بقلم/ فضيلة الدكتور الشيخ عادل حسن الحمد
قال تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة 34]
لما خلق الله آدم وأمر ملائكته بالسجود له تكريما وتشريفا، رفض إبليس السجود، استكبارا على أمر الله، فلماذا تكبر إبليس على آدم؟
بين الله عز وجل في موضع آخر من القرآن سبب تكبر إبليس فقال: قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف: 12]، وقال: قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر: 33]
فالسبب الذي منع إبليس من السجود، وأدى به إلى الاستكبار على أمر الله، هو المقارنة الفاسدة بين طبيعة خلقه، وطبيعة خلق آدم.
أما الملائكة، فإنهم لما أمروا بالسجود، سجدوا طاعة لله، قال ابن جرير الطبري رحمه الله: ((وَكَانَ سُجُودُ الْمَلاَئِكَةِ لِآدَمَ تَكْرِمَةً لِآدَمَ وَطَاعَةً لِلَّهِ، لاَ عِبَادَةَ لِآدَمَ)).(جامع البيان 1/266)قال قتادة: فكانت الطاعة لله، والسجدة لآدم، أكرم الله آدم أن أسجد له ملائكته.
وفي هذه فائدة، أن الملائكة لما أطاعوا الله فيما أمرهم به من السجود لآدم، ولم ينظروا إلى المادة التي خلقوا منها، ولا في عملهم الدؤوب في ذكر الله، ارتفع شأنهم. أما إبليس فإنه لما عصى الله ولم يسجد لآدم استكبارًا منه حلت عليه اللعنة، وطرد من رحمة الله.
وكذلك يقال للمرأة، أن الله لما أمرها أن تخضع لزوجها وتطيعه فيما يأمرها به مما هو طاعة، أو مباحٌ، أن فيه الرفعة لها إن هي امتثلت، وأما إذا عصت زوجها فقد شاركت إبليس في صفة معصيته، وهي الإباء والاستكبار، لأنه لم يمنعها من الامتثال حقيقة إلا الاستكبار.
إن استكبار المرأة وامتناعها عن الامتثال لزوجها يؤدي إلى احتقاره وتسفيه رأيه، ومن ثم احتقار الأحكام الشرعية من حيث تشعر أو لا تشعر.
قال القرطبي رحمه الله:((قوله تعالى: وَاسْتَكْبَرَ الاستكبار: الاستعظام، فكأنه كره السجود في حقه واستعظمه في حق آدم، فكان ترك السجود لآدم تسفيها لأمر الله وحكمته. وعن هذا الكبر عبر عليه السلام بقوله: ((لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ)). قَالَ: رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ:((إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ،الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ)).أخرجه مسلم. ومعنى بطر الحق: تسفيهه وإبطاله. وغمط الناس: الاحتقار لهم والازدراء بهم … فكل من سفه شيئا من أوامر الله تعالى أو أمر رسوله عليه السلام كان حكمه حكمه، وهذا ما لا خلاف فيه)).(الجامع لأحكام القرآن 1/296)
وقال محمد رشيد رضا رحمه الله: ((والاستكبار بمعنى التكبر، وهو الظهور بصفة الكبرياء التي من آثارها الترفع عن الحق)).(تفسير المنار 1/266)
فلتكن المرأة على حذر من ذلك، فإن بداية الكبر في نفس المرأة ينشأ من شعورها بأن لها فضلا على الرجل يمنعها من الرضوخ له، وهذا ما حدث لإبليس.
قال القرطبي رحمه الله: ((قال ابن عباس: كان يرى لنفسه أن له فضيلة على الملائكة بما عنده، فلذلك قال: أنا خير منه، ولذلك قال الله عز وجل: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ أي استكبرت ولا كبر لك، ولم أتكبر أنا حين خلقته بيدي والكبر لي، فلذلك قال: وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ )).(الجامع لأحكام القرآن 1/297)
وقال الشنقيطي رحمه الله: ((فَكُلُّ مَنْ رَدَّ نُصُوصَ الْوَحْيِ بِالْأَقْيِسَةِ، فَسَلَفُهُ فِي ذَلِكَ إِبْلِيسُ، وَقِيَاسُ إِبْلِيسَ هَذَا لَعَنَهُ اللَّهُ بَاطِلٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ ; لِمُخَالَفَةِ النَّصِّ الصَّرِيحِ)).(أضواء البيان 1/87)
فالمرأة التي تقيس النصوص بعقلها، تقع فيما وقع فيه إبليس من رد الحق والاستكبار عليه.
فإذا كان إبليس دخل على الرجل من باب رفض تكريم الله للمرأة، فإنه يدخل على المرأة من باب رفض تفضيل الله للرجل. ومن استجاب منهما له، كان هدم الأسرة على يده.
نكمل غدا إنشاء الله.
والحمد لله رب العالمين