الأخبار وتأملات في القرآن ((1))

بقلم الاعلامي الكبير إبراهيم الصياد
مقدمة:
لم يكن القرآن الكريم كتابا مقدسا فقط يتناول العبادات والمعاملات بين البشر انما عالج كل القضايا الدينية والدنيوية على حد سواء برؤية مستقبلية بالقياس الى تاريخ نزوله وتعتبر العلاقة الاتصالية في القران الكريم من الموضوعات التي خرجت من ثناياها فكرة الاعلام والاتصال الجماهيري وعلى وجه الخصوص نقل الخبر!
أن كل قواعد العمل التي تعلمتها وعلمتها بالأخبار موجودة بالقران .
فاذا راجعنا بتأني عددا من الآيات التي ذكرت
مفردات لغوية تتعلق بالاعلام مثل النبأ والبلاغ والأخبار والبيان واليقين والاذاعة والاستماع سوف نتوصل إلى حقيقة مؤداها أن سمات الإعلام المهني الصادق يمكن أن نجدها في المدرسة القرآنية بشكل مباشر أو غير مباشر .
2) التدقيق والتبيان :
واسمحوا لي ان اصطحبكم في رحلة مع آيات الله عن كيفية صنع الخطاب الإعلامي وبصفه خاصه في جانبه الخبري .
ونبدأ بالآية التالية:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ صدق الله العظيم ( الحجرات 6)
آية قرآنية لها معنى عميق لفهم أهمية قيمة الدقة Accuracy في نقل الأخبار الأمر الذي يقف حائلا دون تسرب الاخبار الكاذبة ويقوم بوأد الشائعات في مهدها وهنا يعتبر البيان هو اعلى خبر من حيث الصدق لانه لا يذاع إلا بعد تدقيقه ويصبح التبين أو التحقق من صحة الخبر
مهمة المرسل سواء كان مذيعا أو محررا أو مراسلا وهو صلب العمل الاخباري !
واذا درسنا (حادثة الافك) نجدها مثالا لكيفية بناء الشائعة وفي سورة النور يقول الله سبحانه وتعالى عن الخبر الكاذب Fake News :
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ . وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـذَا سُبْحَانَكَ هَـذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ صدق الله العظيم
كما ان القرآن تناول فكرة
ترديد الشائعة و وصفها بالبهتان اي بالكَذِبِ وَالافْتِرَاءِ، و اِخْتِلاَقُ الكَذِبِ! وهذا ما أردنا ابرازه في الآية :
وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوْهُ قُلْتُمْ مَا يَكُوْنُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ (هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيْمٌ).
3) النشر والإذاعة :
و يقول الله سبحانه وتعالى : وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ( النساء 83) والاية ذكرت الفعل يستنبط اي يستخرج وتلك إشارة واضحة الى ما يسمى اليوم التفاعل مع الحدث interactivity لأن الذي يقوم بالاستخراج هو المتلقي
إن الأصل في الأشياء نشرها أو إذاعتها ولكن وفق قواعد نقول عنها السياسة التحريرية ومن المفترض إذا جاءك اي خبر يجب أن ترده إلى مصدره الموثوق فيه حتى تكون صياغته سليمه ولا خلط فيه ولا تضليل ينحرف به عن غايته في وصول المعلومة الصحيحة للمتلقي viewer
وفي سورة الزلزلة يقول الله سبحانه وتعالى :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) صدق الله العظيم اذن حديث الأخبار أو كما هو شائع نشرة الأخبار News Bulletin تعد اساس نقل المعرفة بالحدث .
ونتحول الي أية أخرى لها علاقة بالدقة والسبق exclusivity في آن واحد !
4) النبأ والخبر :
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ صدق الله العظيم ( النمل 22)
أنها آية قرآنية توضح اساسا مهما في الأخبار وهو نقل الانباء من مكان لاخر وهو ما يعرف بشبكة المراسلين.
ومع التطور في مجال الاتصال وتعدد مصادر الأخبار ثبت ان وظيفة المراسل هي الاكثر اعتمادا في تتبع الحدث لانه يأتي بالاخبار الموثوق فيها أو تلك التي ترقى لدرجة اليقين و بالرغم من اللغة الانجليزية لا تفرق بين الخبر والنبأ بمعنى News item
أما في اللغة العربية نعتقد
انه لابد ان نفرق بين النبأ والخبر فهناك تفسير يقدم النبأ على الخبر من حيث الزمن بمعنى ان كل نبأ ليس بالضرورة ان يصبح خبرا لكن كل خبر لابد ان يكون في بدايته نبأ أو ما يعرف في لغة الأخبار ب Breaking News بعبارة اخرى ان الخبر في عرف العاملين بمجال الأخبار هو النبأ اليقين دون الدخول في متاهات لغوية بين المعنيين من وجهة نظري .
وإن كان هناك رأي يرى ان النبأ أقوى من الخبر والرد على هذا الرأي قوة النبأ في توقيته وليس في مصداقيته و بعض الانباء تتردد ثم يثبت عدم صدقها لكن الخبر له معايير أو catogries وما لا تنطبق عليه المعايير لا يعد خبرا !
5) الرسالة إلاعلامية :
ونصل إلى أية تتعامل مع المعلومة فالعلم او المعرفة هي التي تصنع للمتلقي إطاره المرجعي ومن ثم تكون العقل الجمعي للمجتمع :
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ( الزمر 9)
َ لو تعمقنا في معنى الآية سنجد ان وعي المرء مرتبط بالمعرفة أو العلم ولكي يعلم المرء لابد من تفاعله بدرجة ما مع ما يتلقاه من معلومات حتى يحصل على درجات الفضل من الله
ولا وعي بمعنى الإدراك بدون إعلام وتعليم وحتى نبني الوعي يجب ان يكون الاعلام صادقا وهنا ياتي التذكر المعرفي الذي يظل مرتبطا بالاستيعاب العقلي للاشياء أو ما قال عنه الله سبحانه وتعالى إنما يتذكر أولو الألباب .
وتحدث الله سبحانه وتعالى عن الرسالة التي تنقل في قوله :
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ صدق الله العظيم
( ال عمران 20)
وهنا نلاحظ أن ما نطلق عليه الان الرسالة الإعلامية ذكرت في القران الكريم بكلمة البلاغ في أكثر من سورة و تعني كلمة التبليغ التوصيل أو convoy to وهي أساس العمل الإعلامي بشكل عام حيث يأخذ أشكالا أو وسائط Media مرئية ومسموعة أو مطبوعة أو اليكترونية .

6) خلاصة القول:
ما تم عرضه جزء من كل
ووفق القرآن الكريم انه يقدم تفسيرا لما يجب ان يكون عليه شكل ومضمون الخطاب الاعلامي ولو دققنا النظر سنجد انه نموذج مفقود في كثير من المنصات الاعلامية في عالم اليوم .
ان القران الكريم كتاب انزله الله للعالمين يُعلم لغة الخطاب ويخبر ( بالنبأ اليقين ) وفيه رسائل البلاغ المبين لكل ذي عقل الذي يفتح افاق فكره بلا حدود في كل مجالات الحياة وما بعد الحياة !

Scroll to Top
انتقل إلى أعلى