الدولار في لبنان….الى اين

بقلم المستشار الدكتور نبيل بو غنطوس
خبير سياسي واقتصادي لبناني

حكاية لبنان، حكاية بلد اقتصاده منهار، لامس الحضيض، وودائع المواطنين فيه محجورة لدى المصارف، لا بل قل تبخرت او هي على طريق التبخر، بعدما غرر بالمصارف الخاصة والاهلية لتوظف القسم الاكبر من الودائع لديها في المصرف المركزي لقاء فوائد مرتفعة، اكانت تلك الودائع بالليرة اللبنانية او بالدولار الاميركي. والاخير قام بدوره باقراضها للدولة اللبنانية اوسدد بواسطتها مصاريف وديون سلطة مهترئة ينخرها الفساد، اولى المعالم فيها الهدر في كل قطاعاتها، حيث لا رقابة ولا محاسبة عمومية ولا قطع حساب، ولا … ومن ابرز موبقات هذا البنيان، المسمى بالدولة، وعلى سبيل المثال، التخمة في عدد شاغلي الوظائف العامة على انواعها وفئاتها وبكل مستوياتها، وسط غياب مريب لتحديد العدد الحقيقي لموظفي القطاع العام بكل اسلاكه، عدا القطاعات الامنية والعسكرية المضبوطة الى حد كبير.

هدر كبير، لا بل نزف لا حدود له، وسلطة لا تبغي ان تضع حدا له، تبذير على مشاريع وهمية، على مدار سنين، جمعيات ومؤسسات واندية يشوب عملها الضبابية، يصرف عليها ولا تقوم باي عمل، مجالس وهيئات موزعة على الاحزاب والطوائف والمناطق، يستفيد منها زعماء وبعض ازلام.

من هم على رأس الهرم المالي والنقدي في البلاد، افادوا بعضهم البعض في مكان، وسرقوا بعضهم البعض في امكنة اخرى، توافقوا على هندسات مالية، امنت لهذه السلطة ولهم الاستمرار على مدى سنين طوال، وعلى حساب مالية الدولة والوطن وجنى عمر المواطن، ولا من حسيب ولا من رقيب.

هندسات مالية، اشبه بالسرقات الموصوفة، تعرفات متنوعة لسعر صرف الدولار الاميركي، تفتقت من عقول، اين منها عقول امناء بيت المال، ايام هارون الرشيد، اذ لم يشهد لها مثيل، في اي اقتصاد منهار، في اي دولة في العالم، لا في التاريخ الحديث او المعاصر.

هندسة مالية تفرض اربعة او خمسة تسعيرات للدولار، بينها السعر الرسمي بحسب المصرف المركزي اي1515 ل ل للدولار الواحد، وسعر خاص بالمصارف، بحدود 3850 ل ل، تسدد على اساسه الحوالات المصرفية الآتية من الخارج وتمنع على اصحابها قبضها بالدولار الاميركي، اي انها تسدد لهم الحوالات بالليرة اللبنانية وتحتفظ لنفسها بالدولارات، لتعود وتبيع جزء منها الى المصرف المركزي بسعر اعلى، او الى بعض الصرافين غير الشرعيين لبيعها بالسوق السوداء. او يتصرف بها بعض اصحاب المصارف بحسب اهوائهم وقد بعيدون تهريبها الى الخارج لحساب شخصيات لا تطالها المساءلة. اما الصرافون الشرعيون من الفئة “أ”، والذين يفترض بهم الالتزام بالتسعيرة التي حددها لهم المركزي، بعضهم يخضع للقانون، وبعضهم الأخر يلتزم جزئيا، بمعنى انهم يشترون الدولار من المواطنين بالسعر المحدد من المركزي، لكنهم يحجرون على القسم الاكبر مما يصل الى متناولهم في انتظار ارتفاع اسعار الصرف مجددا، او يحاولون تمرير كميات من هذه الدولارات بدورهم الى الصرافين الغير شرعيين ويتقاسمون سوية الارباح.

نأتي اخيرا الى السوق الموازية، وهي التسمية التجميلية، التي تطلق على السوق السوداء للدولار، والتي ابطالها، اقطاب الصيارفة وبعض اصحاب المصارف وكبراء الموظفين فيها وشركات تحويل الاموال وشحنها، ومن دون ان ننسى، قسما كبيرا من المواطنين، ممن يقدرون على التصرف في الخفاء، ببضعة آلاف من الدولارات من اموالهم الخاصة، والتي نجت من الحجر المصرفي، فيسهمون بتحريك العرض والطلب في السوق السوداء، محققين ارباحا شبه بومية احيانا، ويسهمون من حيث لا يدرون بتدمير الاقتصاد الوطني والاستقرار المالي والنقدي، يرفدهم في جشعهم، اطماع الكثيرين من التجار، الذين يتحججون بتقلب سعر الدولار، فيعمدون الى رفع الاسعار ساعة بعد ساعة، وليس غريبا عندها، ان يصل سعر الدولار في السوق السوداء الى اكثر من 10000 ل ل بارتفاع الفي ليرة في غضون 48 ساعة نهاية الاسبوع الماضي.

لا شك ان سعر صرف العملة المحلية المثبّت من قبل المصرف المركزي، ومحدودية الاحتياطات بالعملات الأجنبية لديه وارتفاع معدل تضخّم الأسعار، واستمرار القيود المفروضة على حركة دخول وخروج العملات الأجنببية، وفقدان غالبية اللبنانيين الثقة بقيمة العملة الوطنية، كما فقدانهم الثقة بالقيمين على امور البلاد النقدية والمالية، وانعدام الاستثمارات القادمة من الخارج، وتوقف تحاويل المغتربين الى ذويهم في لبنان او انخفاض معدلاتها، ستضع العملة الوطنية في الاسابيع المقبلة في مهب الريح، وبالتالي في عين العاصفة، مع سؤال يطرح نفسه بالحاح: لما لم تتمكن الاجهزة الامنية والاستعلامية في لبنان، من ضبط حركة السوق السوداء، وهي التي عرف عنها، الحرفية والمهنية العالية في اداء مهامها، بحيث تمكنت من حماية لبنان من الكثير من المؤامرات التخريبية، وجنبته استباقيا الوقوع في المحظور، رغم الاحوال المتفجرة في المنطقة من حوله.
من يا ترى ينقذ لبنان، من المحظور المالي والنقدي في الاسابيع المقبلة.

Scroll to Top
انتقل إلى أعلى