جذور الانحراف: سيكولوجيا الشباب (1)

علي بن حسين بن أحمد فقيهي

جذور الانحراف: سيكولوجيا الشباب (1)

يمر الشاب في مرحلة المراهقة بحالة من التغيرات والتحولات الفسيولوجية والسيكولوجية، تُلقي بظلالها على شخصية الشاب وأسلوب تفكيره وطبيعة حياته وأنماط سلوكه.

 أشارت الباحثة النفسية (إليزابيث هيرلوك Hurlock، ١٩٨٠) لأهم المظاهر والآثار لهذه الفترة ومنها:

  1. الرغبة في التفرد والانعزال: فينسحب – في بداية المراهقة – من الجماعة القديمة ويقضي معظم وقته وحده، وإذا كانت له حجرته الخاصة فإنه يغلقها على نفسه، كما يحدث أيضا انعزال مفاجئ وواضح عن نشاط الأسرة.
  2. النفور من العمل والنشاط: وهو نتيجة مُباشرة للنموِّ الجسمي السريع الذي يفوق طاقته، وكلما كانت التغيُّرات مفاجئة عند البلوغ كانت التغيرات في أداء الطفل في المدرسة وفي تحصيله مفاجئة أيضًا، وعادة ما يلام التلميذ على هذا الكسل في المنزل والمدرسة، وقد يؤدِّي ذلك إلى مزيد من النتائج غير السارَّة.
  3. الملل: يَظهر على المُراهق ملل من اللعب بالألعاب التي كان يَستمتِع بها في المراحل السابقة، سواء كانت مع أقران المدرسة أو في الحياة الاجتماعية العامة، ويظهر ذلك في رفضه الاشتراك في هذه الأنشطة، ويَصفها بأنها “طفلية”، وحين لا يقابل سلوكه بالتقبل من الآخرين يظهر عليه اتجاه اللامبالاة، أو الإحساس بالنبذ والرفض.
  4. عدم الاستقرار: تتغيَّر ميول المراهق كما يتغيَّر جسمه، ولذلك نجده يَنتقِل من نشاط لآخر، ولا يشعر بالرضا من أيٍّ مِن هذه الأنشطة، ويُصاحب ذلك مشاعر التوتر والقلق.
  5. الرفض والعناد: تتميَّز اتجاهات المُراهق عند البلوغ بأنها اتجاهات رفض ومعاداة للأسرة والأصدقاء والمجتمع عمومًا، ولذلك كثيرًا ما نجده مهمومًا محزونًا، ولا يَقتصر همُّه على نفسه، بل يمده إلى الغير؛ فيفسد على الآخرين سرورهم بالمخالفة والمعارضة وعدم التعاون ورفض رغباتهم، وفي المنزل يكون غيورًا من إخوته وناقدًا لهم؛ فيسبهم ويتعارَك معهم دون سبب واضح، ويُعاندهم عن قصد، ويُجادل مع أفراد الأسرة “الأم والأب وغيرهما”، لمجرَّد إثارة المتاعب وخاصة لإخوته، ويسلك خارج المنزل بنفس الطريقة تقريبًا مع أصدقائه، وتنشأ بينه وبينهم المعارك لأتفه الأسباب.
  6. مقاومة السلطة: فيحدث في هذه الفترة أكبر مقدار من الصراع والنزاع بين المراهقين ووالديهم “وخاصة الأم” وخاصة عند حوالي سن ١٣سنة، والسبب في كثرة الصراعات مع الأم أنها الأكثر اتصالًا بالمُراهق داخل المنزل منذ طفولته، فإذا كانت الأم أقل تقييدًا وأكثر تسامحًا تقل هذه المنازَعات معها، ويَسعى المراهق إلى مقاوَمة كل ألوان السلطة، وحين يكتشف أن محاولاته تبوء بالفشل يَزداد عنادًا، وقد يلجأ إلى الانسحاب من مثل هذه المواقف التي قد تؤدِّي إلى العقاب بسبب عدم الطاعة، وقد يصدر عنه ما يمكن أن يصنَّف بأنه “سوء سلوك”، ومعظمه من النوع البسيط في البداية ولكنه يتطور مع الوقت.
  7. الانفعالية الشديدة: يؤدِّي التوتُّر والاضطراب الناتجان عن الاتجاهات والميول المتغيِّرة من ناحية، وعن التغيُّرات الجسمية والغُددية من ناحية أخرى، إلى حدة الانفعالات التي تظهر في فترة البلوغ، ويكون المُراهِق شديد الحساسية، ويُفسِّر معظم ما يسمعه من الكبار أو الأقران على أنه موجه إليه؛ مما يَزيد من شعوره بأنه لم يعد محبوبًا من أحد، وأن “العالم كله ضده”.
  8. نقصان الثقة بالنفس: فيَشعُر بأنه أصبح أقل كفاءة من الناحيتين الشخصية والاجتماعية، ويكون “مفهوم الذات” عنده غير مستقر، وقد يقود هذا أحيانًا إلى وقوع بعض المُراهِقين في هذه الفترة في جناح الأحداث؛ فالقيام بالأعمال التي تُوقعه تحت طائلة العقاب من الوالدَين أو المعلمين أو السلطة الجنائية “الشرطة والقضاء” تعدُّ أحيانًا من قبيل تأكيد الذات المفتقدة في هذه الفترة.
  9. الاهتمام بمسائل الجنس: يؤدِّي نمو الأعضاء الجنسية في فترة البلوغ إلى تركيز اهتِمام المُراهِق على مسائل الجنس إلى الحدِّ الذي يَشغل معظم وقته وتفكيره، فيقرأ بعض الكتب على أمل الحصول على بعض المعلومات عن الجنس، ويلجأ إلى بعض المصادر غير الدقيقة؛ مثل الأصدقاء أو الخدم أو الشارع أو الكتب الرخيصة أو أفلام الجنس، وقد يقود ذلك كله المراهق إلى بعض المشكلات الجنسية، وخاصة ممارسة العادة السرية، والعلاقة المثلية، والمعاكسات، والاغتصاب.
  10. أحلام اليقظة: وهي أفضل وسائل قضاء الوقت لدى المُراهِق في سن البلوغ، وعادة ما تدور أحلامه حول “بطل مظلوم مغبون الحق”، والبطل بالطبع هو المُراهق نفسه، وقد يكون الظلم الذي يتخيله من نوع سوء الفهم أو سوء المعاملة التي يلقاها من الأبوين أو المعلمين أو الأصدقاء أو المجتمع، وتكون أحلام اليقظة بهذه الطريقة مصدرًا هامًّا للتعبير عن الانفعالات وإشباع الدوافع، فهو يَستمتِع بدوره في حلم اليقظة مهما اشتدَّت المُعاناة؛ لأنه يعلم أن نهاية الحلم ستكون دائمًا لصالحِه ومهما كانت هذه الأحلام سارةً للمُراهق، فإنها تدعم فيه اعتقادَه بأنه لا أحد يحبه، وبالطبع كلَّما ازداد المراهق اندماجًا في هذه الأحلام يزداد بعدًا عن الواقع، ويَزداد تكيُّفه الاجتماعي سوءًا.
  • هذه المظاهر والآثار تعدُّ الأهم والأبرز في سمات وخصائص الشاب والمُراهق النفسية، التي تمتد لقرابة عقد من الزمان في حياة الشاب من سن (١٢ – ٢١) وهي ليست بلازمة وثابتة بل نسبيَّة ومُحتملة وطبيعية وعفوية ومتغيِّرة ومتحولة.
  • الجهل والإهمال والشدَّة والعنف في التصور والتعامل مع هذه السمات والخصائص تولِّد عند المراهق حالةً من التمرد والتنمُّر والانتقام والعدوان والقلق والاكتئاب والتغرير والتأثر والابتزاز والتأثير.
  • الاهتمام والعناية بمعرفة خصائص النمو وإدراك سمات الشخصية والوعي بطبيعة المرحلة – للصغير والكبير- يسهل على المربي الضبط الذاتي والتعامل الراقي والتحليل المنطقي للأفكار والتصرفات، كما يسهم في مساعدة المتربي على الاستقرار النفسي والتوازن التربويِّ والانسجام الاجتماعي والانتماء الوطني.
Scroll to Top
انتقل إلى أعلى