بقلم الاعلامي ابراهيم الصياد
يعتبر غياب اخلاقيات الاعلام واحدا من الامراض التي تصيب العلاقة التفاعلية المفترضة بين صانع الرسالة الاعلامية وجمهور المتلقين حيث لكل مهنة اخلاقياتها التي تكون سياجا حاميا لها لا يجعلها تتدهور ويساعدها على التطور في إلاتجاه السليم .
وقد تعرضنا سابقا لما يسمى الضمير الاعلامي واكدنا انه امر مضمر أو غير مرئي يهدي ولا يضلل ويحافظ على القيم المهنية قبل الاخلاقية بحيث يسيران في مسار واحد . وقد ظهرت الحاجه الملحة لاخلاقيات الاعلام مع انتشار الفضائيات وعدم وجود Gate Keeper أو حارس البوابة الذي قال عنه ربنا سبحانه وتعالى ( النفس اللوامة ) :
وهنا يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله
عجبتُ لأربع يغفلون عن أربع:
1 – عجبتُ لمن ابتُـلى ( بغم ) ، كيف يغفل عن قول :
۞ لا إلهَ إلاّ أنتَ سُبحانكَ إني كنتُ من الظالمين ۞
والله يقول بعدها ؛
۞ فاستجبنا لهُ ونجيناهُ من الغم
2 – عجبتُ لمن ابتُـلى ( بضرّ ) ، كيف يغفل عن قول :
۞ ربي إني مسّنيَ الضرُ وأنتَ أرحمُ الراحمين ۞
والله يقول بعدها ؛
۞ فا ستجبنا له وكشفنا ما به من ضر ۞
3 -عجبتُ لمن ابتُـلى ( بخوفٍ ) ، كيف يغفل عن قول :
۞ حسبي الله ونعم الوكيل ۞
والله يقول بعدها ؛
۞ فانقلبوا بنعمةٍ من اللهِ وفضلٍ لم يمسسهم سوء ۞
4 – عجبتُ لمن ابتُـلى ( بمكرِ الناس ) ، كيف يغفل عن قول :
۞ وأفوضُ أمري إلى اللهِ ان اللهُ بصيرٌ بالعباد ۞
والله يقول بعدها ؛
۞ فوقاهُ اللهُ سيئاتِ ما مكروا ۞
هذه الجدلية بين العبد وربه هي التي خلقت ( النفس اللوامة ) وجعلها الله قسما :
«ولا أقسم بالنفس اللوامة» القيامة آية 2
النفس اللوامة التي تلوم عند التقصير وتحاسب عند الإخلال بالتكاليف أو عند الوقوع في الأخطاء ، وهي من أفضل الأنفس عند الله لأنها تعمل كرقيب على الإنسان حتى لا يقع في المعاصي وتلوم صاحبها وتشعره بالذنب عندما يخرج عن دائرة الصواب إلى دائرة الانحراف وتعتبر بمثابة الناهي عن الخطأ والمرشد إلى الصواب، وتعتبر النفس اللوامة درجة وسطى بين النفس المطمئنة والنفس الأمارة بالسوء والرقي من النفس الأمارة بالسوء إلى النفس اللوامة يحتاج إلى الاعتراف بالذنب والعودة إلى الله والتوبة النصوح،
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ
سورة النازعات آية (40) .
اذن نحن أمام ميثاق شرف اخلاقي داخلي يلزم من يمتهن مهنة الاعلام على الالتزام به قبل ان يلتزم بميثاق شرف الجهة أو المؤسسة التي يعمل بها ونلاحظ ان كثيرا من إلاعلاميين ليس لديهم هذا أو ذاك انما تسير الامور بالنسبة لهم بشكل عشوائي وتلك الحالة كما اسلفنا خلقها غياب اخلاقيات الاعلام نتيجة ازدحام المشهد بالعديد من الدكاكين الفضائية على كل شكل ولون وبلا ضابط أو رابط .
واتصور ان هذه هي الحالة المأساوية التي قد تقع فيها أي وسيلة اعلامية حيث فتحت المجال لكل من لا مهنة له واجتذبت اضواء العمل الاعلامي كثيرين ممن لا علاقة لهم بالاعلام سوى الرغبة في حب الظهور وبات بيع الهواء لمن يدفع بغض النظر عن الاداء والمحتوى ظاهرة توجه ضربات للاعلام في مقتل .
كان الظهور على شاشة التليفزيون في الماضي محكوما بآليات وتقاليد
لا يُسمح بتجاوزها ويلعب التأهيل والتدريب دورا مهما في تجهيز الشخص الذي لدية مهارات العمل الاعلامي بالتطوير والمتابعة المستمرين .
ولهذا كنا نقول دائما ان العمل في اعلام الدولة يتطلب شروطا ولكن عندما أصبحت الفضائيات الخاصة في كل اركان الفضاء وسمحت لمن لامهنة له بالظهور دون رقيب أو حسيب أثر ذلك بشكل أو باخر على دولاب العمل في اذاعة وتليفزيون الدولة فاصبحنا نرى ونسمع نماذج تشذ عن القواعد والتقاليد وابسط مثال ضرب اللغة العربية بعرض الحائط حيث اقتحم المشهد الاداء المعوج والصورة غير المقبولة وباتت تعلق اصوات على المواد الاعلامية والاعلانية مصابة بالحروف المُدمرة والتي لا تفرق لا تفرق بين المفخم والمرقق ولا تهتم بالحروف اللسانية فتخلط بين الذال والزين والسين والثاء واصبح طبيعيا مشاهدة الالدغ بجعل الراء غين والذي يقول الراء ياء .. ان ماساة اللغة في الاعلام كبيرة وتحتاج وقفة وقرارات حاسمة لا تبالي الواسطة أو المحسوبية .
وعليه لا يمكن الفصل بين الالتزام المهني والالتزام الاخلاقي في الاعلام فكلاهما يقود الى Prototype أو النموذج المطلوب للارتقاء بمهنة الاعلام وفي اعتقادي انه جزء لا يتجزأ من مفهومنا للعلاقة بين العمل الاعلامي والخطاب القرآني اي الاستشهاد بالايات القرآنية التي تساعد على الانتقال من حال الى حال أفضل وفي هذا المعنى يقول الله سبحانه وتعالى :
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)
سورة العلق
اذن العلم والتعلم ضرورة للتطور ولذا اقترن الاعلام بالتعليم شكلا ومضمونا !