لبنان: استقالة للحكومة…ام تعديل وزاري.

بقلم المستشار الدكتور نبيل بو غنطوس
خبير سياسي واقتصادي لبناني.

مما لا شك فيه، ان حكومة الرئيس الدكتور حسان دياب، قد تكون تلفظ انفاسها الاخيرة، في ظل عدم تمكنها من تقديم اي انجاز فعلي للبنانيين، خصوصا بعدما مضي نحو سبعة اشهر على تأليفها.

تتخبط الحكومة في كل شئ، تواجه في مكان وتتراجع في أخر، في سيناريو مريب. ينقلب رئيسها على مواقفه في خلال ساعات، هاجم السفيرة الاميريكية في بيروت دوروثي شيا بالمباشر وبغير المباشر ومرات كثيرة بالعلن واكثر منها بالسر، حتى انه لم يرد مرة على اتصال هاتفي من قبلها عن طريق الخطأ، لكنه عاد واولم على شرفها، وتم تنفيس الاحتقان.

انتقد دياب رئيس الدبلوماسية الفرنسية الوزير لودريان بعد مغادرته بيروت (بعد ان افرغ لودريان ما في جعبته من نصائح لاهل السلطة في لبنان ورسم لهم خارطة طريق لانقاذ البلد واعادته الى سلم اهتمامات العالم)، ليعود في اليوم الثاني، ويعدل في مواقفه بعد لقائه وفدا من السفارة الفرنسية.

هدد دياب حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، ومن قصر رئاسة الجمهورية في بعبدا، واوحى بان كتاب اقالته بات جاهزا وخاطبه من علي، ثم عاد للجلوس معه والتحاور في الكثير من الازمات التي تعصف بالبلد.

الرئيس دياب، ومع وزير مالية حكومته، وفي خلال مفاوضاتهم مع صندوق النقد الدولي، اجتهدوا بالمماطلة وبعقد عشرات الاجتماعات واطلاق الكثير من الارقام المشكوك بصدقيتها، وحتى الآن لا شئ في الافق يشي باي تقدم في المباحثات من دون ان ننسى انه حاول في البداية، ونزولا عند رغبة من ولاه، التمنع عن التفاوض مع الصندوق، لكنه عاد ورضخ بعدما وصلته اشارة ما.

هي حكومة، يعاني وزراؤها من انفصام في الدور والرؤية والتوجه والارادة، يودون ان يثبتوا للشعب انهم آتوا بهدف التغيير، وانهم قبلوا تحمل السؤولية في هذه الظروف الدقيقة، ليأتي من ولاهم ويملي عليهم اتخاذ قرارات، اثبتت وتثبت ان زمن المحاصصة مستمر بشراسة اكبر، وان زمن التغيير لم يحن اوانه بعد، وليس في الافق ما يدل على اقترابه.

وزيرالطاقة ريمون غجر، الناجح جدا في القطاع الخاص، لا يعرف ماذا يجري في الدوائر التي تتبع وزارته، المازوت يتبخر على ايامه ويمطر في سوريا، والبلاد غارقة في عتمة لم تعرفها من قبل.

وزير الاقتصاد راوول نعمة هو بغير قادر على ضبط تفلت الاسعار الجنوني في البلاد، في ظل انهيار القيمة الشرائية للعملة الوطنية، يهدد ويهدد وتستمر الاسعار بالارتفاع، وتزداد معها حالات الفقر المدقع في البلاد.

وزيرة العدل ماري كلود نجم، تعترض على قرارات وتعيينات، تجد فيها خروجا على القوانين والاعراف، ثم تضطر للرضوخ والقبول بها، وتجهد بعدها لايجاد تبريرات لما حصل.
وزير الداخلية العميد محمد فهمي، قد يكون اكثر من تعرض للاذى المعنوي مؤخرا، وعلى جبهتين، واحدة تلقى فيها تجريحا شخصيا بالكلام عليه من وزير سابق عرف بشطحاته هو الوزير وئام وهاب الذي لا يترك للستر مكانا، ومرة ليلة السبت، عندما سطرت قوى الامن محاضر ضبط، بحفلات زفاف خرقت فيها قرارت التعبئة العامة، تحت حجة الحصول على تراخيص مسبقة من وزارة الصحة، وفي ذلك تضارب للصلاحيات، ومعركة في محاولة اثبات الوجود.

وزير الخارجية ناصيف حتي، يرغب باجراء تعيينات وتشكيلات في وزارته، ويشكو ان سلفه النائب جبران باسيل، يعرقل عمله في محاولة منه لابقاء من عينهم اثناء توليه وزارة الخارجية في مراكزهم.
وحده وزير الصحة الدكتور حسن حمد، قد يكون، وفي مواجهة جانحة كورونا، قد نجح في الحد من مخاطرها في الاشهر الاولى، ووجه دوره باعجاب اللبنانيين بالسيطرة على الوباء في الاشهر الاولى لانتشار الجانحة. لكن دوره اليوم بات على المحك، مع تفلت الامور وتضاعف معدلات الاصابات وارتفاع نسب الوفيات. لكنه وبعد تحميله مسؤولية ما يجري حاليا، للبنانيين لعدم جديتهم وتراخيهم في المواجهة، سيتحول عاجلا ام اجلا الى محط غضبهم ومحور انتقادهم.

ما ذكر، غيض من فيض، وبالمحصلة، الحكومة هي حكومة لون واحد، معروف من اتى بها ولاي هدف، وهي تدعي انها حكومة اختصاصيين ومستقلين، وبين الفينة والاخرى، يهدد بعض من الممسكين الحقيقيين بالسلطة بسحب وزرائهم منها، بدءا من رئيس مجلس النواب نبيه بري (رئيس حركة امل الشيعية، احد الثنائي الشيعي المسيطر على لبنان روحا وجسدا)، الى الوزير النائب السابق سليمان فرنجية (زعيم تيار المردة المسيحي الماروني الحليف مع النظام السوري، والمرشح الدائم الى رئاسة الجمهورية، والذي كان على قاب قوسين من احتلال هذا المركز عدة مرات، لكن من بيده الامر يبقيه على مقاعد الاحتياط)، الى النائب جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر صهر رئيس الجمهورية الحالي العماد ميشال عون، (المسيطر قولا وفعلا، على حصص المسيحيين في مواقع الدولة من اعلى رأس الهرم وحتى القاعدة، وعينه على كرسي الرئاسة بنهم و…)
في رأي اللبنانيين، هي حكومة مسيسة حتى العظم، ورئيسها يفخر انه حقق 97 بالمئة مما وعد به عند استلامه مقاليد موقعه، وفي الحقيقة يكفي الاستدلال بما تمت دعوة الشعب اللبناني اليه، يوم الاثنين الثالث من آب 2020، من تحركات وتظاهرات مليونية، تمهيدا لعصيان مدني، قد يكون بات قريبا، لقلب الواقع وتغيير موازين القوى.

قد تنجح هذه الدعوات وقد لا تنجح، وقد يتظاهر مئات الالوف او بضع مئات من المواطنين فقط، لكن الحقيقة، ان الامور “مش ظابطة”.
لكن الرئيس دياب مرتاح لوضعه، بعدما كان صرح بعد لقائه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الاسبوع الفائت في الديمان، انه باق في موقعه، لثقته بعدم توفر بديل، رغم ما سرب في نهاية الاسبوع عن نية بتعديل وزاري حكي انه قد يطال وزير الداخلية العميد محمد فهمي واخرين. واخر ما استجد اليوم في هذا الاطار، اعلان وزير الخارجية ناصيف حتي، عن رغبته بتقديم استقالته قبل ظهر اليوم نتيجة العرقلة التي يواجهها في عمله، كما حكي عن وجود توجه لقبولها، وسرب ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد يسمي مستشاره للشؤون الدبلوماسية شربل وهبه وزيرا جديدا للخارجية.

الساعات والايام المقبلة، تشي بالكثير من الاحداث في لبنان، انتفاضة قد تزخم من جديد، مع المطالبة باسقاط الحكومة، وتشكيل حكومة تكنوقراط حقيقية من المستقلين، وقد نشهد محاولات للالتفاف على المطالب والقوطبة عليها بتعديل وزاري طفيف، يبقي القديم على قدمه.

التسريبات من هنا وهناك، تظهر محاولات للتواصل مع الرئيس سعد الحريري لتشكيل حكومة وحدة وطنية، في ظل اصراره وتكراره لمعزوفة شروطه للقبول بترؤس حكومة جديدة. وهو يدرك انه، بات حاجة للقابضين على السلطة، وغطاء لهم. ولهذا يزيد من دلاله، لكن يتواجد كثيرون في مقاعد الاحتياط، وان لم يكن لهم نفس الوزن في السياسة وغيرها من شجون لبنان.
وحده المواطن اللبناني يدفع ثمن الانتظار الثقيل، لكنه في النهاية، قد يفاجئ العالم وينتفض على جلاديه، ويقلب المعادلة رأسا على عقب.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x
Scroll to Top
انتقل إلى أعلى