بقلم/ فضيلة الدكتور الشيخ عادل حسن الحمد
قال تعالى: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ [البقرة 35-36]
دلت القصة على أن عدو حواء الأول هو الشيطان، وأن هدفه هو إخراجها من الجنة، وأن سبب العداوة هو الحسد، وأنه لا يفسد حياة حواء أحد مثل الشيطان وأعوانه من شياطين الإنس،وأن ما يسعى في هدمه هو أسرتها، فيفسد بينها وبين زوجها، وعليه فيجب تربية بنات حواء على معاداة الشيطان والحذر من شره، ومعرفة الهدف الذي يسعى إليه.
قال ابن القيم رحمه الله: ((إن العداوة التي ذكرها الله تعالى إنما هي بين آدم وإبليس وذريتهما، كما قال الله تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [فاطر: 6]،وهو سبحانه قد أكد أمر العداوة بين الشيطان والإنسان،وأعاد وأبدى ذكرها في القرآن، لشدة الحاجة إلى التحرز من هذا العدو، وأما آدم وزوجته فإنه إنما أخبر في كتابه أنه خلقها ليسكن إليها، وجعل بينهما مودة ورحمة، فالمودة والرحمة بين الرجل وامرأته، والعداوة بين الإنسان والشيطان)).(حادي الأرواح 27)
وهذا الذي بينه الإمام ابن القيم رحمه الله هو الحق، فلا توجد عداوة بين الرجل والمرأة، كما يسعى أعداء حواء إلى إيهام بناتها بذلك، فإن الله خلق حواء لآدم ليسكن إليها، لا ليحاربها وتحاربه، وجعل العلاقة بينهما قائمة على المودة والرحمة.
قال السعدي رحمه الله:((ومن المعلوم أن العدو يجد ويجتهد في ضرر عدوه، وإيصال الشر إليه بكل طريق، وحرمانه الخير بكل طريق، ففي ضمن هذا تحذير بني آدم من الشيطان، كما قال تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر: 6]وقال: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا [الكهف: 50])).(تيسير الكريم الرحمن 1/53)
فأعداء حواء يسلكون كل الطرق لإفساد حياتها، وإيصال الشر لها، ويلبسون عليها ذلك بلباس التقدم، والحضارة، والحقوق المسلوبة، وعداوة الرجل لها، وظلم المجتمع، وغيرها من الطرق.
قال الطاهر بن عاشور رحمه الله((وَتُفِيدُ الآيَةُ إِثَارَةَ الْحَسْرَةِ فِي نُفُوسِ بَنِي آدَمَ، عَلَى مَا أَصَابَ آدَمَ مِنْ جَرَّاءِ عَدَمِ امْتِثَالِهِ لِوِصَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَوْعِظَةً تُنَبِّهُ بِوُجُوبِ الْوُقُوفِ عِنْدَ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالتَّرْغِيبِ فِي السَّعْيِ إِلَى مَا يُعِيدُهُمْ إِلَى هَذِهِ الْجَنَّةِ الَّتِي كَانَتْ لأَبِيهِمْ، وَتَرْبِيَةَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الشَّيْطَانِ وَجُنْدِهِ؛ إِذْ كَانَ سَبَبًا فِي جَرِّ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ لأَبِيهِمْ، حَتَّى يَكُونُوا أَبَدًا ثَأْرًا لأَبِيهِمْ، مُعَادِينَ لِلشَّيْطَانِ وَوَسْوَسَتِهِ، مُسِيئِينَ الظُّنُونَ بِإِغْرَائِهِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ [الْأَعْرَاف: 27]، وَقَوْلُهُ هُنَا: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ. وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي تَرْبِيَةِ الْعَامَّةِ، وَلأَجْلِهِ كَانَ قَادَةُ الأُمَمِ يَذْكُرُونَ لَهُمْ سَوَابِقَ عَدَاوَاتِ مُنَافِسِيهِمْ، وَمَنْغَلَبَهُمْ فِي الْحُرُوبِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ بَاعِثًا عَلَى أَخْذِ الثَّأْرِ)).(التحرير والتنوير 1/434)
. قال عمر الأشقر رحمه الله: ((كل ما فعله إبليس أنه زيف الحقيقة، وألبس الحق لباس الباطل، والباطل لباس الحق، لم يأت الشيطان ليقول للإنسان: كل من الشجرة المحرمة، كي يغضب الله عليك، ويطردك من جنتك، وينزلك إلى دار الشقاء، بل قال له: إن في الأكل من الشجرة سعادتك وهناءك وخيرك، قال له: إن أنت أكلت من الشجرة حصلت على الملك العظيم، والحياة الخالدة، وتحولت إلى ملك غير قابل للفناء، وزيادة في الإضلال وإمعاناً في التغرير بآدم أقسم له ولزوجه أنه صادق فيما يقول، وأنه ناصح لهما، يقدم لهما الخير، ويدلهما على الطريق الحق)).(المرأة بين دعاة الإسلام وأدعياء التقدم 17)
وقال:((أهل الضلال وقادته يسيرون على هدي إبليس في إضلالهم العباد، فهم يصورون الحق في صورة الباطل، والباطل في صورة الحق، وهم في ذلك يفلسفون الباطل، ويحاولون أن يدللوا عليه بما يوهم الذين لا علم عندهم بأن قولهم حقائق لا تقبل الجدل. ومن جملة ذلك ما يفعله أدعياء التقدم حين يطلبون من المرأة التمرد على دين ربها، والخروج على تعاليمه، باسم التحرر والتمدن، فمن ذلك أنهم يقولون للمرأة: ما هذه الملابس التي تكبل حريتك، وتخفي جمالك ومحاسنك، وتحرمك من التمتع بالحياة؟! ويقولون لها: لماذا أنت في المجتمع عضو أشل، لا تساعدين في رفاهية المجتمع ولا تقومين بأعمال الرجال؟! أنت لست بأقل من الرجل شأناً، والرجل ليس أذكى منك.
ويقولون: لم لا تخالطين الرجال، ألست واثقة من نفسك؟!. ويقولون: إن علاج الكبت الجنسي الذي يعاني منه الرجال والنساء لا سبيل للخلاص منه إلاَّ بما يقرره شياطين الغرب – أمثال فرويد – بالخلطة بين الجنسين، واجتماع القبيلين)).(المرأة بين دعاة الإسلام وأدعياء التقدم 18)
نكمل غدا إنشاء الله.
والحمد لله رب العالمين