كتبه: أ د. أبو اليزيد الشرقاوي

من سمع محاضرات أستاذنا المرحوم د. علي الجندي، وقرأ كتابه (في تاريخ الأدب الجاهلي) بالتأكيد سيكون ضد طه حسين؛ لأن كلام دكتور علي الجندي سلبي جدًّا في وصف طه حسين، وكله يقوم على حشد ما قاله نقاد طه حسين عن عواطفه الدينية؛ لذلك قبل الخوض في الحديث عن طه حسين اسمح لي بحديث جانبي عن آراء أستاذنا علي الجندي رحمه الله.

كان رحمه الله ممن طال عمرهم وحسن عملهم، وكان الأول على القطر المصري (مصر والسودان) أيام الملك وابتعث في منحة لدراسة الدكتوراه من إنجلترا، ورجع محملاً بروح نقدية ثورية حداثية.

كان مرشحًا لاحتلال موقع مهم جدًّا ومتقدم بين نقاد الحداثة والتجديد؛ لأن مدرسة النقد الجديد ( New Criticism ) كانت في أوج مجدها ولم ينتقل تراثها إلى لغتنا، وابتدأ د. علي الجندي في نقل التراث النقدي الإنجليزي المعاصر وترجم كتابين وألّف كتابين يؤسسان للفكر النقدي الحداثي في الثقافة العربية، أحدهما هو كتاب (الذوق الأدبي كيف يتكون) تأليف أرنولد بنيت.

فجأة وبدون سبب نعرفه، (وقد حاولتُ أنا شخصيًّا معرفة هذا السبب منه لكنه رفض وأصر على الرفض وعدم الحديث في هذا الأمر) – فجأة ترك د. علي هذا المجال وأصابته ردة ثقافية غريبة، وتحول إلى ناقد جاهلي، وجاهلي فقط، مؤمنا بأنه بعد الجاهليين لا يوجد شخص يستحق القراءة.

لتأكيد هذا التحول تجاهل د. علي الجندي هذه الكتب الأربعة التي نشرها فلم يُعِد طباعتها ولم يذكرها، وتناساها حتى نسيها، ويوم أن كنا نذكرها أمامه كان يهيج ويصيبه الفزع وكأننا نذكر له خطيئة ماتت وطواها الزمن، حتى صار لا يعرفه طلابه إلا بكتابه (في الشعر الجاهلي) أو كتابه الآخر عن طرفة بن العبد أو كتابه الأقل شهرة عن شعر الحرب في الجاهلية، وبهذا تأكدت الصبغة الجاهلية في أذهان طلابه ومحبيه، بمحاضراته في مدرج (18) وكتابه الذي لم يتغير بمرور الأجيال (في الشعر الجاهلي).

من المؤكد أنك تتوقع تحامل د. علي الجندي على طه حسين لأنه يتشكك فيما يؤمن به د. علي الجندي، وهذا يفسر لك النبرة الحادة والحزينة والمنفعلة التي اختزنها كل طلاب د. علي الجندي ضد طه حسين حتى اليوم. وهو ما ترك انطباعا سلبيًّا لدى كل هذه الأجيال نحو طه حسين وما كتبه حتى اليوم.