صوره الغزي في ايران واعترف بلسانه انه منحرف اتمنى ان يرد عليه بدل الشتائم التي يكيلها للشهيد الصدر الذي وضع إصبعه بعين صدام في عز جبروته ولم يخرج بالتلفزيون ويقول انا منحرف كما فعلت الكثير من الذين ينتقدون منهجه الان ويسقطون سلوكيات مقتدى الصدر وانصاره على منهج محمد صادق الصدر وافكاره على اية حال ستكون الحلقة الثانية من هذا المدخل هي علاقة التيار الصدري الحالي بهذا المنهج وهل هو تيار فكري باطني يستنسخ تجارب المهدويين السابقة ليعلق مساحة فراغ ديني وسياسي يتحرك بها لا تستطيع ان تفهم سياسة التيار الحالية دون العودة لشرح المنهج الفلسفي الذي تبناه مؤسس التيار وأثر بالواقع العراقي الى الدرجة التي لا يستطيع النقاد تجاوز تأثيراتها السياسية والدينية في المجتمع العراقي لنا عودة

Scroll to Top
انتقل إلى أعلى