بقلم/ فضيلة الدكتور الشيخ عادل حسن الحمد
قال تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة 37-39]
الله التوابالرحيم:
قال تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
ختم الله قصة أمنا حواء باسمين من أسمائه الحسنى يدلان على عظيم رحمته بعباده هما: (التواب) و (الرحيم).
وأسماء الله الحسنى عندما تأتي في الآية فلها متعلق بموضوع الآية وما قبلها.
والقصة تتكلم عن أمنا حواء وما وقع منها ومن أبينا آدم من مخالفة أمر الله والأكل من الشجرة، وهو ذنب عظيم، نالا بسببه تأديبا عظيما، وهو إخراجهما من الجنة. ولكن كان مع الإخراج ندم واستغفار من أبينا آدم وأمنا حواء، نالا بسببه توبة الله عليهما، ورحمته سبحانه وتعالى بهما.
قال ابن كثير (ت: 774ه) رحمه الله:((وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ أَيْ: إِنَّهُ يَتُوبُ عَلَى مَنْ تَابَ إِلَيْهِ وَأَنَابَ، كَقَوْلِهِ: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ [التَّوْبَةِ: 104] وَقَوْلِهِ: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النِّسَاءِ: 11]، وَقَوْلِهِ: وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا [الْفُرْقَانِ: 71] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَغْفِرُ الذُّنُوبَ، وَيَتُوبُ عَلَى مَنْ يَتُوبُ، وَهَذَا مِنْ لُطْفِهِ بِخَلْقِهِ، وَرَحْمَتِهِ بِعَبِيدِهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)).(تفسير القرآن العظيم 1/82)
يا حواء، عاملك الله بستره في القصة:
عندما تتأملين قصة أمنا حواء في كل القرآن تجدين ستر الله عليها، على الرغم من الإشارة الصريحة في القرآن على مشاركتها لأبينا آدم في المعصية، إلا أن الله عز وجل ستر عليها فلم يذكرها صراحة كما ذكر أبينا آدم.
وهذا من رحمة الله بك.
قال ابن عطية الأندلسي رحمه الله: ((وإنما خص الله تعالى آدم بالذكر هنا في التلقي والتوبة، وحواء مشاركة له في ذلك بإجماع، لأنه المخاطب في أول القصة بقوله: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فلذلك كملت القصة بذكره وحده، وأيضاً فلأن المرأة حرمة، ومستورة، فأراد الله الستر لها، ولذلك لم يذكرها في المعصية في قوله: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [طه: 121])).
(المحرر الوجيز 1/262)
وفي هذا عبرة لنا في التعامل مع قضايا حواء، فنعاملها بالستر، لا بالفضيحة.
يا حواء، الناس إما أهل سعادة، وإما أهل شقاوة:
لما قال تعالى: فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، علمنا أن الناس ينقسمون إلى قسمين؛ أهل السعادة، وأهل الشقاوة.
قال السعدي رحمه الله: ((وفي هذه الآيات وما أشبهها، انقسام الخلق من الجن والإنس، إلى أهل السعادة، وأهل الشقاوة، وفيها صفات الفريقين، والأعمال الموجبة لذلك،)).(تفسير السعدي 1/54)
فكيف تكونين يا حواء من أهل السعادة؟
من رحمة الله بكِ أن أنزل لكِ ولأسرتكِ وللناس أجمعين، منهجا يبين لهم طريق السعادة في الدنيا والآخرة. فقال تعالى: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
قال ابن كثير رحمه الله: ((قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: الهُدَى الْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ وَالْبَيَانُ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّان: الْهُدَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْهُدَى الْقُرْآنُ. وَهَذَانَ الْقَوْلَانِ صَحِيحَانِ، وَقَوْلُ أَبِي الْعَالِيَةِ أعَمّ.
فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ أَيْ: مَنْ أَقْبَلَ عَلَى مَا أَنْزَلْتُ بِهِ الْكُتُبَ وَأَرْسَلْتُ بِهِ الرُّسُلَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ أَيْ: فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَهُ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا)).
(تفسير القرآن العظيم 1/82)
فأنتِ على دين بَيّنٍ واضح، يهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم، والمطلوب منكِ فقط هو السير على هذا الصراط المستقيم.
يا حواء، راحتك النفسية في اتباع هدى الله:
كل الناسيبحثون عن الراحة النفسية، لأنهم يدركون تماما، أن كل متاع الدنيا بدون الراحة النفسية لا يساوي شيئا، فكيف نحصل هذا الراحة النفسية؟
من رحمة الله بكِ يا حواء أنه لم يترككِ تبحثين في المجهول عن هذه الراحة النفسية، بل أنزل لكِ هذا الكتاب العظيم، وقال: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
قال السعدي رحمه الله: ((فرتب على اتباع هداه أربعة أشياء:
نفي الخوف والحزن؛ والفرق بينهما:
أن المكروه إن كان قد مضى أحدث الحزن،
وإن كان منتظرا أحدث الخوف،
فنفاهما عمن اتبع هداه، وإذا انتفيا حصل ضدهما؛ وهو الأمن التام.
وكذلك نفي الضلال والشقاءعمن اتبع هداه،وإذا انتفيا ثبت ضدهما؛ وهو الهدى والسعادة، فمن اتبع هداه حصل له الأمن، والسعادة الدنيوية والأخروية، والهدى، وانتفى عنه كل مكروه من الخوف، والحزن، والضلال، والشقاء، فحصل له المرغوب، واندفع عنه المرهوب، وهذا عكس من لم يتبع هداه، فكفر به، وكذب بآياته)). (تفسير السعدي 1/54)
نكمل غدا إنشاء الله.
والحمد لله رب العالمين