التعاون بين الصين وإيران ينطلق من الشراكة

وائل خليل ياسين
رئيس مركز الشرق الاوسط للدراسات و التنمية

كثيرة هي المقالات والتحليلات التي نُسجت وحيكت عن هذا الاتفاق القديم الجديد، فمنها ما أصاب جزء يسير، ومنها ما نشرت عنه بطريقة تحريضية تشيطن الاتفاق وتحرفه عن هدفه الأساسي.
فلا شك أن بين دول منطقة الشرق الأوسط وخاصة العربية والإسلامية من له هواجس ومخاوف من التمدد الايراني وتدخله في الشؤون الداخلية لدى بعض هذه الدول، مما يرفع من منسوب النشاط الامريكي في التحريض مستغلاً هذا التباين بين تلك الدول، بما فيها قضية اليمن والسعودية وتبعاتها السياسية والأمنية، اضافة الى التباين العربي الايراني في سوريا والعراق ولبنان.

وبالتالي تستمر الإدارة الأمريكية انطلاقاً من استراتيجيتها في الشرق الاوسط “الفوضى الخلاقة”، بهدف ابقاء المنطقة في دوامة الصراعات، لابقاء هيمنتها عليها واستنزاف طاقاتها منعاً لنهضتها وتنميتها، وحالياً تحاول اثارة النعرات من خلال تشويه صورة الصين أمام المجتمعات تلك التي تقع على خطي “مشروع الحزام والطريق”، طبعاً بهدف العرقلة والدفع لإبقاء التوتر وعدم الاستقرار. وابقاء الصراعات في المنطقة والاستنزاف وذلك يتقاطع مع مصلحة بعض دول المنطقة ومنها اسرائيل.

خطة التعاون الشاملة بين الصين وإيران
إن خطة التعاون الشاملة بين الصين وإيران، تعتبر نتاج عمل دبلوماسي دأوب مشترك بين البلدين ونتيجة طبيعية بعد إقامة شراكة استراتيجية شاملة منذ عام 2016. وذلك بحسب المفهوم الصيني أن المصالح بين الصين ودول الشرق الأوسط مصالح مشتركة ومتلازمة، لذا لا بد أن تقوم بدعمها ومساعدتها لإيجاد خطها التنموي والحيوي لخلاصها من المستنقع .

فالتزام الصين مع دول الشرق الاوسط ينطلق من مبدء الشراكة مع الجميع على قاعدة”الشراكة وعدم الانحياز”. و انطلاقًا من ذلك فإن الصين لا تدعم اي طرف في منطقة الشرق الاوسط على حساب اطراف اخرى وترفض مفهوم الأحلاف وانشاء التكتلات، لان الصين بتعاملاتها تعتمد الاخلاق , وقد رفضت عبرالتاريخ مسألة إنشاء الأحلاف العسكرية والإنخراط فيها،كونها تحمل عقليةالحرب الباردة وَتعزّزاحتمالية حدوث التوترات والحروب,
وهذا ما يتناقض مع استراتيجيتها وهي تُفضّل با لمقابل التركيزعلى بناء شبكة واسعة من الشراكات الإستراتيجية وترفض مفهوم تنصيب الوكلاء و فرض النفوذ .

وهذا ما أكده الرئيس الصيني شي جين بينغ في مقر جامعة الدول العربية عام 2016 حيث قال : إن الصين لا تقوم بتنصيب الوكلاء في الشرق الأوسط، ولا تنتزع ما يسمى بـ”مجال النفوذ” من أي احد ولا تنوي “ملء الفراغ “.
ان الصين تتمنى للشرق الاوسط الأمن والاستقرار وهي تسعى لذلك، وفيما يخص القضايا الساخنة فهي بمبادرتها تضع خارطة الطريق لحل المشاكل كافةبتقريب وجهات النظر بين الأطراف، عن طريق الحوار، لإرساء الاستقرار ونبذ العنف لتغليب مفهوم التنمية والمنفعة المتبادلة للوصول الى عالم متعدد الأقطاب يحفظ لكل شعب حقه وخياراته السياسية والتنموية.
وعملاً بهذه الاستراتيجية نسجت الدبلوماسية الصينية علاقاتها وشراكاتها مع دول المنطقة بطريقة متوازية ، حيث أن من أولى العلاقات المميزة والتي وصلت الى مستوى الشراكة الاستراتيجية في المنطقة والتي بدأت مع الجزائر وكذلك مع مصر التي تتشارك معها بأضخم المشاريع ، وصولاً الى الإمارات العربية المتحدة التي أضحت شريكاً استراتيجياً في الشرق الأوسط ، أما بخصوص المملكة العربية السعودية فقد خصها وزير خارجية الصين وانغ يي بأن تكون محطته الأولى لكي يطلق منها مبادرة الصين بشأن الأمن والاستقرار بالشرق الاوسط، مثبتاً بذلك الدور المحوري والأساسي للسعودية على الصعدين العربي والإسلامي، بالإضافة الى العلاقة التشاركية المميزة باطار مشروع الحزام والطريق مع تركيا، ناهيك عن الاتفاقية الصينية العراقية والتي تعتبر من كبرى الاتفاقيات التي وقعتها الصين، وبالتالي تأتي الاتفاقية الصينية الايرانية في هذا السياق، مثيلها مثيل باقي دول المنطقة، وتوقيع هذه الخطة ضمن قواعد واسس اخلاقية وندية من دولةالى دولةبغض النظرعن الجهات السياسية التي تتولى زمام الحكم ،لأن الصين تعتمد في علاقاتها مع الدول على مبادئها الوطنية والقومية والتي خطها الأحمر هو دعم استقلال الدول وسيادتها ،و مبادئها الخمسة هي شروط التعايش السلمي حيث تؤكد :
١- الاحترام المتبادل للسيادة .
٢- وحدة الاراضي وعدم الاعتداء على الآخرين .
٣- عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى .
٤- المساواة والمنفعة المتبادلة .
٥- التعايش السلمي بغض النظرعن اختلاف الأنظمة السياسية.

إن توقيع خطة التعاون الشامل بين الصين وإيران له تأثيرإيجابي على استكشاف إمكانات التعاون الاقتصادي بين البلدين، وتعزيزإرساء استراتيجيات التنمية، وتحسين معيشة الشعب الإيراني تحت الضغط المزدوج للوباء والعقوبات ،كما ستساعد الصين و إيران على التعاون الوثيق وتدفع عودة الاتفاق النووي الإيراني إلى مساره في أقرب وقت ممكن للحفاظ على الاستقرارالإقليمي.
وبما أن توقيع الخطة الصينية الايرانية الشاملة شملت تنسيق مواقف الدولتين بمختلف القضايا فان ايران حكماً موافقة وداعمة للمبادرة الصينية بشأن تحقيق الأمن والإستقرارفي الشرق الأوسط والتي أطلقهاوزيرخارجية الصين وانغ يي في السعودية الأسبوع الماضي ونصت بنودهاعلى خمس نقاط هي :

أولا-الدعوة إلى الإحترام المتبادل واعتمد هذا المبدء اساس للتعاملات بين دول المنطقة ووجوب احترام جميع دول العالم لخيارات هذه الدول و شعوبها .
ثانياً-الالتزام بالإنصاف والعدالة اساسا لحل النزاعات و القضية الفلسطينية و اعتبار حل الدولتين هو القاعدة الاساس لها عن طريق المفاوضات .
ثالثا –تحقيق عدم انتشارالأسلحة النووية و السعي لعودة سريعة للاتفاق النووي الايراني .
رابعاً –العمل سويًاعلى تحقيق الامن الجماعي عبرالسعي لحل النزاعات ووضع اطار امني مشترك في المنطقة يؤدي الى الاستقرار .
خامساً- تسريع وتيرة التنمية والتعاون.
فمنذ انطلاقة المفاوضات على الإتفاق بدأت بعض القوي الدولية والاقليمية بإختلاق الأكاذيب لتحريض شعوب المنطقة العربية على الصين واظهارها كأنها تسعى لمفهوم انشاء الأحلاف العسكرية ودعم منطق الحرب ، وتزكية النزاعات ، ولدفع العرب الى الاستقواء بأمريكا والابتعاد عن الصين ، وذلك لقطع طريق اي توجه سياسي من اي جهة عربية للتقارب والتشارك ، فمن هنا كان الاتفاق بمثابة “الوجبة الدسمة” لإستغلاله باشاعة الاكاذيب من أجل التحريض، محاولين أن يوثقوا الاشاعة والاكذوبة على أنها بنود سرية في الاتفاق ، لإيهام الرأي العام أن حقيقية والحقيقة الاتفاقية هو عبارة عن خطة عمل وخارطة طريق لتخطيط آفاق ومسارات التعاون طويل الأجل وهي تركز على الاستفادة من إمكانات التعاون بين البلدين في المجالات الاقتصادية والإنسانية و غيرها، لا تتضمن حتى اي عقود أو مؤشرات كمية محددة كما تداوله الاعلام الذي وصل ببعض الاحيان الى نسج الخيال .
كما ان الخطة لا تستهدف أي طرف اقليمي او دولي آخر و مسارها يلتزم القانون الدولي و الاصول المعتمدة دوليا للعلاقات بين الدول .
ومن الاكاذيب على سبيل المثال لا الحصران الاتفاق نص على توسيع العلاقات لعسكرية وتأسيس قواعد عسكرية مشتركة في الخليج وبحرعمان والمحيط الهندي. وتأسيس معامل إنتاج أسلحة صينية على الأراضي الإيرانية للإلتفاف علىا لعقوبات الدولية أوالأميركية خلال تزويد إيران بالسلاح .
كما لم يسلم الرأي العام الداخلي الايراني، حيث اشيع ان الاتفاقية هي بيع ايران للصين ، وأن ايران سمحت بإستباحة المطارات والسواحل والمياه الاقليمية ونشر 5000 عنصر أمن صيني، بالاضافة الى تأجير اراضي جزيرتي كيش وقشم وبعض الجزر الصغيرة في الخليج لمدة 25 عاماً ما اثار موجة من السجالات وصلت الى حد التظاهر رفضاً للإتفاقية، وفي الوقت نفسه أشيع في الوسط الشعبي “الإسلامي السني” على وجه الخصوص، أن جامعة المصطفى التابعة للحوزة العلمية في قمَ ستؤسس مراكز تثقيف ديني يعمل على نشر التشيع في المناطق الاسلامية لمواجهة الافكار المتشددة في المجتمع الايغوري.

هذا ما يتناقض أساساً مع المفاهيم الصينية وقوانينها حيث أن المادة 36 من الدستور الصيني تنص على تمتع المواطن الصيني بحرية المعتقد الديني. ولايجوزلأي جهازحكومي أومنظمة عامة أوفرد إجبارالمواطنين على الإيمان أوعدم الإيمان بأي دين،كما يشدد الدستورعلى وجوب حظر الهيئات الدينية التي تخضع لهيمنة او لادارة أجنبية.
وهذا تؤكدد استحالة وجود اي بند كهذا في اي اتفاق كونه يفقد دستورية الاتفاق من حيث القانون كما يعرض ايا كان يسعى لذلك للمسائلة امام القضاء.
ولكن نشر هذه الكذبة له وظيفتين
الاولى الاساسية هي خلق حالة الاستعداء بين الصين و الدول الاسلامية و خاصة السنية و التي يمر بها مشروع الحزام والطريق باغلبه , لعرقلة المشروع وايقافه،
والثانية هي حشد الرأي العام الإسلامي السني وتعبئته لدعم حركات الايغورالانفصالية لمحاربة الصين، مثلما حصل في افغانستان بدعم تنظيم القاعدة (بن لادن ) لماجهة السوفييت و هذا ما تسعى له الولايات المتحدة الاميركية حقيقة لتعطيل نهضة الصين و ضرب الامتين الاسلاميه و الصينية ببعض .

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x
Scroll to Top
انتقل إلى أعلى