يا حَوَّاء خذي العبرة

بقلم/ فضيلة الدكتور الشيخ عادل حسن الحمد

قال تعالى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة 36-37]
لما قص الله علينا القصص في القرآن الكريم، قال لنا: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف: 111]
فعلمنا يقينا أن ذكر القصص في القرآن العظيم المراد منه أخذ العبرة، وأن التي تأخذ العبرة من قصص القرآن موصوفة برجاحة العقل، وأنها تسير على طريق الهداية، ولها من الله الرحمة.
ما اسم الشجرة؟
من المهم في دراسة قصة أمنا وحواء، أخذ العبرة من القصة، عوضا عن الانشغال بمعرفة الشجرة.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: (( وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ عِبَادَهُ أَنَّ آدَمَ وَزَوْجَتَهُ أَكَلاَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَاهُمَا رَبُّهُمَا عَنِ الأَكْلِ مِنْهَا، فَأَتَيَا الْخَطِيئَةَ الَّتِي نَهَاهُمَا عَنْ إِتْيَانِهَا بِأَكْلِهِمَا مَا أَكَلاَ مِنْهَا، بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمَا عَيْنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَاهُمَا عَنِ الأَكْلِ مِنْهَا، وَأَشَارَ لَهُمَا إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ: وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ وَلَمْ يَضَعِ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِعِبَادِهِ الْمُخَاطَبِينَ بِالْقُرْآنِ دَلاَلَةً عَلَى أَيِّ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ كَانَ نَهْيُهُ آدَمَ أَنْ يَقْرَبَهَا، بِنَصٍّ عَلَيْهَا بِاسْمِهَا، وَلاَ بِدَلاَلَةٍ عَلَيْهَا. وَلَوْ كَانَ لِلَّهِ فِي الْعِلْمِ بِأَيِّ ذَلِكَ مِنْ أَيِّ رِضًا، لَمْ يُخْلِ عِبَادَهُ مِنْ نَصْبِ دَلاَلَةٍ لَهُمْ عَلَيْهَا يَصِلُونَ بِهَا إِلَى مَعْرِفَةِ عَيْنِهَا، لِيُطِيعُوهُ بِعِلْمِهِمْ بِهَا، كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا بِالْعِلْمِ بِهِ لَهُ رِضًا.
فَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَهَى آدَمَ وَزَوْجَتَهُ عَنْ أَكْلِ شَجَرَةٍ بِعَيْنِهَا مِنْ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ دُونَ سَائِرِ أَشْجَارِهَا، فَخَالَفَا إِلَى مَا نَهَاهُمَا اللَّهُ عَنْهُ، فَأَكَلاَ مِنْهَا كَمَا وَصَفَهُمَا اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهِ. وَلاَ عِلْمَ عِنْدَنَا بأَيَّ شَجَرَةٍ كَانَت على التَّعيِين، لأنَّ اللهَ لم يَضَعْ لِعِبَادِه دليلًا على ذلك في القرآنِ، ولا في السُّنةِ الصحيحة. فأنى يأتي ذلك؟ وَقَدْ قِيلَ: كَانَتْ شَجَرَةَ الْبُرِّ. وَقِيلَ: كَانَتْ شَجَرَةَ الْعِنَبِ. وَقِيلَ: كَانَتْ شَجَرَةَ التِّينِ. وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً مِنْهَا، وَذَلِكَ عِلمٌ إذا عُلم لَمْ يَنْفَعِ الْعَالِمَ بِهِ عِلْمُهُ، وَإِنْ جَهِلَهُ جَاهِلٌ لَمْ يَضُرَّهْ جَهْلُهُ بِهِ)).(جامع البيان في تأويل القرآن 1/270)
وفي هذا تربية للمرأة ألاَّ تخوض في البحث عما لا ينفع، فتشغل نفسها وتشغل غيرها، وتضيع وقتها في جدل عقيم.
الشيطان عدوكِ وعدو زوجكِ:
قال تعالى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ
تشير الآية إلى أن الشيطان أغوى آدم وحواء وأوقعهما في مخالفة أمر الله. وفي هذا فائدة للزوجين بأن يحذرا من إغواء الشيطان لهما جميعًا، فإذا أذنب أحدهما فلا يلقي باللائمة على الآخر.
قال د. عبدالعزيز الطريفي: ((يخبرنا الله سبحانه: أن إبليس سوَّل لآدم وحوَّاء الأكل من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها، فأكلا منها، وسمى الله ما فعلاه زللاً عن الجنة، وسبباً للإخراج منها)).(التفسير والبيان لأحكام القرآن 1/38)
فالخطأ وقع من الزوجين، والعقوبة كانت عليهما كذلك.

إذا اذنبتِ فبادري بالتوبة كما فعلت أمك حواء:
من أهم العبر التي نتعلمها من القصة، هي المبادرة إلى التوبة بعد الذنب مباشرة، كما فعل أبينا آدم وأمنا حواء.
قال ابن تيمية رحمه الله: (( إن الله سبحانه وتعالى قال: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا [البقرة: 37-38] فأخبر أنه تاب عليه بالكلمات التي تلقاها منه. وقد قال تعالى: قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا [الأعراف: 23] الآية فأخبر أنه أمرهم بالهبوط عقب هذه الكلمات. وأخبر أنه تاب عليه عقب الكلمات وأمره بالهبوط، فكان أمره بالهبوط عقب الكلمات التي تلقاها منه، وهي قولهما: قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23] أو كلمات تشبه هذه الكلمات، ذكر ذلك طائفة كثيرة من المفسرين. ومن ذكر أن الكلمات التي تلقاها من ربه غير هذه لم يكن معه حجة في خلاف ظاهر القرآن.
وقد ذكر ابن أبي الدنيا في كتاب (التوبة) في هذه الكلمات أشياء كثيرة، كلها تدور على ما ذكره الله في كتابه من قول آدم وحواء: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
وأيضا فإن قولهما: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا يتضمن الإقرار والاستغفار، ومن هو دون آدم إذا أقر بذنبه واستغفر منه غفر له، كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة:((إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه وتاب تاب الله عليه)).وقال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: 110]، وإذا حصلت مغفرة بالتوبة حصل المقصود بها لا بغيرها. وقد ثبت في الصحيح عن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:((يا عمرو أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن التوبة تهدم ما كان قبلها)). وكذلك الآية التي في آل عمران: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران: 135])).(الرد على البكري 10)
وقال ابن كثير رحمه الله: ((وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ: اعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ تَهْدِيدًا عَظِيمًا عَنْ كُلِّ الْمَعَاصِي مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ مَنْ تَصَوَّرَ مَا جَرَى عَلَى آدَمَ بِسَبَبِ إِقْدَامِهِ عَلَى هَذِهِ الزَّلَّةِ الصَّغِيرَةِ كَانَ عَلَى وَجَلٍ شَدِيدٍ مِنَ الْمَعَاصِي، قَالَ الشَّاعِرُ:
يَا نَاظِرًا يَرْنُو بِعَيْنَيْ رَاقِدٍ
وَمُشَاهِدًا لِلْأَمْرِ غَيْرَ مُشَاهِدِ
تَصِلُ الذُّنُوبَ إِلَى الذُّنُوبِ وَتَرْتَجِي
دَرَجَ الْجِنَانِ وَنَيْلَ فَوْزِ الْعَابِدِ
أَنَسِيتَ رَبَّكَ حِينَ أَخْرَجَ آدَمًا
مِنْهَا إِلَى الدُّنْيَا بِذَنْبٍ وَاحِدِ)).
(تفسير القرآن العظيم 1/81)
فالعبرة التي يجب على حواء أن تنشغل بها هي خطورة الذنب مهما كان صغيرًا في عينها.

نكمل غدا إنشاء الله.
والحمد لله رب العالمين

Scroll to Top
انتقل إلى أعلى