تكريم أُمّنا حَوَّاء

بقلم/ فضيلة الدكتور الشيخ عادل حسن الحمد

أول قصة في سورة البقرة هي قصة أبينا آدم وزوجه، ومن الجوانب المهمة في هذه القصة جانب عداوة إبليس للأسرة، والسبل التي يدخل منها لإفسادها، وسبل مقاومة هذا العدو مع بيان منهج النجاة والسعادة للأسرة.

قال تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ
[البقرة 34-35]
الأمر بالسجود لآدم جاء قبل خلقه، قال تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [الحجر: 28، 29]، وهذا من تكريم الله لآدم.
قال ابن كثير رحمه الله:((وَهَذِهِ كَرَامَةٌ عَظِيمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِآدَمَ امْتَنَّ بِهَا عَلَى ذُرِّيَّتِهِ، حَيْثُ أَخْبَرَ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ)).(تفسير ابن كثير 1/75)
وهذا التكريم يشمل الذكر والأنثى على حد سواء، كما قال سبحانه: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وأمنا حواء خلقت من ضلع أبينا آدم، وخلقت من أجله ليأنس بها، فيشملها التكريم. وذرية آدم إنما خرجت من رحم أمنا حواء.
والتكريم لا يعني التفضيل، ولذلك قال سبحانه وتعالى في تمام الآية: وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا [الإسراء: 70].
فالتكريم حاصل((بالعلم، والعقل، وإرسال الرسل، وإنزال الكتب)). (تفسير السعدي 3/123)
والتفضيل((بما خصهم به من المناقب وفضلهم به من الفضائل التي ليست لغيرهم من أنواع المخلوقات)).(تفسير السعدي 3/123)((والفرق بين التفضيل والتكريم بالعموم والخصوص؛ فالتكريم منظور فيه إلى تكريمه في ذاته، والتفضيل منظور فيه إلى تشريفه فوق غيره، على أنه فضله بالعقل، الذي به استصلاح شؤونه، ودفع الأضرار عنه، وبأنواع المعارف والعلوم. هذا هو التفضيل المراد)).(التحرير والتنوير 15/166)
قال الراغب الأصفهاني: ((والفَضْلُ إذا استعمل لزيادة أحد الشّيئين على الآخر فعلى ثلاثة أضرب:
فضل من حيث الجنس، كفضل جنس الحيوان على جنس النّبات.
وفضل من حيث النّوع، كفضل الإنسان على غيره من الحيوان، وعلى هذا النحو قوله:
وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ، إلى قوله: تَفْضِيلًا [الإسراء: 70]
وفضل من حيث الذّات، كفضل رجل على آخر.
فالأوّلان جوهريّان، لا سبيل للناقص فيهما أن يزيل نقصه وأن يستفيد الفضل، كالفرس والحمار، لا يمكنهما أن يكتسبا الفضيلة التي خصّ بها الإنسان، والفضل الثالث قد يكون عرضيّا فيوجد السّبيل على اكتسابه، ومن هذا النّوع التّفضيل المذكور في قوله: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ [النحل: 71]، لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [الإسراء: 12]، يعني: المال وما يكتسب.
وقوله: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ [النساء: 34]، فإنه يعني بما خصّ به الرّجل من الفضيلة الذّاتيّة له، والفضل الذي أعطيه من المكنة والمال والجاه والقوّة)). (مفردات القرآن 639)
فالرجل والمرأة في التكريم على حد سواء، وأما في التفضيل، فنوع الرجل مُفضل على نوع المرأة بتفضيل الله له، فلا سبيل للمرأة أن تزيل هذا الفضل.
وأول خلل يقع في الأسرة بسبب إبليس، هو إهانة الرجل للمرأة ورفضه لهذا التكريم، إما اعتقادا وعملا، كما هو عادات بعض المجتمعات. وإما عملا، بالألفاظ السيئة الدالة على سوء خلق الرجل، والأعمال المنقصة لحق المرأة.
فماذا تفعل المرأة في هذه الحالة؟
نكمل غدا إنشاء الله.
والحمد لله رب العالمين

Scroll to Top
انتقل إلى أعلى