جذور الانحراف: سيكولوجيا الشباب (3)

جذور الانحراف: سيكولوجيا الشباب (3)

  • من أهمِّ خصائص النمو وسِمات الشخصيَّة للشابِّ المراهق: الجوانبُ الانفعالية والاجتماعية التي تعتبر الأظهر تفاعلًا لدى المتربي، والأبرز دراسة واهتمامًا لدى المختص والمربي.
  • أبرز مظاهر النمو الانفعالي: الخجلُ والحياء، الخوف والرُّعب، التوتُّر والقلق، الاضطراب وعدم الاستقرار، سوء الخلق وحِدَّة الطبع، الحساسية والعاطفة المفرطة، الشكوك والظنون السيِّئة، الصُّراخُ ورفع الصوت، الحزن والبكاء، التنمُّر والتعدي.
  • في البداية لا بد أن نضع في الاعتبار نتائج بحوث علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا، التي أكَّدَت أن أزمة المراهقة “تختلف في شكلها ومضمونها وحدَّتها من مجتمع إلى مجتمع، ومن حضارة إلى حضارة، وأن المراهق أو الشاب يعكس في أزمته – في المحل الأول – ظروفًا اجتماعيَّة وحضارية معينة، لا ظروفًا بيولوجية ونفسية، فالأزمة لا تكون استجابة لتغيُّرات داخل الفرد نفسه؛ وإنَّما نتيجة لاستجابة البيئة – أي: الأسرة والمجتمع والحضارة – التي يعيش فيها للتغيرات التي تطرأ عليه”.
  • صنَّف رائدُ بحوث المراهقة “صموئيل مغاريوس” أشكالَ المراهقة إلى أربعة أنواع، هي: المراهقة التكيفيَّة، والمراهقة الانسحابية المنطوية، والمراهقة العدوانيَّة المتمردة، والمراهقة المنحرفة.
  • انفعالات المراهق تكون في هذه المرحلة حادَّةً، والتعبير عنها لا يَخضع للتحكُّم، وبالرغم من ظهور بعض أعراض سوء التوافق نتيجة لهذا، فإنَّنا عادة ما نلاحظ تحسُّنًا في السلوك الانفعالي عامًا بعد عام، ومرة أخرى نجد أن النموَّ الانفعالي يتَّجه تدريجيًّا نحو الاستقرار مع الاقتراب من مرحلة الرشد، شأنه في ذلك شأن النمو العقلي والجسمي.
  • الأنماط الانفعاليَّة لدى المراهق، تشبه إلى حدٍّ كبير ما لدى الطفل، ولكنها تختلف عنها في نوع المثيرات والبواعِث، وفي صور التعبير عنها؛ فالغضب يُستثار في المراهقة المبكرة نتيجة النَّقد أو السُّخرية، أو حين يَشعر المراهق أن أصدقاءه يُعامَلون معاملةً غير ملائمة من الوالدين أو المعلمين، أو حين يُحرم من بعض الامتيازات التي يعتبرها من حقوقه، أو حين يُعامل “كطفل”، كما يَشعر بالغضَب حين لا تستقيم في نظره الأمور، أو حين يعجز عن إتمام ما أعدَّ نفسه لإنجازه، أو حين يقاطع أثناء الانشغال بعمل، أو حين يقتحم الآخرون عالمَه الخاص، أو يتم التعدِّي على ممتلكاته الشخصية.
  • يشعر المراهق بكثير من مشاعر الإحباط حين يُعاق عن إشباع حاجاته، وخاصَّة حاجته إلى الاستقلال، كما توجد مصادر تُثير لديه التوتُّر، بعضها يَنشأ عن سلوك الآخرين إزاءه، وخاصَّة “الوالدين والمعلمين وغيرهم من ممثِّلي السلطة الاجتماعية”، وبعضها من الأشياء التي توجد في بيئته ولا يحبُّها، وبعضها الثالث من سلوكه هو، وقد يَستخدم المراهق في هذه المرحلة الاستجابات الصَّريحة للتعبير عن العدوان؛ “كالعنف البدني عند الذكور، والصراخ والبكاء عند الإناث”.
  • يمثِّل الواجب والتكليف المدرسي وما يرتبط به من امتحاناتٍ مصدرَ كثيرٍ من القلق لدى المراهق، ومن المصادر المثيرة لقلَق المراهق: مَظهرُه، ونَقص التفاهم مع والديه، والعلاقة بين الجنسين، وصعوبة تَكوين صداقات، ونقصُ وسائل التَّرفيه الملائمة، والاختيار التعليمي والمهني، والمسائل الدينيَّة والصحيَّة، والملابسُ والنُّقود، وبعض المشكلات الشخصية؛ مثل نقص التحكُّم الانفعالي.
  • في الجانب الاجتماعي يمكن القول بأنَّ من أهمِّ مطالب النمو في مرحلة المراهقة تَحقيقَ التكيُّف الاجتماعي والتوافق الإنساني مع الأسرة والمدرسة، والحي والمجتمع، والأقارب والأصدقاء.
  • أكثر صور التوافق الجديد أهميَّةً لدى المراهق وأكثرها صعوبة في نفس الوقت: ما يجب عليه أن يفعله إزاء التأثير المتزايد لجماعة الأقران، بالإضافة إلى الجماعات الاجتماعيَّة الجديدة وأنماطِ السلوك الاجتماعي الجديد التي لم تكن شائعةً في المراحل السابقة.
  • مع بداية مرحلة المراهقة يزداد بُعد الفرد عن الأبوين والمنزل إلى حدٍّ كبير، ومعظم الوقت الذي يَقضيه خارج المنزل يكونُ مع جماعة الأقران؛ وهذا يعني بالضرورة أنَّ هذه الجماعة لها أثَر بالِغ في اتجاهات المراهِق وميولِه وقِيَمِه وسلوكه قد يفوق أثَر الأسرة.
  • يزداد أثر جماعة الأقران حدَّة مع زيادة رغبة المراهق في النَّمط السلوكي الذي تحدِّده الجماعة؛ فيفضل ألا يخالِف آراء المجموعة، ويلتزم بمعيار الرفقة إلى حدِّ الوقوع في بعض الأمور المعيبة والضارَّة؛ كالتدخين والمخدرات، والمعاكسات والتفحيط.
  • من أخطر مصادر المشكلات للمراهِق تفضيله لمعايير جماعة الأقران التي قد تتعارَض مع معايير الكبار “وخاصَّة الوالدين”، وفي هذه الحالة يَعيش المراهقُ في عالمٍ يحكمه معياران: أحدهما يقوم على توقُّعات الكبار منه، والآخر يَعتمد على توقُّعات جماعة الأقران، وينشأ لدى المراهق الذي يحبُّ والديه، والذي يريد في نفس الوقت أن يكون مقبولًا من جماعة الأقران – مشكلةُ اتِّخاذ قرار مناسب حول أحد المعيارين، وهو عادة ما يختار معيارَ جماعة الأقران بسبب الاتجاه الخارجي للنموِّ في هذه المرحلة، وهذا التعامل مع المعايير المتضادَّة قد يخلق لدى المراهق مشكلات عامَّة، وخاصَّة لدى الذكور.
  • من أنواع التجمعات الاجتماعية في مرحلة المراهقة المبكرة: ما تسميه هيرلوك “Hurlock” الرفقة الحميمة، والثلة clique، والجمهرة corwd، والجماعة المنظَّمة، ثمَّ العصابة، وتتألَّف جماعة الرفقة الحميمة من أفضل الأصدقاء؛ فمع البلوغ يَختار الفتى صديقًا وثيق الصِّلة به، يكون موضع سرِّه، وكذلك تفعل الفتاة، هذا الرفيق يُشبع لدى المراهق الكثيرَ من حاجاته الاجتماعية؛ فنجده يَقضي معه وقتًا أطول ممَّا يقضيه مع الأصدقاء الآخرين، وعادة ما يكون الرَّفيق من نفس الجنس لديه نفس الميول والقدرات، والعلاقة بينهما تكون وثيقةً إلى الحدِّ الذي يسيطر على مشاعره، ويوجه سلوكه، ويؤثِّر في حياته.
  • تنشأ في مرحلة المراهقة ميولٌ جديدة نتيجة للتغيُّرات الجسمية والاجتماعية، وما يميل إليه المراهق يتوقَّف على جنسه وذكائه والبيئةِ التي يعيش فيها، وفرَص التعليم المتاحَة له، وما يهتمُّ به أقرانه، وقدراته وميوله، وأسرته، وغير ذلك من العوامل الكثيرة.

يمكن تصنيف ميول المراهقين إلى ثلاثة أنواع على النَّحو الذي تقترحه هيرلوك “Hurlock”، وهي:

  1. الميول الاجتماعية: وهي التي تتعلَّق بالمواقف الاجتماعية؛ فيميل المراهق بإخلاص شديد إلى الآخرين، وخاصَّة أولئك الذين يَشعر أنَّهم في حاجة إلى الرِّعاية والتطوُّع والمساعدة، ويتمثَّل هذا الميل في مشاركته النَّشطة في النشاط الاجتماعي المدرسي، وفي مشروعات خدمة البيئة، كما تظهر على المراهق ميولٌ سياسية، سواء كانت تتعلَّق بالسياسة الداخليَّة أو بالسياسة الدولية، وتتمثَّل هذه الميول في كتاباته وقراءته ومتابعاته وفي نشاطه العملي، وقد يَقوى هذا الميل عنده فيَظهر في شكل جهدٍ واضح لإصلاح وتَغيير واقع الأسرة والأصدقاء والمدرسةِ والمجتمع.
  2. الميول الشخصية: يعود الاهتمام بالميول الشخصية إلى مَعرفة المراهق أن كلًّا من التقبُّل الاجتماعي وتحقيق الذَّات يتأثَّر بالمظهر العام للفرد، ويرجِع إلى هذا السبب معظم السلوك الذي يَصدر عن المراهقين ويبدو لنا غريبًا، وخاصَّة عند محاولتهم ارتداء أزياء غير مألوفة، وتقليعات الشَّعر بطرق غير عاديَّة، وتكوين اتجاهات وعادات غريبة، وبزيادة الاهتمام بالجِنس الآخر تَظهر على المراهق ميول واهتمامات بمظهره ومَلبسه وزينته، وخاصَّة لدى البنات، كما يظهر عند المراهق مَيلٌ ورغبة في الاستقلال، ويتمثَّل ذلك في مقاومة سلطة الكبار، سواء أكانوا آباء أم معلِّمين، ويؤدِّي ذلك إلى كثير من الصِّراعات والمشكلات معهم، كما تظهر على المراهق ميول للتمرُّد، وهي جميعًا أعراض لرغبته في السلوك مستقلًّا عن الكبار، وحتى يحقِّق تلك الرغبة في الاستقلال تكون للنقود أهميَّة خاصَّة، ويتمثَّل ذلك في مقدار ما يأخذ من مصروف، وحريَّته في إنفاقه، وكيفيةِ الحصول على نقود إضافيَّة ليواجه احتياجاته؛ ولذلك قد يعمل بعضُ المراهقين في هذه المرحلة بعضَ الوقت، ويكون هذا الميل لدى الفتيان أقوى منه لدى الفتيات.
  3. الميول الترويحية: فيختار المراهِق أنواعَ النَّشاط التي يمكن أن يستمتع بها، ويفضِّل المراهقُ الأعمالَ الرياضية التي تتطلَّب بذلَ مقدار كبير من الطاقة، وتحتلُّ السباحةُ قائمةَ الهوايات الرياضية لكلٍّ من الجنسين، وتزداد نسبة الفتيات اللاتي يفضِّلن الاستمتاع بالرياضة كمتفرجات، بينما يفضِّل الفتيان القيامَ بدور المشارك، وخاصَّة في كرة القدم.
  4. أمَّا عن ميول القراءة الحرة: فهي أقل في مَرحلة المراهقة المبكرة منها في مرحلة الطفولة، وقد يكون سبَب ذلك ضغوط الواجب المدرسي، وعمومًا فإنَّ الفتيان في هذه السنِّ يفضِّلون القراءةَ حول العلوم والاختراعات، وتفضِّل البنات القصصَ الأدبية، وخاصَّة القصص والروايات الرومانسيَّة، كما يفضِّل المراهقون ذكورًا وإناثًا قراءةَ المجلات بصفةٍ عامة على قراءة الكتب، كما يحبُّون قراءة القصص الفكاهية، سواء كانت في المجلات أو الكتب.

 ويفضِّل المراهقون من بين الأفلام السينمائية الأفلامَ الرومانسية، “وتفضيلها أعلى عند البنات”، وأفلام المغامرات والأكشن “وتفضيلها أعلى عند البنين”، كما يحبُّون الأفلام والمشاهد الكوميدية، ولا يَميلون إلى الأفلام التعليمية من أيِّ نوع كان، وتتعرَّض برامج التليفزيون إلى نَقد المراهقين وسُخريتهم، ويفضِّل الكثيرون أفلامَ الفيديو عليها، ولعلَّ ذلك يرجع إلى أنَّ هذه البرامج لا تكاد تُشبع حاجات هذه الفئة العمرية الحرجة.

  • ومضة: “حركة الوعي أبطأ من حركة الواقع؛ فالأمور والأحوال تتغيَّر من حولنا ونحن نتعامَل معها كما في الماضي، ممَّايُفقدنا الكثير من المكاسب”؛ د. عبدالكريم بكار.
Scroll to Top
انتقل إلى أعلى