بقلم / سارة السهيل
يقود فايروس كورونا العالم تغيير كبير في نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فهو في مظهره القريب عمل على ابعاد الناس عن بعضهم وعزلهم، لكنه في الوقت نفسه جمعم على مشاعر انسانية واحدة وهي الخوف والالم والامل في الشفاء والبحث عن الامان ومراجعة كل الانظمة الدولية الفاعلة في عالم ما بعد الحداثة التي يسيطر عليها الغرب خاصة الولايات المتحدة الامريكية.
فأمريكا التي قادت العالم دون منافس بعد زوال منافسها الاتحاد الروسي، أسقط فيروس كورونا عنها ورقة التوت التي كانت تتستر بها، فبدت هشة غير قادرة على احتواء الفايروس وحماية شعبها كما تجلى غرورها وأنانيتها في عدم تقديم يد العون للضحايا في العالم.
كما سقطت ورقة التوت أيضا عن دول الاتحاد الاوربي الذي تقاعس عن نجدة ايطاليا وتركها تواجه الموت منفردة حتى قدمت لها الصين يد العون لانقاذ شعبها من الموت المحقق، بل ان بعضها استولى على معدات طبية منقولة جوا للبعض منها في سرقة علنية!
لم تستطع الدول الغربيةوعلى رأسها أمريكا برأسماليتها المتوحشة وبترساناتها النووية وقدراتها الاقتصادية مواجهة كورونا ودفعت الشعوب الغربية حياتها ثمنا باهظا لاطماع الكيانات الاقتصادية الكبرى والتي اهملت البحوث العلمية الطبية واهتمت بالرواج التجاري للسلع الترفيهية والعسكرية، وأغفلت القيم والاخلاق في زحام صراعها لحصد الاموال والثروات.
فشل الغرب في مواجهة كورونا بينما نجحت الصين وكوريا الجنوبية وسنغافوره في احتوائه ومدت يد العون للدول الأخرى في العالم، هذه الحقيقة التي أدركتها شعوب العالم في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ البشرية، لتنقلب موازيين القوى في العالم، وتتغير مفاهيم القوة الحقيقة وتنتقل من القوة العسكرية والاقتصادية الضخمة الى القوة العلمية التي تفيد البشرية وتغيرت المعادلة ليصبح البقاء للانفع والاصلح وليس للأقوى عسكريا.
ينطبق ما نشهده اليوم على مفهوم الدفع الحضاري وهو سنة كونية وضعها الخالق العظيم لاعمار الكون واصلاحه وتحقيق التوازن فيه وضمان بقائه حيا نابضا بالحياة، وكما يقول الله في محكم كتابه ” ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض “، فالتدافع الحضاري لبني البشر يمثل صيرورة وسنة كونية إلهية لصلاح الارض والمجتمعات من خلال التغيير الذي يحول المتدافعين لاتخاذ موقف ينتقل بهم من العداوة الى التعاون الحميم والى التسامح والتآخي بين الافراد والمجتمعات والحضارات ليجتمع بنو البشر علي اهمية الاشتراك في تحقيق مصلحتهم ونفعهم وحمايتهم وأمنهم.
هذا الدفع الحضاري سيخلخل العولمة الغربية ورأسماليتها المتوحشة لانها لا تقيس الأمور إلا بميزان الربح والخسارة، وتزلزل امريكا عن عرش القيادة العالمية، استعدادا لعالم متعدد الاقطاب قد تقوده الصين مع روسيا وبعض الكيانات الدولية الاخرى التي أثبتت جدارة في احتواء كورونا.
ولاشك ان ميزان القوى بعد كورونا سيميل نحو الشرق، والشرق أجدر على قيادة المنظومة العالمية بما فيها من حضارات عريقة وأديان سماوية واخلاق سامية وحكمة، لكن الغرب جعلنا خلال السنوات الماضية نتجاهل قيمتها حتى أعادها فيروس كرورنا الى صدارة الاهتمام والاهمية.
وقد يشهد العالم بعض الانغلاق على ذاته، خاصة وان الشركات والحكومات تتخوف من نظم التجارة الحالية العابرة للحدود بعد أن ثبت ان انفتاح العالم قد جلب معه أمراضاً مميتة، ولكن ذلك يمنح الفرص للدول الوطنية لكي تستعيد عافيتها من الهيمنة الغربية، وتطلق مشروعات وخطط تنموية وصحية وعلمية بأيدي ابنائها وتعيد بناء منظومتها الحضارية والاخلاقية على أسس من موروثها القيمي والديني.
وهنا فقط يمكن للعرب ان يعيدوا الاعتبار لمورادهم البشرية اولا عبر الاهتمام بالانسان بتغذيته وتعليمه وتهذيب اخلاقه، والاستفادة من خبرائه وعلمائه في اعادة توجيه الموارد الطبيعة واستثمارها بأحدث الطرق العلمية لخير مواطينها مع الضرب بيد من حديد على كل الفاسدين والمفدسين في اوطاننا العربية.
أظن انه حان الوقت لكي نستعيد عافية قوميتنا العربية التي تجزأت وتهمشت، وهذا لن يتحقق بدون وقف الاقتتال والاحتراب بين الدول العربية او بين الكيانات السياسية داخل الدول العربية الواحدة. واذا ما نجحنا في وقف هذا الاقتتال يمكننا البدء فورا في تحقيق التكامل الاقتصادي والعلمي والطبي بين ارجاء وطننا العربي، حينئذ فقط يمكن للدول العربية ان تسهم في منظومة النظام العالمي الجديد الذي قد يتشكل بعد كورونا.
العالمية لهذا الوباء إلى حد كبير، في حال قدّمت المنظمات الدولية مزيدا من المعلومات في وقت مبكر، الأمر الذي كان من شأنه أن يوفر للحكومات الوقت للتأهب وتوجيه الموارد اللازمة إلى حيث يكون المواطنون في أمسّ الحاجة إليها.