الأخبار وتأملات في القرآن (( 4 ))

بقلم الاعلامي ابراهيم الصياد

من أهم العناصر التي تميز الرسالة الاعلامية الناجحة الوضوح وعدم تعقيد المحتوى حتى يصل بيقين الى المتلقي في سلاسة.
ولهذا ننصح كل من يتصدى لمهمة تحرير الأخبار استخدام المفردات الشائعة عند كتابة النص والبعد عن المهجور منها.
ودعونا نأخذ من القرآن الكريم نموذجا للدلالة على الوضوح والحسم في الخطاب ففي سورة الكافرون :
(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) صدق الله العظيم
ما يميز لغة الخطاب هنا الوضوح والوصول المباشر الى الهدف المراد توصيله للمتلقي ونلاحظ ان استخدام تكرار المفردات جاء لتأكيد المعنى والحسم في نهاية السورة بالتفرقة بين المؤمنين والكافرين.

وهكذا نجد ست آيات نتعلم منها كيف يجب ان نصل الى المعنى بأقصر الطرق دون إجهاد فكري ؟
ولهذا كانت قيمة الموضوعية objectivity من أهم القيم التحريرية News Values في الخطاب الاخباري ومن صفاتها استخدام الجمل القصيرة الواضحة والوصول الى الهدف دون مقدمات أو أطناب.


ان الخبر في صيغته الحديثة يجب ان يكون محددا بلا تفاصيل صغيرة تشتت ذهن المتلقي وتجعله لا يركز وينصرف عن المتابعة وهنا تبرز قيمة الموضوعية التي تجعل المتلقي في حالة تركيز عقلي اثناء متابعة الخبر خاصة اذا كان الموضوع يتناول حدثا يتطور بين لحظة واخرى .
ونعود للذكر الحكيم في أول سورة البقرة حيث نجد مثالا للتركيز والوضوح والموضوعية في قوله تعالى بأول سورة البقرة :
(ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) فعدم الانحراف عن المعنى يساهم في دعم تركيز المتلقي
ونلاحظ أيضا ان الاعلام وتحديدا الأخبار هو نوع من النداء يقوم به المنادي أو المذيع دون ان يستخدم في بثه الأخبار اسلوب النداء يا ايها … إلا في مرتين الأولى في بداية النشرة المقدمة وفي نهاية النشرة في الخاتمة بعبارة أيها السادة أو سيداتي وسادتي.
وقد تعلمنا ذلك من القران الكريم حيث نكتشف ان من اكثر الاساليب المستخدمة في الخطاب القرآني اسلوب النداء
بسم الله الرحمن الرحيم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ( البقرة 153)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (لقمان 33)
ونلاحظ ان المُنادى يختلف باختلاف نوعية الرسالة الموجهه من الله سبحانه وتعالى قد يكون الناس أو المؤمنين أو الكافرين ومن هذا التوجيه القرآني تعلمنا التمييز بين نوعيات مختلفة من الأخبار الموجهه أما لجمهور المتلقين أو لفئة معينة يختصها الخطاب الاخباري كما المُنادي يجب أن يكون مؤهلا للقيام بهذه المهمة.

وبناء على ما سبق يمكن القول ان المتلقي هو الذي يحدد لصانع الخبر الطريقة المناسبة التي تتوافق مع الخطاب.

ونضيف ان تصنيف الأخبار بين سياسة واقتصاد ورياضة وفنون واحوال جوية وحوادث وكوارث واخبار خفيفة يساعد على تجهيز مفردات لغة الخطاب داخل غرفة تحرير الأخبار وهي المكان الذي يصنع فيه القرار المتعلق بين ما يذاع او لا يذاع وذلك وفقا لقاعدة ترتيب الاولويات أو حسب الاهمية
بعبارة اخرى الأولوية هي الحالة التي يقدم فيها أمرا على غيره من الأمور إما لسبب عامل الأهمية (أمر مهم) أو بسبب عامل الزمن (أمر عاجل) وهذه المقولة تمثل قاعدة أساسية في مهنية إنتاج الأخبار .
خلاصة القول :
اذا نجح النداء في الوصول الى وجدان المتلقي فانه يتفاعل معه فكريا ويقبل منه كل جديد .
وترسخ المعلومة في الذهن عن اقتناع وهذا ما تعلمناه من النص القرأني كما يتفق معي كل من له كتاب مقدس في ان نصه السماوي اذا تلقاه المؤمن وتفاعل معه عن ادراك ويقين يشكل اطارا لفكره المرجعي عن وعي واقتناع.

نفس الشيء يفعله الاعلام عندما يوجه رسالة للمتلقي فإنه يستهدف الوصول إلى نقاط الإدراك لديه لكي يتفاعل مع الرسالة القادمة فيقبل ما يقتنع به ويرفض ما يتعارض مع اقتناعاته مماسبق نقول إن للقيم المهنية في الإعلام دورا كبيرا في بلورة الفكر الجمعي الذي هو في النهاية الرأي العام !

Scroll to Top
انتقل إلى أعلى