بقلم أ.د/ منى طه عامر استاذ القانون المدني والتحكيم التجاري الدولي
والمحامية بالنقض
لابد للقارئ الكريم أن يتعرف على انواع التحكيم ، فليس التحكيم بمعناه المطلق واحداً وإنما له أنواع متعددة سوف نتعرف عليها بايجاز مبسط للعلم فقط نذكر أهمها فيما يلي:
أولاً: التحكيم الوطني والتحكيم الدولي وتنوع التحكيم الدولي إلى عام وخاص:
ينقسم التحكيم إلى تحكيم داخلي أي وطني وتحكيم دولي و للتفرقة بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي ، أن العبرة هي بمكان صدور حكم التحكيم ، وإذا صدر حكم المحكمين داخل الدولة كان التحكيم داخلياً أو وطنياً ، أما إذا صدر خارج الدولة كان التحكيم دولياً ، كما يعتبر التحكيم داخلياً إذا خضعت إجراءاته للقانون الداخلي أي الوطني ، بينما يكون التحكيم دولياً إذا خضعت إجراءاته لقانون أجنبي أو لنصوص اتفاقية دولية
كذلك طبيعة النزاع ، ووفقاً له فإن التحكيم يكون دولياً اذا تعلق بنزاع من طبيعة دولية أي يتعلق بمعاملة تجارية دولية ولو كان يجري بين شخصين يحملان الجنسية ذاتها وجرى التحكيم في الدولة التي ينتميان إلى جنسيتها
ويكون التحكيم وطنياً إذا اتصلت جميع عناصره بدولة معينة دون غيرها ، وهي موضوع النزاع وجنسية الخصوم وجنسية المحكمين والقانون الواجب التطبيق والمكان الذي يجري فيه التحكيم ، ويكون التحكيم أجنبياً في نظر القاضي إذا اتصلت جميع عناصره بدوله أخرى ، أو توزعت بين عدة دول أخرى . ومنها أيضاً إذا كان مقر عمل طرفي التحكيم وقت عقد الإتفاق واقعين في دولتين إذا كان أحد الأماكن مثل مكان التحكيم أو أى مكان ينفذ فيه جزء هام من الإلتزامات الناشئة عن العلاقة التجارية ، أو إذا اتفق الطرفان صراحة على أن موضوع إتفاق التحكيم متعلق بأكثر من دولة واحدة .
ويلاحظ أن التحكيم الدولي ينقسم إلى نوعين : عام وخاص ، ويكون التحكيم الدولي عاماً إذا كان قاصراً على المنازعات التي تثور بين الدول أو غيرها من الأشخاص الإعتبارية الخاصة ، والتي تتضمن عنصراً أجنبياً سواء كان محل النزاع أو سببه أو أحد أطرافه .
ثانياً : التحكيم الإختياري والتحكيم الأجباري :
ينقسم التحكيم الداخلي إلى تحكيم إختياري وتحكيم إجباري ، والتحكيم الإختياري يستند إلى أتفاق خاص ويكون الألتجاء إليه بإرادة الأطراف ، أما التحكيم الإجباري هو الذي يفرضه القانون بالنسبة لنوع معين من المنازعات ، ويجب على الأطراف الإلتجاء إليه لحل هذه المنازعات بحيث لا تكون لهم حرية استبعاد اختصاص التحكيم .
والأصل أن يكون التحكيم إختيارياً ، اللهم إلا إذ نص القانون على وجوب الإلتجاء إليه في بعض الأحوال ، ففي هذه الأحوال يكون إجبارياً .
إذن يكون التحكيم إختيارياً إذا كان الإلتجاء إليه بإرادة الأطراف وهذا هو التحكيم بالمعنى الصحيح ، لأن أساس التحكيم هو إرادة الأطراف .
وفي مصر أستقر قضاء المحكمة الدستورية العليا على عدم دستورية النص التشريعي الذي يفرض التحكيم إجباراً على الخصوم فحكمت بأنه ” لايجوز بحال من الأحوال أن يكون التحكيم إجبارياً يذعن إليه أحد الطرفين انفاداً لقاعدة قانونية آمره لا يجوز الاتفاق على خلافها ، ذلك أن التحكيم مصدره الإتفاق …. “
” إذ أن المقرر أن التحكيم لا ينزع من القضاء ولايته في الفصل في كافة المنازعات إبتداء إلا إذا كان متولداً عن الارادة الحرة لاطرافه “.
ويعتبر التحكيم الإجباري غير دستوري سواء إجبر الأطراف على اللجوء إلى التحكيم الذي ينظمه قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 إذ أن اتفاق التحكيم لا يكون إلا بإرادة الطرفين .
ثالثاً: التحكيم العادي والتحكيم مع التفويض بالصلح :
التحكيم قد يكون عادياً ويسمى بالتحكيم المطلق أو الطليق ، والفارق بين النوعين يمكن سلطة المحكم ، ففي التحكيم العادي يجب على المحكم أن يطبق قواعد القانون الموضوعي، أما في التحكيم مع التفويض بالصلح لا يلتزم المحكم بقواعد القانون الموضوعي، ولكن يتقيد المحكم سواء في التحكيم العادي أو في التحكيم مع التفويض بالصلح بإجراءات المرافعات المنصوص عليها في باب التحكيم ، ولا يتقيد المحكم بإجراءات المرافعات الأخرى ، أياً كان نوع التحكيم ، ألا أنهم يتقيدون ويلتزمون بتطبيق القواعد القانونية المنظمة للتحكيم ، وبالمبادئ الأساسية من إبداء طلباتهم ودفوعهم ودفاعهم .
رابعاً : التحكيم الدائم والتحكيم المؤقت :
أحياناً يقيد التحكيم في شرطه على أن يكون مقبولاً في مهلة زمنية محددة تبدأ من تاريخ نفاذ العقد مثلاً أو تاريخ نشؤ النزاع ، وعندئذ لا يقبل التحكيم ألا في خلال هذه المهلة ، وهذا هو التحكيم المؤقت ، أما حيث لا يتقيد التحكيم في شرطه على أن يكون مقبولا ً في مهلة زمنية محددة فأنه يسمى بالتحكيم الدائم .
خامساً: التحكيم المؤسسي والتحكيم الحر أو التحكيم بنزاع معين :
ومعيار تصنيف التحكيم إلى تحكيم مؤسسي وتحكيم حر ، هو الهيئة التي تتولى التحكيم والقواعد والاجراءات المتبعة ، فالتحكيم المؤسسي هو الذي تتولى القيام به هيئات منظمة داخل الدولة أى وطنية أو خارج الدولة أي دولية ، طبقاً لقواعد وإجراءات محددة وموضوعة سلفاً ، منصوص عليها في القوانين أو وطنية أو خارج الدولة أي دولة ، طبقاً لقواعد إجراءات محددة أو موضوعة سلفاً ، منصوص عليها في القوانين أو القرارات أو الاتفاقيات الدولية المنشئة لهذه الهيئات التي تتولى التحكيم .
بينما التحكيم الحر أو الذي يعرف بالتحكيم بنزاع معين ADHOC فانه التحكيم الذي يتم بمعرفة محكم أو محكمين يختارهم الخصوم ، إذ في هذا النوع من التحكيم لا يلجأ فيه الخصوم إلى هيئة تحكيم دائمة منظمة سلفاً وتفصل فيما يعرض عليه وفق قواعد وإجراءات تحددها لائحتها ، وانما يلجأ الخصوم إلى إختيار محكم أو أكثربمعرفتهم هم ، ثم يتولى هؤلاء المحكمون الفصل في النزاع المعروض عليهم وفقاً لما حدده لهم الخصوم من قواعد أو وفقاً للقواعد العامة في التحكيم .
وقد انتشر التحكيم المؤسسي في مجال التجارة الدولية ، بعد ذيوع التحكيم في مجال المنازعات الدولية ، وانشئت هيئات منظمة دولية أو إقليمية أو وطنية لتتولى التحكيم طبقاً لقواعد وإجراءات محددة سلفاً ، ، ومن أمثلة مراكز وهيئات التحكيم الدولية محكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية بباريس وجمعية التحكيم الأمريكية ومحكمة التحكيم الأوربية والمركز الاقليمي للتحكيم بالقاهرة ومركز التحكيم لدول مجلس التعاون الخليجي.
سادساً : التحكيم الكلي والتحكيم الجزئي :
ومعيار تقسيم التحكيم إلى كلى وجزئي يتمثل في المنازعات الخاضعة للتحكيم، فقد يتفق الخصوم في شرط التحكيم على أن يكون التحكيم كلياً أي شاملاً لجميع المنازعات المتعلقة بتنفيذ العقد ، سواء أكانت ذات طابع قانوني أم ذات طابع فني أم ذات طابع اقتصادي أو مالي ، كما قد يتفق الخصوم على تحكيم جزئي يشتمل على بعض أنواع من المنازعات سالفة الذكر ، كالمنازعات القانونية أو ذات الطابع الفني وينبغي مراعاة الدقة والحيطة والحذر عند التحقيق من تطابق إرادة الخصوم في شأن المنازعات الخاضعة للتحكيم ، ومن ثم معرفة ما إذا كان التحكيم كلياً أو جزئياً .
سابعاً : التحكيم المدني والتحكيم التجاري والتحكيم الإداري :
وهناك تسميـــات تطلــق على التحكيم وفقـــــاً لطبيعـــة المنــازعة تجـاريـاً سمى التحكيم تجـاريـاً، وإذا كـــان موضوعها ادارياً سمى التحكيم إدارياً، وهكذا، وهذه التسميات لا أهمية لها سوى من حيث تحديد القانون الموضوعي الواجب التطبيق إذا لم يعف المحكم من الالتزام بهذا القانون، إذا كان المحكم مفوضاً بالصلح ، فإذا كان التحكيم تجارياً فإن القانون الموضوعي الذي يطبقه المحكم هو القانون التجاري وإذا كان مدنياً فإن القانون الموضوعي هو القانون المدني ، وإذا كان إدارياً فالقانون الموضوعي هو القانون الإداري.
كان هذا ملخصاً لعرض انواع التحكيم .