الجيوش الإلكترونية وتضليل الرأي العام

بقلم : أميرة الحسن

تنويه: هذا المقال وغيره من المقالات التي تكتب لا علاقةَ لها بدولة بعينها أو جهات قريبة من محتوى المقال وانما يندرج مقالي تحت بند التثقيف العام لعموم المواطنين لذا وجب التنويه…

  • الجيوش الإلكترونيةِ ليست إعلاميةً وطُرق تأسيسها تنمُّ عن محتوى مؤسسُها وأفكاره.
  • نمو هذه الجيوش والتكتلات يسمح بتنظيمِ أجهزةٍ غيرُ رسمية تقوضُ مؤسساتِ الدولة وتبتزها، لأن ولاءها الأول للمؤسس وليس للدولة (الإخوان المسلمون أنموذج).
  • السماحُ بفتح قنواتٍ غيرُ شرعيةٍ، وأموال، وعلاقات بمصادر أجنبية ما ينخرُ صلبَ الأمن الوطني.
  • سهولة استخدام هذه الجيوش في تصفيةِ مؤسسات الدول وتشكيل تكتلاتٍ سياسيةٍ للإطاحة بأنظمة الحكم الحالية، خطورةٌ أمنية وراء تحجيم مثل هذه الجيوش.
  • §        سهولة الانشقاق الداخلي بها رغبةً في جمع المالِ والشهرة.
  • الموارد الماليةِ والتقنيات الفنية ضرورةٌ فكرية لإشراف أجهزة المخابرات والدفاع عليها.

حمايةُ الأوطان ليست مرتعاً لكل هاوٍ، ويكفينا تجاربٍ مهترئة أضاعت هيبتنا العربية بين الدول فإما جيوشاً تستحقُ التقدير وإما مرتعاً لفئران تختبئُ داخل جحورها… كثرٌ منكم سبقوكم وكانت النهايةُ هتكٌ للأعراض، واغتيالاتٌ معنويةٌ لكياناتٍ فكريةٍ أفنت عمرها في تثبيت ركائز الإصلاح بالدول.. كفانا عبثاً ولنبدء بناء الأوطان… والأوطان لا تبنى إلا بسواعدِ رجالٍ عتية قادرةً على المبادرة لا العشوائيات غير المنظمة.

ما دفعني إلى كتابة هذا المقال هو الضرورة الملحة، والإلزامية التكنولوجية التي فرضت تكوين مثل هذه الجماعات؛ والتي ينبغي أن نضع لها أُطرها التأسيسية؛ كي تسير في فحواها، وتنتهجُ فلسفةً علمية تُقّيم من خلالها؛ بدلاً من الجهودِ المبعثرةِ التي تنتهي في الغالب بكوارثٍ لضعف رؤية منفذيها من ناحيةٍ؛ وقصورِ إدراكِ من يديرها من تحت الطاولات لأهدافٍ ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب والهلاك للدول لذا وجب التنويه.

دعوني ألخص لكم نقاطاً جوهرية حول مفاهيم الجيوش الإلكترونية؛ علّ الأجهزة المعنية بالدولِ تستفيقُ وتنتبه لخطورة الموقف قبل فوات الأوان؛ بالرغم من كثرة التجارب أمامهم وحصولهم على نفس النتائج!!! إلا أن علينا النصيحة لا الإصلاح.

لا جدال في خطورة هذه “الجيوش الإلكترونية” خاصةً إذا ما تولى قيادتُها شخصياتٌ غير مستقرةٌ انفعالياً أو أيدلوجياً أو سهل التأثير عليها؛ لذا فان أغلب هذه الجيوش تخضع للرقابة المباشرة من أجهزة المخابرات اشرافاً وتوجيهاً لأن عملها يتقاطع مع محددات الأمن القومي والوطني، ويشكل خطورة بالغةً عليه ففي ألمانيا مثلاً أعلنت وزيرة الدفاع الألمانية بنفسها عن تأسيس ذلك الجيش لخطورته وأهمية عمله.

معنى الجيوش الإلكترونية :

الجيش الإلكتروني وفق “ويكيبديا” (مجموعة من الأشخاص يعملون وفق أجندةٍ خاصةٍ لصالح جهاتٍ سياسيةٍ أو أمنيةٍ. يعملون عن طريق إنشاء حسابات بأسماء وهمية وإدارتها عن طريق روبوتات (Bots) لتشارك في النقاشات، ويدعمون أوسمة معينة لإيصالها إلى المراتب الأولى، ويخترقون مواقع إلكترونية لشخصيات ومؤسسات ودول. تهدف هذه الجيوش إلى تضليل الرأي العام وتشكيله أو توجيهه وتروج للإشاعات ولبعض الأفكار والتوجهات).

أهداف الجيوش الإلكترونية :

مخطئٌ من يعتقد أن الجيوش الإلكترونية هي مجموعة صحفيين هواة، مخطئ من يعتقد أن جلّ عملهم هو الردح على بعض المقالات أو منصات التواصل الإجتماعي، ألخص أهمية الجيوش على لسان وزيرة الدفاع الألمانية ” لن يقتصر عمله على صد هجمات القرصنة الإلكترونية؛ بل سيرد عليها أيضا في ساحة المعركة، الإنترنت. البرلمان هو الذي يحدد من خلال تفويض خاص بهذه المهام إمكانيات الجيش وحدوده “وينسحب ذلك بداهةً أيضا على الساحة الإلكترونية، وسيبلغ تعداده 13 ألف جندي وموظف مدني وسيتمتع بالندّية مع سلاح المشاة والقوات البحرية والقوات الجوية، وستكون مهمة جنود الجيش الإلكتروني الألماني حماية الشبكات الإلكترونية، وأنظمة الأسلحة التابعة للجيش الألماني، وستكون قادرة على شن هجمات. ويتدرب الجيش الألماني منذ سنوات بالفعل على شن هجمات إلكترونية ضمن وحدة صغيرة وسرية في معسكر تابع للجيش”……

 فأي جيوش تسعى اليها دولنا العربية بتلك المجموعات حسنة النوايا؟؟!! ومن أين ستحصل على مليارات التمويل والخبرات الفنية للتدريب؟؟!!

كيفية انتقاء عناصر الجيوش الإلكترونية

ينبغي أن يخضع المنضمون لهذه الجيوش إلى اختبارات قياس أوجه الشخصية، والتاريخ المرضي والانفعالي، قدراته العقلية، ينبغي تحديد مهام ونطاقات العمل المخصصة للفريق ككل ولكل مجموعة فرعية. ينبغي نجاحه في التدريبات التقنية والفنية والنفسية والفكرية والقائمة تطول لمن يعي أصل الأمور!!!.

هل من ضرورة لهذه الجيوش الإلكترونية؟؟

بالقطع نعم، لقد أصبحت هذه الكيانات ضرورة حتمية شريطة أن تكون ضمن عباءة الدولة، ووفق منظومتها وأدوات توجهها، وألا تكون معلنةً، وتتوفر لها كافة شروط الانضباط، والجدية، والتمويل، وأن يكون لديها الأسلحة الرادعة للدفاع عن مكتسبات أوطانها، وأن يكون عمل هذه الفرق والجماعات هو حماية الأوطان لا الاغتيالات الفكرية للقيادات السياسية الداخلية أو هتك الأعراض. ينبغي أن تكون هذه الجماعات والفرق ذات أيدلوجيات فكرية قائمة على الدراسة والتخطيط وليست العبثية وعشوائية الانتقاء.

هل من خطورة أمنية وضرورة لإشراف الجهات الأمنية

بالطبع نعم، فان تشكيل هذه الجماعات المنظمة والإشراف عليها ينبغي أن يخضع للدولة فقط؛ لانتقاء أفضل العناصر المتوازنة، ومنحها سلطة القيادة؛ لكونها ستخضع للرصد والانتقام والاختراق من الجهات الداخلية والخارجية لأعداء الوطن ألف باء تأمين مجموعات.

أين مكمن الخطورة؟؟ تكمن الخطورة في النقاط التالية:

هذه الجماعات تدين بالولاء لمؤسسها فقط، وبالتالي قد تنقلب وحشاً كاسراً لتصفيات واغتيالات معنوية. سهولة استخدام هذه الجيوش في تصفية مؤسسات الدول وتشكيل تكتلات سياسية للإطاحة بأنظمة الحكم الحالية والترتيب لإستلام الحكم من قبل أفراد أخرين، سهولة السيطرة عليها حال فقدانها التأمين النفسي والأيدلوجي، سهولة الانشقاق الداخلي رغبةً في جمع المال والشهرة. الانقلاب ومسلسلات الخيانات القميئة على الأوطان لحظات الضعف. تسريب معلومات استخباراتية لأعداء الوطن عبر استهدافهم في الجهات الخارجية غير الخاضعة للأوطان.

إمكانية اصدار بيانات باسم الحكومات والوزارات لإحداث بلبلة في الأنظمة، وثغرات أمنية، واشغال وتشويش الأجهزة الأمنية. والأخطر من ذلك أن صمت الأجهزة الأمنية على تكوين هذه التكتلات أمام الجميع يفقد الدول هيبتها أمام مواطنيها فيزيد الانشقاق فتصبح الدولة غريبة في نفوس مواطنيها ما يسهل الانقضاض عليها عبر خطط طفولية استهترت بها الدول مسبقاً.

السماح بفتح قنوات غير شرعية، وجمع أموال، وعلاقات بمصادر أجنبية ما ينخرُ صلب الأمن الوطني، ويبعث على العداء في داخل صفوف المواطنين. وتقع الدولة بعد فترةٍ يسيرة أسيرة لهذه الجيوش. نضوج هذه الجماعات يساعدها في تكوين أجهزة موازية ولواءات فرعية داخلية تهدد أمن الوطن ما لم يستجيب لمطالبها وإلا انشقت عليه.

هل من ضرورة لمتابعة هذه الجيوش من قبل وزارات الدفاع؟

قولاً واحداً نعم، لأن عمل هذه الجماعات المنظمة حسنة النوايا أو سيئة النوايا يتقاطع مع محددات الأمن الوطني والقومي؛ لذا فان السيطرة العليا على هذه الجماعات وتحجيم عملها ينبغي أن يكن في المحطة الرئيسة تحت إمرة الجيش لأن أمن الوطن القومي بكافة قسماته معلق في رقابة الجيوش وحدها وهي صاحبة القرار المنفصل والأوحد فيه. وتعاملاتهم في هذه القضايا حاسمة وسريعة ولا تقبل الجدال.

هل من ضرورة لتنسيق العمل بين هذه الجيوش ووزارة الإعلام

نعم، فالفكرة ليست ردوداً إعلامية أو مقالات، الفكرة تتعلق باختراقاتٍ وأجهزةٍ ومخططاتٍ ومعلوماتِ دعم ومصادر؛

 لذا فهي في حاجة الى: – تنسيقات إعلامية لإدارة الحوارات والإشراف الفني على المحتويات. افساح المجال أمام القضايا المطروحة من قبلهم لتحريك الشارع السياسي وتهيئته للتوافق الإعلامي. خلق قنوات تواصل غير مباشرة مع جموع المواطنين.

استقطاب عناصر إعلامية مشهود لها بالكفاءة لجعلها جزء من المكون الخاص بهم. فتح قنوات خارجية عبر الإعلام الخارجي لتوصيل أفكارهم للمجتمع الدولي. منحهم التدريب الفني والتقني والاحترافي لممارسة أعمالهم، توفير الدعم التقني الذي يحتاج الى الملايين للظهور بالصورة التي تليق بالدول التي يمثلونها.

هل من ضرورة لمتابعة النيابة العامة لهذه المجموعات

الواقع التشريعي والرصد الإعلامي يؤكد ضرورة اعلامها بهذه المجموعات وطبيعة عملها.. والسؤال لماذا؟

 لأن نشاط وعمل هذه المجموعات بالشارع السياسي يطرح تساؤلاتٍ قانونية وتعارضات دستورية ينبغي على النيابة العامة توضيحها من وقت لآخر؛ وإلا فقدت أجهزة الدولة الواحدة تلو الأخرى مكانتها في قلب المواطن؛ وأصبحت الدولة محاصرة فكرياً وعملياً بعملٍ غير حصيف أفقدها الشرعية في قلوب مواطنيها دون أن يدري مغبةَ ما تركته ينمو أمامها؛ اعتقاداً منها أنه يصبُ في مصلحتها.

بالإضافة أن وجود هذه الجماعات وتأسيسها في مخالفةٍ للقانون وتحت أعين الجهات السياديةِ يتطلب ايقافاً لمواد وبنود ودستور متوافق عليها من قبل الجهات المعنية بالتشريع؛ وهو ما يتطلب اعداداً متكاملاً لذلك إذا ما تم تشكيل جماعات مشابهة على نفس النهج!!! وهو ما يضطر بعض الدول للمثول أمام محاكم دولية أو مؤسسات ومنظمات مجتمع مدني للطعن بمصداقية تلك الدول الراغبة في الإصلاح.

القصة ليست اشهار؛ أو انتقاء هواة لعمل فرقعات؛ وليست مسميات نحن نضع جزءاً من المخاوف المسموح بنشرها؛ والمخاوف الأعمق تعلمها الأجهزة الأمنية جيداً، وللعلم هذا المقال عكف عليه عدة مستشارين في علم النفس، والقانون الجنائي، والدراسات الاجتماعية، والإعلامية فهو ليس مقال منفرد، واختزلنا العديد من الأفكار لخطورتها ومهدداتها على الأمن والسلم الداخلي.

ينبغي علينا حينما نتكلم عن مستقبل الأوطان أن نوسد الأمر لأهله وفق دراساتٍ علميةٍ وامكانياتٍ ماديةٍ متلحفين فيه بحب المواطن وحرصه؛ لأنه هو الثابت الوحيد في عملية الوطن والإنتماء.

يتبقى كلمةً واحدة وهي أن مصائر البلاد والعباد ليست رهينةً بأفكارٍ عشوائيةٍ، ورغباتٍ عنتريةٍ، وانجازات خالية من المضمون والمحتوى؛ يديرها أفراد انتهت فترات صلاحيتهم ويعيشون واقع التكنولوجيا المعاصرة بأفكار الستينات.

والله الموفق والمستعان وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 Comment
Inline Feedbacks
View all comments
نزهة الادريسي
نزهة الادريسي
3 سنوات

الجيوش الاكترونية هي اخطر ما نواجهه في اطار حرب الجيل الرابع التي تعتمد الاعلام
هذه الجيوش تكمن خطورتها كونها الاقرب للهدف وهو وجدان و عقول الشعوب
شكرا استاذة اميرة الحسن على هذا المقال القيم

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x
Scroll to Top
انتقل إلى أعلى