بنادق إيران المستأجرة في العراق

بقلم غانم العابد باحث في الشأن العراقي

بالتزامن مع توضح ملامح هزيمة تنظيم “داعش”، في العراق، إذ كانت القوات المشتركة مدعومة بالتحالف الدولي تحقق تقدما في محور شمال وغربي البلاد على حساب التنظيم في المناطق التي استولى عليها عام 2014، وقبيل انطلاق معركة الساحل الأيمن لمدينة الموصل كآخر معاقل التنظيم المهمة عام 2017، كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد أوشك على كشف كل أوراقه بحال فوزه في سباق الرئاسة الى البيت الأبيض، فيما يتعلق بسياسته بالشرق الأوسط والعراق تحديدا الذي اعتبر أن سلفه، باراك أوباما ساهم في تسليمه لإيران، متوعدا بأنه سيعمل على إلغاء الاتفاق النووي مع طهران الذي وقعه سلفه معها.

وعلى غرار دول المشاريع الخارجية كإيران بدا أنها استعدت لهذه المرحلة مبكرا من خلال التهيئة لمرحلة ما بعد القضاء على تنظيم “داعش”، ومساعيها لترتيب أوراق دائمة الخضرة لصالحها داخل العراق، يمكن لها أن تستخدمها في حال اضطرت إلى خوض مواجهة مع واشنطن، داخل العراق تحديدا

الخطوة الإيرانية التي عملت بهدوء على إنجازها منذ نهاية عام 2016 تحديدا كانت من خلال توسيع قاعدة الحليف المحلي، غير أنها هذه المرة اتجهت الى مكونات عراقية أخرى نجحت في شراء ولاءات الكثير منهم سنة وشيعة وبعض الأقليات.

تزامن ذلك مع تحركات قام بها القيادي بحزب الله اللبناني، والمقيم شبه الدائم في العراق، محمد كوثراني الذي تحول لعراب صفقات سياسية بين الساسة السنة ونظرائهم الشيعة، امتدت إلى تسوية ملفات قضائية معروفة دون أن يكشف القضاء نفسه عن الكيفية التي انتهت بها تلك القضايا وكيف أغلقت أساسا، قبل أن تمتد إلى الشبكة الأكثر تعقيدا في الوسط السني وهم حملة السلاح ضد القوات الأميركية بين 2003 و2010 ومحاولة كسب جانبهم تمهيدا لمواجهة تبدو في كثير من الأحيان بأنها وشيكة، وكل هذه الأطراف السنية ممولين من دولة عربية تعتبر حليفة لإيران حالياً.

وفعلاً تم احتضانهم وفتحت لهم الأبواب للتنقل والتحرك بكل حرية في المحافظات السنية مع تركيز واضح من كل هذه الأطراف على مدينة الموصل ومحافظة نينوى عموماً بسبب ثقلها السكاني وموقعها الجغرافي، حيث بدأوا بتحركات كبيرة ومنسقة ومنظمة شملت الكثير من المفاصل بحيث لم يتركوا منطقة إلا وتواجدوا فيها سواءً في مركز مدينة الموصل أو جامعة الموصل أو تحركاتهم المريبة على أطراف محافظة نينوى قرب الحدود العراقية السورية واللقاء بشخصيات من ابناء المناطق الحدودية او واجهاتها العشائرية.
قيادات من الحرس الثوري الإيراني فاتحوا بعض شيوخ العشائر العراقية من اجل الحصول على ولائهم خاصة شيوخ العشائر ممن تمتد جذورهم الى بعض دول الخليج من اجل ايجاد موالين او تشكيل خلايا لهم في تلك الدول مع وعود بتسوية اوضاعهم القانونية مع الحكومة العراقية (على اعتبار البعض منهم اضطر لمبايعة داعش اثناء سيطرتها على المحافظات السنية) مع دعم مالي وتسهيلات كبيرة.

هذه التحركات التي قامت بها إيران في العراق تزامنت مع تحركات مماثلة على الجانب السوري تجاه العشائر العربية هناك من قبل قيادات في الحرس الثوري الإيراني التي عملت على احتضان شيوخ عشائر هذه المنطقة بتقديم أموال وسفريات ولقاءات في إيران مما يؤشر أن المنطقة الحدودية بين العراق وسوريا قد تكون هي ساحة صراع أو ساحة فوضى تسعى اليها إيران في صراعها مع الولايات المتحدة بالإضافة الى ان هذه المناطق أساساً يتواجد فيها الكثير من المليشيات العراقية وغير العراقية التي تقاتل تحت قيادة الحرس الثوري الإيراني مثل زينبيون وفاطميون (التي تضم مقاتلين شيعة من الهند وباكستان وأفغانستان)، فضلاً عن تحركات المليشيات العراقية الأخيرة في محافظة الأنبار المحاذية لسوريا وللمملكة العربية السعودية والاردن، خاصة في ظل التسريبات الأخيرة التي تتحدث عن أن بعض الفصائل ستعلن قريبا انفصالها عن الحشد الشعبي والتحاقها بما يسمى (المقاومة الاسلامية الشيعية).

هذا النسيج الذي غزلته إيران بأن يكون لها حليف شيعي سياسي وآخر مسلح وسعيها لأن تضم لهم القاعدة القبلية والعشائرية في الفرات الأوسط والجنوب؛ فشل مع بداية حركة الاحتجاجات في العراق والتي كانت من أهم وأولى شعاراتها انهاء النفوذ الإيراني في العراقي، بل على العكس اسقطت هذه الاحتجاجات القدسية عن كثير من المسميات وخسرت الكثير من الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران شعبيتها في الشارع الشيعي بعد تورطهم باغتيال وخطف وتعذيب وجرح المتظاهرين؛ مما جعل إيران تعيد النظر باستراتيجيتها لتكون اعادة ترميم اوضاعها في الشارع الشيعي العراقي اولى خطواتها.

وحتى تتمكن من هذا الترميم لابد لها ابتداءً أن تسعى لنقل الأزمة من محافظات الفرات الأوسط والجنوب الى محافظات الغربية والشمالية (السنية) التي لا تتواجد فيها حركة احتجاجات، وبدأت بهذا السيناريو من خلال استهداف القواعد الامريكية التي تتواجد حصراً في المحافظات (السنية) والتي لم تحقق لها النتائج المرجوة.

مشكلة أخرى ظهرت لدى إيران بالخلاف المسلح الشيعي ــ الشيعي ما بين سرايا السلام التي تتبع مقتدى الصدر الداعمة لحركة الاحتجاجات في وقتها مع مليشيا عصائب اهل الحق التي وقفت بالضد منها واستمر هذا الخلاف بالتصاعد الى حادثة اصطياد قاسم سليماني في بغداد من قبل الولايات المتحدة والذي فقدت به إيران أهم ضابط ايقاع لهذه الفصائل، ولتدارك هذا الموضوع وخشيتها من انفلات الأمور، قام بتكليف حسن نصرالله امين عام حزب الله اللبناني بالتمهيد لجمع قادة المليشيات العراقية مع مقتدى الصدر الذي كان بالأساس متواجدا في إيران لأغراض الدراسة الحوزوية وفعلاً حدث الاجتماع في مدينة قم الإيرانية وتم تذويب كل الخلافات ونتج عنه تسمية الصدر قائداً لما تسمى (المقاومة الاسلامية الشيعية) ويكون جميع قادة المليشيات المرتبطة بإيران تحت قيادته؛ وكانت المهمة الاولى لهذا الاجتماع ضرورة انهاء حركة الاحتجاجات في العراق، وفعلاً استطاعت مجموعة (القبعات الزرقاء) من اقتحام عمارة المطعم التركي في ساحة التحرير في بغداد وسيطرت عليها بعد طرد المحتجين منها والمجزرة التي ارتكبت بذات الوقت ضد المحتجين في ساحة الصدرين في النجف والتي ما لبث المحتجين ان جمعوا أنفسهم واستطاعوا من العودة الى ساحة التحرير.

التخوف الأكبر الذي بات يقلق ابناء المحافظات السنية هم (سنة إيران الجدد) ممن أصبحوا بندقية (إيران المستأجرة) والخشية من سعيهم لتوسيع قاعدة حليف إيران السني في العراق من أشخاص عبر الأموال التي سخرت لهم لهذا السبب وتكون مناطقهم هي ساحة صراع إيران المسلح مع الولايات المتحدة خاصة وأن الأيام الأخيرة بدأت داعش تتحرك بمساحة حرية أكبر في العديد من المحافظات السنية، وهناك قلق أن تكون إيران عبر ميليشياتها المتنفذة في المحافظات السنية تكرر السيناريو الذي عملته في مدينة خانقين التابعة لمحافظة ديالى حيث قامت هذه المليشيات بتطبيق طريقة (العفو مقابل الولاء) باحتضانها ما يقارب 40 شخص من مقاتلي داعش وضمهم الى الحشد الشعبي لهذا الغرض (وهذا الموضوع أشارت اليه صحيفة الفورن بوليسي قبل أكثر من سنتين).

الخلاصة بأن كل هذه الفوضى التي تسعى إيران لافتعالها في العراق، ومن خلاله تهديد دول الخليج والتي قد تمتد حتى الى الأردن التي باتت المليشيات على بعد 40 كم من حدودها عند مفرق مدينة الرطبة هي لغاية واحدة أن تُجبر الولايات المتحدة الجلوس معها على طاولة مفاوضات تقايض به الفوضى والإرهاب المفتعل مقابل رفع العقوبات عنها.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x
Scroll to Top
انتقل إلى أعلى