بقلم أ.د/ منى طه عامر استاذ القانون المدني والتحكيم التجاري الدولي والمحامية بالنقض
بعد ان تناولنا فى الحلقات السابقة فكرة عامة عن التحكيم وتعريفه وانواعه والفرق بين شخص المحكم وبعض اشخاص المهن الآخرى المشابه وأصبح من الضرورى الآن أن نتعرض لاتفاق التحكيم ذاته وهذا هو مربط الفرس واهم بداية لاتفاق اطراف العلاقة التعاقدية ، وبعد أن يقررا طرفا التعاقد اللجؤ الى التحكيم حالة نشوء نزاع بينهما بسبب العقد المبرم بينهما ، لذا لزم عليهما معرفة هذا الاتفاق كيف يكون ، وهذا ما سوف اتناوله معكم فى هذه الحلقة .
حيث أن إتفاق التحكيم يعتبر هو حجر الزاوية فى عملية التحكيم دون القضاء لتسوية كل او بعض المنازعات التى نشأت او يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية .
وقد يأتى الإتفاق على التحكيم كشرط فى عقود الافراد عندما تتجه إرادتهم الى إختيار التحكيم كوسيلة لتسوية المنازعات والخلافات الناشئة عن هذه العقود .ويجوز أن يكون إتفاق التحكيم سابقاً على قيام النزاع سواء قام مستقلاً بذاته أو ورد فى عقد معين بشأن كل أو بعض المنازعات التى قد تنشأ بين الطرفين وفى هذه الحالة يجب أن يحدد موضوع النزاع فى بيان الدعوى المشار اليها ، كما يجوز أن يتم أن إتفاق التحكيم بعد قيام النزاع ولو كانت قد اقيمت فى شأنه دعوى امام جهة قضائية وفى هذه الحالة يجب أن يحدد الإتفاق المسائل التى يشملها التحكيم وإلا كان الإتفاق باطلاً.
ولكي يكون اتفاق التحكيم صحيحاً يتعين أن تتوافر فيه شروط موضوعية لازمة لأنعقاده تتمثل هذه الشروط ، في ضرورة توافر التراضي الصحيح وأن يرد هذا التراضي على محل ممكن ومشروع ، وأن يستند إلى سبب مشروع ، ومؤدى ذلك أن التحكيم الذي يجري في مصر ، قد يكون ثمرة إتفاق لا يخضع للقانون المصري والعكس.
والتراضي يعني تطابق إرادتين واتجاههما إلى ترتيب آثار قانونية تبعاً لمضمون ما اتفقا عليه .
فلابد من إيجاب وقبول يتلاقيان على إختيار التحكيم اختياراً حراً كوسيلة لحسم المنازعات التي تثور بشأن العلاقة الأصلية وإذا تعلق الأمر بشرط تحكيم كأحد شروط العقد ، أما إذا تعلق الأمر بمشارطة ، فسيكون التحكيم هو محل هذا الإتفاق ، وليس مجرد بند أو شرط في العقد أو العلاقة القانونية الأصلية .
كما يلزم أن تتوافر الأهلية لدى الأطراف ، وهي أهلية التصرف ولذلك نصت المادة (11) من قانون التحكيم المصري على أنه ” لا يجوز الإتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه ……” .
أما إذا تعلق الأمر بأهلية غير المصريين ، فالعبرة بقانون جنسية الاطراف. وكما يصح للأشخاص الطبيعين الإتفاق على التحكيم ، كذلك يصح للأشخاص الاعتبارية كالشركات مدنية أو تجارية عامة أو خاصة أو الهيئات أو المؤسسات العامة .
ويتعين التحقق من إكتساب وإستيفاء الشروط التي يستلزمها القانون للإقرار بالشخصية الاعتبارية . فيلزم مثلا بالنسبة للشركات التجارية كالتضامن والتوصية البسيطة إستيفاء إجراءات الشهر المنصوص عليها في قانون التجارة ، أما شركات المساهمة
والتوصية بالأسهم وذات المسئولية المحدودة ، فيلزم قيدها في السجل التجاري .
وتخضع الأشخاص الاعتبارية الأجنبية لقانون البلد التي يوجد فيها المركز الرئيسي، مع إمكان سريان القانون المصري عليها إذا باشرت نشاطها الرئيسي في مصر.
وأرى أن إتفاق التحكيم – شرطاً أو مشارطة قد يخضع لقانون مختلف عن القانون الذي يحكم الإتفاق الأصلي ، ولذا يكون المرجع في توفر التراضي وصحته وخلوه من العيوب كالغلط والتدليس أو الإكراه للقانون الذي يخضع له إتفاق التحكيم .
ولابد هنا من الاشارة الى إتفاق التحكيم الصحيح والذى لا يشوبه البطلان أن تكون إرادة الاطراف قد صدرت سليمة خالية من عيوب الرضا كالغلط والتدليس والاكراه والاستغلال .
فلابد من تحقق شرط الرضا بكامل الحرية والارادة الصحيحة السليمة الخالية من عيوب الارادة حتى يصح إتفاق التحكيم .
كما يشترط ايضاً قابلية النزاع للتسوية بطريقة التحكيم : (محل التحكيم)
حيث نصت المادة (11) من قانون التحكيم المصري على أنه : ” … لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح ” .
كما نصت المادة (551) من القانون المدني على أنه ” لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام ، ولكن يجوز الصلح على المصالح المالية التي تترتب على الحالة الشخصية أو التي تنشأ عن ارتكاب إحدى الجرائم “.
وترتيباً على ذلك يمتنع الإتفاق على التحكيم في مسائل الأهلية أو صحة بطلأن الزواج أو إثبات النسب أو الإقرار بالبنوة ……….. إلخ ، كما لا يجوز التحكيم في جريمة قتل أو سرقة أو تبديد أو جريمة شيك بدون رصيد …. إلخ ، ويمتد الحظر لكل ما يتعلق أو يمس النظام العام كالتحكيم بشأن علاقة غير مشروعة أو عقد مقامرة ، أو قرض بفوائد ربوية أو بشأن التفاوض والتحكيم بشأن تحديد قيمة الإيجار على نحو مخالف لنصوص القانون ، أو تحكيم بشأن منازعات العمل التي تخضع لنصوص آمرة أو بشأن حقوق الملكية الصناعية كالإتفاق على تحكيم بشأن ترخيص باستغلال براءة إختراع.
أيضاً شرط السبب يعتبر من الشروط الموضوعية الهامة لصحة اتفاق التحكيم حيث أن إتفاق الأطراف على التحكيم يجد سببه في أرادة الأطراف استبعاد طرح النزاع على القضاء وتفويض الأمر للمحكمين ، وهذا السبب مشروع دائماً .
ولا تتصور عدم مشروعيته إلا إذا ثبت أن المقصود بالتحكيم التهرب من أحكام القانون الذي كان يتعين تطبيقه لو طرح النزاع على القضاء ، نظراً لما يتضمنه هذا القانون من قيود أو التزامات يراد التحلل منها ،وهو ما يمثل حالة من حالات الغش نحو القانون فيكون التحكيم وسيلة غير مشروعة يراد بها الاستفادة من حرية الأطراف أو حرية المحكم في تحديد القانون واجب التطبيق .
وتوجد ايضاً شروطاً شكلية لضمان صحة اتفاق التحكيم لابد من مراعاتها:
حيث نصت المادة (12) من قانون التحكيم على وجوب ” أن يكون إتفاق التحكيم مكتوباً ” ، وردود الإتفاق كشرط في العقد الأصلي أو الإتفاق عليه في وثيقة مستقلة ، فإذا كانت هذه الوثيقة تنص على التحكيم فيما قد يثور من منازعات بمناسبة العقد الأصلي لزم أن يتضمن هذا العقد الإشارة إلى هذه الوثيقة ويكون الأمر متعلقاً بشرط تحكيم .
أما المشارطة فهي محرر يتم الإتفاق عليه بعد قيام النزاع ويجب في جميع الأحوال التوقيع على إتفاق التحكيم ، شرطاً كان أو مشارطة ولكن لا يلزم أن يوقع الأطراف توقيعاً خاصاً بجواز شرط التحكيم إذا ورد فى بنداً من بنود العقد الأصلي ، ويكفي التوقيع على العقد ، إذ ينصرف هذا التوقيع إلى كافة بنود العقد .
وتتحقق الكتابة وفقا لنص القانون ، إذا ورد شرط التحكيم في رسائل أو برقيات متبادلة بين الطرفين ، ويمتد ذلك إلى كل وسائل الاتصال المكتوبة ، ولكن يجب تحقق تبادل الإيجاب والقبول بشأن التحكيم ، فإذا أرسل طرف رسالة أو تلكس ، يتضمن عرض الالتجاء للتحكيم في تسوية المنازعات التي قد تثور بمناسبة العقد الذي يجري التفاوض لإبرامه ، فيلزم صدور قبول الطرف الآخر ، واتصال هذا القبول بعلم الطرف الأول ، أما السكوت فقد يعد قبولاً إذا كانت هناك معاملات جارية بين الأطراف وكان التحكيم شرطاً فيها ، أو إذا تعلق الأمر بتجديد عقد يتضمن شرط التحكيم ، أو إبرام عقد جديد يحيل إلى العقد السابق المتضمن لشرط التحكيم.
ويعتبر شرط الكتابة متحققاً ، إذا تم النص في العقد الأصلي على الإحالة الى وثيقة تتضمن شرط تحكيم كالإحالة الي عقد نموذجي في مجال النقل البحري أو بيع البضائع أو عقد تشييد.
ولكن يلزم أن تتضمن الإحالة ما يفيد ” إعتبار شرط التحكيم ” الذي تتضمنه هذه الوثيقة جزءاَ من العقد الأصلي ، فالإحالة العامة التي قد يتضح منها عدم دراية أو علم أحد الأطراف بوجود شرط التحكيم ، ينتفي فيها إمكانية القول بوجود إتفاق وتراضي مكتوب على شرط التحكيم.
فلا توجد نصوص تحدد بيانات إلزامية ، إلا بالنسبة لمشارطة التحكيم وفقط بالنسبة لبيان وتحديد ” موضوع النزاع” ، إذ الفرض أن المشارطة هي إتفاق تحكيم لاحق على قيام النزاع ، مما يتحتم معه تحديد دقيق للمسائل المختلف عليها والمراد طرحها على التحكيم .
هذا ما لزم توضيحه بايجاز غير مخل عن الشروط الموضوعية والشكلية اللازم توافرها لضمان صحة اتفاق التحكيم وحتى لا اتفاق التحكيم باطلاً .