تقرير..تفاصيل حكم محكمة العدل الأوروبية على عائلة مبارك

تقرير – محمد البسيونى

ألغت محكمة العدل الأوروبية، أعلى محكمة في الاتحاد الأوروبي، العقوبات المفروضة على الرئيس المصري الأسبق الراحل محمد حسنى السيد مبارك وأفراد أسرته، وحكمت بأن العقوبات كانت غير قانونية منذ البداية.

هذا الحكم القوى والحاسم هو ختام معركة قانونية بدأت منذ ما يقرب من عشر سنوات مع فرض عقوبات على أسرة مبارك في ٢١ مارس ٢٠١١.

وتحتفظ أسرة مبارك بحقوقها فى رفع دعاوى تعويض ضد مجلس الاتحاد الأوروبي في الوقت المناسب فى ظل إلغاء المحكمة حكم المحكمة العامة (الادنى درجة).

وأمرت محكمة العدل الأوروبية مجلس الاتحاد الأوروبي بسداد كافة تكاليف التقاضي امامها وامام المحكمة العامة لأسرة الرئيس مبارك .

في ظل هذا النظام لم تُمنح عائلة مبارك أيًا من الحماية القانونية المعتادة التي تنطبق على المتهمين الذين يخضعون للإجراءات الجنائية، علاوة على ذلك، فإن الحقوق الاساسية لعائلة مبارك قد عوملت بتجاهل تام من قبل سلطات الاتحاد الأوروبي، وهي مؤسسة تأسست على مبادئ
الحريات الديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وحمايتها.

ولطالما أكدت عائلة مبارك، مدعومة بأدلة موضوعية وتفصيلية، على أن فرض هذه العقوبات كان غير قانونيا.

كما أكدوا باستمرار أن مجلس الاتحاد الأوروبي كان ملز ًما قانونيًا بالتحقق من أن الإجراءات الأساسية التي يعتمد عليها لفرض تلك العقوبات تحترم حقوقهم الأساسية؛ وهو مبدأ أرسته المحاكم الأوروبية بوضوح من قبل و ُطبق الآن في هذه القضية من قبل محكمة العدل الأوروبية.

لقد فشل مجلس الاتحاد الأوروبي باستمرار في الامتثال لهذا الالتزام القانوني لذلك فهذا الحكم يثبت جليا صحة موقف الأسرة في هذا الصدد .

ولقد أكدت محكمة العدل الأوروبية في حكمها الصادر على المبدأ الآتي:
في مراجعة التدابير التقييدية يجب على محكمة الاتحاد الأوروبي ضمان المراجعة، من حيث المبدأ مراجعة كاملة، لشرعية جميع أعمال الاتحاد في ضوء الحقوق الأساسية التي تشكل جزءا لا يتجزأ من النظام القانوني للاتحاد الأوروبي، والتي تشمل، على وجه الخصوص، احترام حقوق الدفاع والحق في الحماية القضائية الفعالة” وحينما تكون العقوبات بناء على قرار دولة ثالثة(مصر) “لا يمكن لمجلس الاتحاد الأوروبي أن يخلص الى أن قرار الادراج قد تم اتخاذه على أساس أدلة قوية كافية قبل أن يتحقق بنفسه من احترام حقوق الدفاع والحق في الحماية القضائية الفعالة في وقت اعتماد القرار من قبل الدولة الثالثة المعنية”.
وأكدت المحكمة أن:
“في هذه القضية مجرد إشارة مجلس الاتحاد الأوروبي الى خطابات ومذكرة من السلطات المصرية حددت فيها تلك السلطات الطريقة التي روعيت بها الحقوق الأساسية للمدعين وقدمت تأكيدات فى هذا الصدد، فإن هذا لا يكفي”.
وعلى الرغم من ترحيب أسرة مبارك بقرار محكمة العدل الأوروبية بإلغاء هذه العقوبات، إلا أنها مازالت مستمرة في الإجراءات القانونية أمام المحكمة الأوروبية العامة فيما يتعلق بالعقوبات المفروضة عليهم في أعوام تالية، والأسرة مصممة على متابعة هذه القضايا حتى الانتهاء منها من أجل الحصول على اعتراف قضائي إضافي بأن جميع تدابير الاتحاد الأوروبي كانت غير قانونية منذ البداية.
لقد عانت عائلة مبارك من ضرر جسيم لسمعتها نتيجة لإجراءات الاتحاد الأوروبي قبلهم، وبالتالي فهي تواصل الاحتفاظ بحقوقها في رفع دعاوى تعويض ضد مجلس الاتحاد الأوروبي في الوقت المناسب.
يذكر أن أفراد أسرة الرئيس مبارك هم قرينته سوزان ثابت، ونجليه علاء، وجمال مبارك، وزوجتيهما هيدى راسخ، وخديجة الجمال، وصرح جمال مبارك باسمه وبالنيابة عن أسرته:
“تم فرض هذه العقوبات غير القانونية على والدي الراحل الرئيس مبارك ووالدتي على الرغم من عدم امتلاك أي منهما لأية أصول في الاتحاد الأوروبي أو أي أصول خارج مصر.
كانت أبسط التحقيقات التي أجراها الاتحاد الأوروبي وسلطات أخرى غير تابعة له ستكشف هذه الحقيقة. علاوة على ذلك، وبعد عشر سنوات من الادعاءات الكاذبة والتحقيقات المستفيضة، لم تكتشف أي سلطة قضائية في أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي أو أي سلطة قضائية أجنبية أخرى أي انتهاك قانوني من أي نوع لي أو لعائلتي. وبناءاً على ذلك فلقد أصدرت تعليماتي لمستشارنا القانوني للاحتفاظ بجميع حقوقنا في رفع دعاوى تعويض ضد مجلس الاتحاد الأوروبي في الوقت المناسب.”

لقد اعترفت المحكمة الأوروبية في الماضي بالطبيعة التعسفية لنظام العقوبات الدولية المستهدفة مكررة الأحكام القانونية التي سبق أن أصدرها النائب السابق لرئيس المحكمة العليا في المملكة المتحدة اللورد هوب من كرايج هد( كاى تى كيو سى بى سى أف أر أس إى) عندما صرح فيما يتعلق بالأشخاص
المستهدفين بتلك الاجراءات:
“ليس من قبيل المبالغة القول أن الأشخاص المستهدفين بهذه الطريقة هم فعليًا سجناء لدى الدولة: فحريتهم في التنقل مقيدة بشدة ومن دون الحصول على أموالهم وقد يكون تأثير التجميد عليهم وعلى أسرهم، ومثَل عائلة الرئيس مبارك أمام محكمة العدل الأوروبية فريق قانونى مكون من اللورد أندرسون من أبسويتش (كاى بى إى كيو سى)، المراجع المستقل لقوانين الإرهاب، وكذلك من برايان كنلى (كيو سى) وجايسون بوب جوى من بلاك ستون تشايمبرز وغاي مارتن من مكتب المحاماة اللندني كارتر رك .
وعلى حد تعبير اللورد أندرسون (في سياق مراجعته المستقلة لتشريعات الإرهاب في المملكة المتحدة التي تُم ِاثل في مبادئها تلك الإجراءات التي تنطبق على قضية عائلة مبارك):
“إن الثقة في المؤسسات القوية لا تعتمد فقط على أن تتصرف هي بنفسها وفقا للقانون (رغم أن هذا شرط أساسي مسبق) ، ولكن على وجود آليات للتحقق من قيامها بذلك ففي عصر تعتمد فيه الثقة على التحقق بدلاً من السمعة، فإن الثقة بالوكالة ليست كافية.
ومن هنا تأتى أهمية القانون الواضح والإجراءات العادلة والامتثال للحقوق والشفافية، وليس فقط الكلمات الرنانة العصرية، كأساس ضروري للثقة بين الحكومة والمحكومين، تلك الثقة التي ُيعتمد عليها في الديمقراطيات الحديثة في ظل وجود سلطات قسرية وتدخليه من قبل السلطات
المعنية”.

ولقد قدم قسم القانون الدولي في كارتر راك، بقيادة الشريك غاي مارتن، مع كبار مساعديه تشارلزإندربي سميث وفرانسوا هولمى، المشورة لعائلة مبارك فيما يتعلق بإجراءات عقوبات الاتحاد الأوروبي منذ عام ٢٠١٣.
وكان أفراد عائلة مبارك المذكورين أعلاه وعلى مدار عشر سنوات قد استهدفوا بما يعرف باسم”العقوبات الموجهة”. يتم توجيه العقوبات المستهدفة إلى أفراد وكيانات محددين يُزعم أنهم يستوفون “معايير الإدراج” لنظام العقوبات ذي الصلة .

علماً بأن العقوبات المستهدفة هي تدابير تقييدية تؤدى إلى تجميد أصول الفرد أو الكيان على الفور ودون أي إشعار مسبق،
وعلى حد تعبير الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان: “لا ينبغي أن يكون المجتمع الدولي في حيرة من أمره؛ فهذه الأهداف الإنسانية وسياسة حقوق الإنسان لا يمكن التوفيق بينها بسهولة مع أهداف نظام العقوبات. لذا لابد من التأكيد بشدة على أن العقوبات هي أداة للتنفيذ وأنها، مثل طرق التنفيذ الأخرى، ستلحق الضرر. يجب أن يؤخذ هذا في الاعتبار عند اتخاذ قرار فرضها، وعندما يتم تقييم النتائج لاحقًا”.
يُقصد من الناحية النظرية أن تكون العقوبات المستهدفة تدابير إدارية مؤقتة وليست ذات طبيعة جنائية أو عقابية؛ لكن من الناحية العملية فهي بعيدة كل البعد عن كونها مؤقتة ويمكن أن تستمر لسنوات عديدة (كما تُظهر حالة عائلة مبارك).
علاوة على ذلك يمكن أن يكون لها نفس التأثير العملي على الشخص المستهدف مثل التدابير العقابية دون منحها نفس مستويات الإجراءات القانونية الواجبة والحماية القضائية التي يتم توفيرها للأشخاص الخاضعين للإجراءات الجنائية. بينما يمكن للشخص المعنى الطعن على ادراج الاتحاد الأوروبي له في المحاكم الأوروبية، فإن عتبات ومعايير الإثبات المعمول بها أقل بكثير من تلك التي يتم تطبيقها في الإجراءات الجنائية. ومن الممكن أن تستمر الإجراءات القانونيةلسنوات طويلة قبل الحصول على قرار نهائي من المحكمة.

كما يمكن للشخص الخاضع للعقوبات أن يجد نفسه في وضع” كافكاوى”(نسبة إلى الكاتب التشيكى الشهير فرانز كافكا وتعنى اجراءات ظالمة وعبثية) حيث يتعرض فجأة ودون أي إخطار مسبق لإجراءات شديدة القسوة، ومع ذلك لا يتم إعطاؤه سوى القليل من المعلومات حول أسباب إدراجه أو الأدلة التي يُقال إنها تبرر هذا الإجراء. ثم يواجه مشوارا طوي ًلا وشاقًا لاستعادة مكانته وسمعته. ويتم تنفيذ هذه الإجراءات بشكل عام دون رقابة قضائية، كعمل إداري وبيروقراطي، وغالبًا نتيجة لاعتبارات سياسية
وليست قانونية.

كما يمكن لمن تضرر من تدابير العقوبات الخاطئة التقدم بطلب إلى المحاكم الأوروبية للحصول على تعويضات عن الضرر الذي لحق به نتيجة تلك الإجراءات. لدى عائلة مبارك حجة قوية للحصول على تعويضات بالنظر إلى الطريقة التي عوملوا بها من قبل مجلس الاتحاد الأوروبي على مدى العقد الماضي .

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x
Scroll to Top
انتقل إلى أعلى