نقطة ومن أول السطر

أيامٌ قلائلٌ تفصلُ جموع الشارع السياسي في مملكة البحرين عن صوت معالي وزير العدل وهو يتلو البيان الختامي لمشاركة المواطنين في تلبية نداء الواجب والتوجه بحشودهم المشهود له إلى صناديق الإقتراع كي يدلوا بأصواتهم ويقولوا كلمتهم المشهودة في اختيار 40 نائباً يمثلون هذا الشعب فكراً وكلمةً وحكمةً.

انها لحظاتٌ جديرةٌ بالتسجيل في ذاكرة التاريخ، استيقظوا!! فان البحرين تضعُ علامةً فارقةً جديدةً في مسيرةِ الإصلاحِ والنهج الديمقراطي – شاء من شاء وأبىّ من أبىّ –  انها لمساتٌ فاصلةٌ بالحق، لكن قبل كلُ ذلك ونظراً لجسامة الحدث؛ ينبغي علينا جميعاً ألا ننساق وراء أهازيج الإحتفال بالإستحقاقات الإنتخابية وننشغل عن أولويات المرحلة التي نمر بها؛ لذا أود أن أتدارس معكم بداية المشهد الإنتخابي ونهج مسيرته واستقراره.

حينما أعلنت القيادةُ السياسيةُ الرشيدة المرسوم الملكي رقم 36 لسنة 2018 بدعوة جموع المواطنين للإقتراع في الإستحقاقات الإنتخابية المزمع عقدها في 24 نوفمبر، تهافتت أفئدةُ جميع المستحقين للترشح لإستكمال أوراقهم الثبوتية؛ والسعي للوقوف في الطابور النظامي أمام اللجان المعنية لتقديم أوراق الترشح، وتمت العمليةُ بسلامٍ وهدوءٍ غير منقطع النظير، بعدها أُعلنت عن الخطوات والإجراءات والترتيبات القانونية للطعون؛ فما بين طعون في السير الذاتية، وآخرى في اثبات محل الإقامة، وثالثةً في تطبيقِ مواد القانون المطبقة على الجمعيات السياسية المنحلة، وغيرها الكثير؛ وفوجىء الجميع بشطب عدد كبير من المتقدمين للترشح لعدم استيفاء الإشتراطات التي تم الطعن فيها؛ وهنا ظهرت اشكاليات قضائية – وليعذرني المتخصصون بالقانون لجهلي- انه سؤال يطرح نفسه!!؟؟ كيف يمكن لنائب تم ترشحه عن دائرة لدورة برلمانية كاملة قوامها 4 سنوات أن يُرفض طلب ترشحه لعدم قدرته على اثبات اقامته في الدائرة؛ اذا ما سلمنا بذلك كونه حكم قضائي لا يقبل التعليق أو النقاش؟؟!! هل يمكن لنا أن نطرح سؤالاً قانونياً مفاداه أنه لا توجد اشتراطات في ميثاق العمل الوطني تنص على ضرورة تواجد النائب في محل ترشحه؟؟ وهذا الشرط فقط تم وضعه كأحد الشروط المطلوب توافرها للعضو البلدي؟؟ كما أن بطلان اقامة النائب في الدائرة بحكم قضائي يعني فقدان شرط جوهري لا يصح الترشح دونه؛ وعليه فان عضوية النواب المحكوم بعدم جواز ترشحهم لإنتفاء شرط الإقامة بالدائرة يعني بالضرورة بطلان استحقاق النائب عن تمثيل دائرته في الفترة المنقضية من عمر المجلس السابق؛ ما يعني أيضاً اشكالية قانونية استناداً للقاعدة الفقهية القانونية وهي أن ما بُني على باطل فهو باطل وهذه القاعدة الفقهية تنسحب على كافة القرارات والقوانين التي شارك النائب فيها ممثلاً عن دائرته، فكيف نفهم تلك الإشكاليات القانونية – ان صحت –  أعتقد أننا بحاجة الى توضيح وتفسير وتأصيل للفلسفة الفقهية في هذه المسألة.

مسألةٌ أخرى نود طرحها للنقاش العلمي ألا وهي فلسفة الإهانة والإشاعات واسقاط المترشحين؛ حقيقةً لا أعلم الى أي فكر ينتمي هؤلاء العابثون؛ فما بين منازعات صبيانية، الى اساءاتٍ وتطاولاتٍ وخوض بالأعراض؛ حتى الرجال ما سلموا من تلك التخرصات الدنيئة التي تسعى بكل ما أوتيت من قوة هي ومن يعبث بها داعماً لها بُغية النيل من المشروع الإصلاحي.

فمنذ أيام قلائل أيضاً طالعتنا وسائل التواصل الإجتماعي بعمليات ممنهجة لتمزيق اعلانات بعض المترشحين والمترشحات دونما جريرةً ارتكبوها إلا أنهم أرادوا المشاركة في العرس الديمقراطي وممارسة حقوقهم الكاملة غير المنقوصة؛ تلى ذلك حملةً مسعورةً تلحفت بعباءة الورع والتقوى وانتسبت زوراً وبهتاناً لإمام الأئمّة المحدثين العلامة ابن باز رحمة الله عليه؛ وادعت زوراً أنها السلفية المنتقاة، وصاحبة القرار القويم في انتقاء من ينصلح بحاله مسالك الأمة، وتُصححُ به قوامةُ العامة – لا حول ولا قوة الإ بالله – تجارةٌ رخيصة لا سندٌ لها من كتاب الله وسنة المصطفى؛ ربما كانت من أول أهدافهم المريضة اسقاط من ادعوا أنهم يؤازروهم وينافحوا عنهم؛ فحاولوا خلق بلبلةٍ وهرج ومرج بالشارع السياسي لكن الله رد أعمالهم في نحورهم؛ فتبرأ منهم القاصي والداني، وعلى المجتممع أن ينتهج منهج الوعي والحنكة السياسية في التعامل مع تلك الفتنة تحقيقاً للأمن السياسي.

وانتهت المسارات السياسية مؤقتاً الى ذلك المسار؛ حتى فوجئنا باستطلاعات أراء مُعدةً بطريقة غير حرفية؛ ولا تخضع لأي منهجية علمية؛ علماً بأن استطلاعات الرأي العام من أشد الأدوات الإعلامية فتكاً بالثوابت وتعريض الركائز الى الإنهيار، فتبارت بعض وسائل الإعلام – عن قصد منها أو دون قصد – الى نشر استطلاعات رأي المواطنين في مترشحي بعض الدوائر، كما تبارت المواقع الإلكترونية أيضاً الى التقليد والإتّباع والإبداع في المقصد والأهداف والغايات، وارتبك المترشحون وتزعزعت عروش البعض جراء استفتاءات لا صحة علمية لمحتواها؛ ولا تقنين لأساليب البحث والتمحيص فيها، واستنفر الشباب وأصبح الأفراد يصوتون أكثر من مئات المرات بُغية رفع رصيد المترشح هذا ضد ذاك.

ليس هكذا يا سادة تطبقُ الأدواتُ الإعلامية الإستقصائية المنقولة من الغرب، ليس هكذا ندير الحراك، ومن هذ المنبر الحر أقول لجميع وسائل الإعلام الحر المستنير التي كانت شريكة للعاهل في صياغة مبادىء الحريات، وكانت لصيقةً بالقيادةِ السياسية؛ فكانت أحد السلطات المشمولة بالرعاية والعناية والأمان، أنتم رؤساء التحرير ورؤساء الصحف والمجلات ووكالات الأنباء، أنتم المراسلون وناقلوا المعلومة، أنتم أمناءٌ على المشهد السياسي، أنتم رمانةُ الميزان؛ فاحذروا التألف والمودة مع أي مترشح، أنتم رقباء الأمانة السياسية، أنتم وكلاء القانون لتطبيقه؛ فاحذروا الميل لأنكم أساس البناء الديمقراطي.

نصيحةً أقولها لكم أوقفوا تلك الإستطلاعات، أو نفذوها بأيدٍ خبيرةٍ منصفة تعطي كل ذي حقٍ حقه.

وفي الختام أقول؛ لقد تعاهدنا على انجاح المشروع الإصلاحي؛ والنجاحُ طريقٌ له مواصفاتٌ علينا انتهاجها حتى نصل لأهدافنا المنشودة، فلنتحد على الطريق القويم من أجل مسيرة اصلاحية شاملة.

Scroll to Top
انتقل إلى أعلى