لواء دكتور سمير فرج يكتب فوائد فيروس كورونا

بقلم لواء دكتور سمير فرج

أياً كان التوقيت، الذي سيرحل عنا فيه فيروس كورونا، اللعين، بعد أن ينجح العقل البشري، إن شاء الله، في التغلب عليه، إلا أنه سيرحل، حينها، مخلفاً وراءه، الكثير من السلبيات على شتى نواحي الحياة السياسية، والاقتصادية، والإنسانية، وسيؤرخ للعالم بما قبل كورونا، وما بعد كورونا. إلا أنه بالرغم من كل الأزمات، والآلام، التي أحدثها هذا الفيروس، والمتوقع استمراها لفترة، إلا أنني لمست عدداً من الإيجابيات التي أفرزها هذا الفيروس على المستويات العامة، والخاصة، لنا جميعاً.

كان أول هذه الفوائد، والإيجابيات، الاعترافات الدولية بفضل “الجيش الأبيض”، في التصدي، وبذل الجهد لمحاربة هذا الفيروس الشرس، وهم جميع العاملين في قطاع الصحة، سواء الأطباء، أو الممرضين، أو فنيو المعامل، أو حتى الإداريين والعمال، في مختلف المؤسسات الطبية والصحية. وعلى مستوى مصر، فإضافة للشكر الواجب لجميع الأطقم الطبية، فقد تم تسليط الضوء، على فئة لم تحظ بحقها، في الماضي، وهم فرق التمريض، أو ملائكة الرحمة، الذين استشعروا، خلال هذه الأزمة، حب وتقدير أفراد الشعب المصري لهم، ولدورهم البطولي، ضمن تلك الملحمة الإنسانية. والحقيقة أن الشعب قد لمس، أيضاً، تطورات هذه المهنة الحيوية، وقدرات الممرضين على التعامل مع أحدث الأجهزة التكنولوجية، المتخصصة، لتحقيق نتائج مذهلة، وهو ما أتوقع معه، أن تصبح مهنة التمريض، مستقبلاً، من المهن التي يقبل عليها العامة في مصر، والعالم العربي.

أما الفائدة الثانية فكانت نجاح الإعلام، في العالم كله، في لعب دوره في توعية المواطنين، في المجالات الطبية، والنفسية، وحتى الغذائية، وكان نقل صور شوارع باريس ولندن ومدريد وروما، وغيرهم من مدن العالم، الخاوية من الأفراد، هو أنجح وسيلة لإقناع المواطنين بالبقاء في منازلهم، وقصر الخروج على الضرورة، وأصبح شعار “خليك بالبيت”، أو “Stay Home”، المستخدم في مختلف وسائل الإعلام، رمزاً موحداً للمرحلة. كما كان نقل المؤتمرات الصحفية للرؤساء، ورؤساء الحكومات، والوزراء، وممثلو منظمة الصحة العالمية، وكذلك الإعلان، يومياً، عن أعداد الإصابات والوفاة، في كل بلاد العالم، رسالة للجميع، عن خطورة ذلك الفيروس، ودافعاً لهم للتصدي لانتشاره.

وتمثلت الفائدة الثالثة، من هذا الفيروس، في زيادة الوعي الصحي للمواطنين، في العالم كله، فبعدما اعتمدت، الكثير، من البرامج الصحية، من قبل، على الأهداف الربحية، مثل الترويج لعمليات التجميل، وإنقاص الوزن، وتجميل الأسنان، صارت تستهدف صحة المواطن، في المقام الأول، بتعريفه على أنواع التغذية السليمة، للصحة العامة، ولتقوية الجهاز المناعي، ولعل أبسط مثال لذلك، هو تعرف المواطن على أهمية فيتامين “د” لصحة الإنسان، وأيسر سبل الحصول عليه، بالتعرض لأشعة الشمس. وهو ما أتوقع استمراره، بعد انتهاء الأزمة، بأن يغير الإنسان من نمط حياته، بالحفاظ على صحته، باتباع ثقافة طبية سليمة.

وفي سياق متصل، سيحدث التغيير الرابع، متمثلاً في التحول إلى أنماط غذاء صحية، ومتوازنة، بعد عقود من الاعتماد على الوجبات الجاهزة، والسريعة، التي يليق بها مصطلح “Junk Food”، فقد أدى غلق المطاعم والمقاهي أمام الجمهور، مع فرض حظر تجوال، مع خوف العديد من المواطنين من طلب الأطعمة الجاهزة، إلى عودة التفاف أفراد العائلة، حول الوجبات اللذيذة، التي تعدها الأم المصرية، حتى في أبسط صورها، متمثلة في طبق الفول المدمس، “البيتي”، الذي تربينا عليه، وافتقدناه مع سرعة وتيرة الحياة. وأرجو، بعد الخروج من هذه التجربة، أن نواصل ابتعادنا عن الوجبات الجاهزة.

أما الفائدة الخامسة فكانت من وجهة نظري، في تعريف المواطن المصري، بدور قواته المسلحة، في دعم كافة جهات، ومؤسسات، الدولة، في عملية التطهير، والتعقيم، فشهد العامة مصانع القوات المسلحة، تقدم كافة أصناف المطهرات، والمواد الكيماوية، اللازمة للمواطنين، بأسعار زهيدة للمواطن المصري، واعترفت مختلف فئات المجتمع، بأهمية، ومحورية، الدور الذي تلعبه القوات المسلحة المصرية، بعدما كانت مصانعها، تلك، قد تعرضت، في يوم من الأيام، لحملة انتقادات، ممنهجة، اتهمتها بإنها السوق الاقتصادية الموازية، فأيقن الشعب المصري بأن هذه المصانع هي الظهر والسند، له، ولمصر، خاصة في أوقات الأزمات.

وظهرت فائدة سادسة، كفرصة ذهبية للاقتصاد المصري، والصناعة المصرية، في الاستفادة من حالة الكساد الذي يشهدها العالم، لتقديم إنتاجها في صورة تنافسية، خاصة للأسواق الأفريقية، التي تعتمد في معظم استهلاكها على الاستيراد من دول شرق آسيا، وهنا يكمن دور الحكومة المصرية، في دعم الصناعات الوطنية، بحزمة من الإجراءات التي تمكنها من المنافسة في الأسواق الأفريقية، والعربية. كما يجب على المفاوض المصري، الحصول على أسعار تنافسية مقابل استيراده، باعتبار السوق المصري أحد أكبر وأهم الأسواق، التي يستهدفها مصنعو دول العالم.

وعلى صعيد شخصي، فإن وجودي في المنزل، لفترات أطول من المعتاد، جعلني أعيد البحث في أوراقي القديمة، والكتب، والمراجع، ونجحت في ترتيب أوراق كنت قد تركتها منذ زمن بعيد. كما راجعت مستلزماتي الشخصية، فاطلعت، مرة أخرى، على الصور الفوتوغرافية، العائلية، القديمة، واستعدت كثير من الذكريات، منها مراحل السنوات العمرية لأولادي، وأحفادي، الذين أبدوا سعادة بالغة لتبادل تلك الذكريات معهم، من خلال الهواتف المحمولة. وعلمت من كثير من الأصدقاء والزملاء قد قاموا بنفس العمل، وأحيوا الذكريات الجميلة للأسرة المترابطة.

أما على الناحية الشعبية، فلقد أثبت المواطن المصري أصالته، وأظهر معدنه الأصيل، في وقت الشدة، بالتزامه بتعليمات الحظر، منذ اليوم الأول، خاصة وأن السيد الرئيس كان قد راهن على وعي الشعب المصري، فلم تنشر قوات الجيش لتطبيق قرارات الحظر، ولم تتخذ إجراءات أكثر قسوة، مثلما حدث ببعض الدول. ورغم الظروف الصعبة، التي يمر بها بعض المواطنين، من أصحاب الحرف اليدوية، والعمالة اليومية، إلا أن حالة الالتزام العام كانت أكبر المكاسب التي حققها الشعب المصري من الحرب ضد فيروس كورونا، ليثبت، مرة أخرى، أنه رمز الصمود والسند والوفاء لمصرنا الحبيبة.

Scroll to Top
انتقل إلى أعلى