في لبنان، الدولة والسلطة خطان متوازيان لن يلتقيا ابدا

بقلم المستشار الدكتور نبيل بو غنطوس
خبير سياسي واقتصادي لبناني.

اذا كانت الدولة بالمفهوم الحديث هي كائن سياسي، ينظم عمل اجهزة السلطة، ويعمل على تغطية المكون الجغرافي والإجتماعي ويحافظ على وحدتهما وديمومتهما داخل الإطار الوطني، فإن الفكرة التي بررت قيام الدولة من خلال الوعي الإجتماعي للشعوب، انما هدفت الى وضع اطر وقوانين وضوابط لممارسة السلطة والحكم.

وقد أثبتت الأحداث في لبنان، ومنذ الاستقلال، أن الحكام فيه، وفي اي موقع كان، ومن كل الاتجاهات والطوائف والحزبيات، لا يتورعون عن الإساءة في إستخدام السلطة حين يتربعون على رأسها، والامثلة لا تعد ولا تحصى، سياسيا وامنيا واقتصاديا واجتماعيا الخ….حتى ان اصغر موظف حكومي، وفي اي مركز يكون فيه، يعتبر نفسه، سيدا من دون منازع، ولا احد يستطيع ان يزعزعه عن عرشه.

ان الفساد والمحاصصة والمحسوبية والهدر والتعمية والتقية وتجهيل المرتكب، وكل انواع الموبقات، يشكلون سمة، اكثر من 95 بالمئة، ممن توارثوا مواقع السلطة لبنان، والقلة القليلة، الخمسة بالمئة الباقية، التي لم ترض بالانخراط في اللعبة، اثرت المغادرة بصمت، لانها لم تكن بقادرة على اجراء اي تغيير، او حتى لم تقو على رفع الصوت بوجه المرتكبين، ولنا من حال لبنان اليوم، اكبر دليل على ما ذكرناه.

ان ما يعيشه لبنان حاليا، لم تعرفه دولة في التاريخ الحديث والمعاصر. هو دولة ام قل هيكل دولة، تحوطه الالغام من كل حدب وصوب. الغامه منه وفيه، في السياسة والاقتصاد وتشلع بنيوي وانهيارات في كل القطاعات، واصرار لدى اهل السلطة على التمسك بمقاليد الحكم، مهما كانت الاثمان التي على الشعب اللبناني ان يدفعها، خدمة لمن ولاها، وسلمها ارزاق ورقاب العباد.

لبنان دفع ثمن حروب الاخرين على ارضه ولم يزل، واخر فصول المأساة، الحرب السياسية عليه وبادوات لبنانية، لاجل الاستيلاء على مقدراته المتواضعة، وجعلها في خدمة انظمة لا تشبه التنوع فيه بشئ، كما وخدمة لاجندات اقليمية ودولية ترى فيه اداة لتحقيق مآرب توسعية، ومن خلفها عقائد بائدة، تفرض سطوتها بالحديد والنار.

وكلاء محليون، هم اسياد اللعبة في الداخل، ففي الواجهة سلطة، تحكم سيطرتها على مقاليد الحكم، وتنحو بالبلد، في اتجاهات لا ولن تشبه لبنان بشيء.

السؤال اليوم،اين هي الدولة الناظمة في لبنان، اين يتواجد من يستطيع ان يشرح لاهل الربط والحل، أن ليس من حقهم، ممارسة الإساءة في استخدام السلطة وتجييرها لمصالحهم الشخصية والفئوية والحزبية والطائفية.

اين هي الدولة الناظمة القادرة على المحاسبة والقادرة على المحاكمة، والقادرة على اقالة اي كان من موقعه، اين هي مؤسسات الدولة المناط بها دستورياً الإقالة من اي منصب سياسي أو موقع قيادي في هرم الدولة. لدى ارتكاب الموبقات وارتكاب الخطايا وليس الاخطاء بحق الوطن.

ان من في السلطة اليوم، والذين حلم اللبنانيون يوما، ان يمثلوا في الاساس، الهيئة السياسية والادارية العليا التي تشرف على أحوال الشعب وتنظيم شؤونه وعلاقات افراده وان يوفروا وسائل الامن ورد العدوان عن اراضي الوطن ومصالحه وشعبه، لا يعنيهم شيء مما ذكرناه، وكلهم لسان حالهم “ما خلونا نشتغل” او “انا مش مسؤول” او انا ما عرفت الا متأخر”، انهم يلعبون ادوارهم، بفظاظة ليس لها مثيل. والنتيجة، تفجر حراك السابع عشر من تشرين الاول، وهب الآلاف من اللبنانيين للتعبير عن رغبتهم بتغيير الطبقة الحاكمة، واعلنوها صراحة “كلن يعني كلن”، واستنفر قبالتهم المتسلطون، في محاولة لكسر ارادة الناس، وابقاء القديم على قدمه. ومع الوقت تحولت الانتفاضة الى ثورة تطالب ياسقاط النظام، واستشرس حماة النظام اكثر فاكثر، في مواجهتهم للثوار، حتى اتى زلزال الرابع من آب، وتغير المشهد نحو ان لم يجروء مسؤول واحد في السلطة، نائبا كان ام وزيرا ام غيره، من تفقد ارض الحدث الكبير، وباتوا ينظرون من مخابئهم، ومن خلف قلاعهم المحصنة، وظنوا ان ما جرى اعطاهم جرعة اوكسيجين للاستمرار في غييهم، لكن فاتهم، ان الحراك الشعبي في ثورته، يصدق فيه القول، انه امة خرجت لاصلاح وطن منكوب.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x
Scroll to Top
انتقل إلى أعلى