لقب المَعَلِّم

كتبه د: محمد عبد الباسط عيد

مع التغيرات الاجتماعية وسيطرة القيم الاستهلاكية، وتراجع مستوى الحرف اليدوية فقدت كلمة (المعلِم) قيمتها، بعد أن غادر الصبيان معلهم إلى عالم التوكتوك، والكسب السريع…!!

حتى وقت قريب كانت لدينا مؤسسة اسمها (المعلم)ـ تحظى بقيمة عظيمة في عصر ما قبل الهمبكة، حيث يتشرب الصبية أسرار الصناعة، ويطورون فيها، ويدينون بقيم محددة، تجعل للإنتاج معنى أكبر من فكرة البيع والشراء.. وهذه القيم يسقيهم إياها (المعلم)، ويدين الصبيان بالولاء له، ويحفظون له قيمته ومكانته حتى آخر العمر.

كانت قيمة المعلم معتبرة اجتماعيا أيضًا، ولعلك تذكر عبارة (كلام معلمين) بما يعني أنه كلام موثّق، ولا يمكن التراجع عنه بمجرد تلفظ أحد (المعلمين) به… لقد سقطت هذه المؤسسة، وفقد (المعلم) اعتباره، فقد هذا اللقب المهم قيمته أو دلالته الإيجابية، ومع الوقت احتكره المتعطلون، وأصبح مرادفًا – تقريبًا – لكلمة بلطجي..!!

ومع التحولات الدينية، وغلبة التدين الطقسي، وسهولة الذهاب إلى بيت الله الحرام، مال المعلمون السابقون إلى لقب (الحاج)، ولو وضعت رجلك اليوم في ورشة نجارة أو ورشة تصليح السيارات.. سوف تجد (الصبيان) ينادون معلمهم بالحاج.. الحاج راح والحاج جاء..!!

وماذا تعني كلمة الحاج؟

تعني أنه من ذهب إلى بيت الله الحرام حاجًا، وكانت لفترة طويلة غير متداولة في الحياة اليومية المصرية، ولا تقال إلا لمن ذهب إلى بيت الله الحرام بالفعل، كما أنها لا تقال إلا في سياقات عائلية ضيقة… ولو ادعاها أحد الناس دون أن يذهب إلى بيت الله لغدا موضوعا لسخرية الساخرين..!!

ولو ذهبت – سعادتك – اليوم إلى مصلحة حكومية الآن لوجدت أحدهم يرشدك أن تذهب إلى الحاجة فلانة، فتذهب إلى مكتبها، لتجد مكانا فخيما تجلس عليه مهندسة متوسطة العمر، ولكن الجميع يناديها بالحاجة…وهي تتلقى ذلك بنوع من الفخر أو بالصمت والرضا..!!

لقد تطور الأمر إلى حالة من الابتذال، حتى لتجد فتى في الشارع يناديك – على سبيل التدليل حين يشاهد شعرك الأبيض – يا حاج، يا حجيج، يا حجنا ..!!

الألقاب والتأمل فيها يعكس حالة اضطراب اجتماعي، أو قل: حالة من الفوضى وتراجع القيم الإيجابية وهيمنة قيم الهمبكة والغصب والادعاء….!

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x
Scroll to Top
انتقل إلى أعلى