لا تأكلا من الشجرة

بقلم/ فضيلة الدكتور الشيخ عادل حسن الحمد

قال تعالى: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ [البقرة 35-36]
أتمنى لك النجاح:
كل ما نهيت عنه المرأة إنما هو محطة اختبار لمدى عبوديتها لله،قال ابن كثير رحمه الله: ((وأما قوله: وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَهُوَ اخْتِبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَامْتِحَانٌ)).(تفسير القرآن العظيم 1/79)
فكل ما نهى الله المرأة عنه إنما هو اختبار لها، يبين مدى طاعتها لله وامتثالها لأوامره. والشيطان يحرص على صرفها عن هذا الاختبار بالمجادلة في حكمة النهي والبحث عن أسبابه.
لا تقتربي من الممنوع:
عندما حرم الله على آدم وزوجه الأكل من الشجرة، نهاهما عن الاقتراب منها فقال: وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة: 35]، لأن الاقتراب من المحظور يغري بالوقوع فيه.
قال الطاهر بن عاشور رحمه الله:((وَقَوْلُهُ: وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ يَعْنِي بِهِ وَلا تَأْكُلا مِنَ الشَّجَرَةِ لِأَنَّ قُرْبَانَهَا إِنَّمَا هُوَ لِقَصْدِ الأَكْلِ مِنْهَا فَالنَّهْيُ عَنِ الْقُرْبَانِ أَبْلَغُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الأَكْلِ لأَنَّ الْقُرْبَ من الشَّيْء ينشئدَاعِيَةً وميلا إِلَيْهِ، فَفِيهِ الْحَدِيثِ «مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ»)).(التحرير والتنوير 1/432)
وعندما تتذكر المرأة أن النفوس ضعيفة أمام الشهوات – إلا ما رحم الله – فإنه يتحتم عليها حماية نفسها من الوقوع في المحظور بالابتعاد عن كل الأبواب الموصلة إليه.
قال الطاهر بن عاشور رحمه الله: ((وَفِي تَعْلِيقِ النَّهْيِ بِقُرْبَانِ الشَّجَرَةِ إِشَارَةٌ إِلَى مَنْزَعِ سَدِّ الذَّرَائِعِ وَهُوَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ مَذْهَبِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ مُقَرَّرٌ فِي أُصُولِ الْفِقْه)).(التحرير والتنوير 1/432)
كيف يغريك الشيطان؟:
الشيطان يصرف نظر المرأة عن الحلال الواسع ويركزه على الحرام الضيق، قال تعالى: قُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا [البقرة: 35]
قال القنوجي رحمه الله: ((وسع الأمر عليهما إزاحة للعلة والعذر في التناول من الشجرة المنهى عنها من بين أشجارها التي لا تنحصر)).(فتح البيان في مقاصد القرآن 1/100)
لا تفسدي حياتك بالمعصية:
إن معصية أبينا آدم عليه السلام، وأمنا حواء، أفسدت عليهما البقاء في الجنة، وهكذا الذنوب تفسد علينا الحياة، فلا تفسدي حياتك بالمعصية.
قال ابن تيمية رحمه الله:((وَالمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مِنْ الذُّنُوبِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لخَفَاءِ العِلمِ النَّافِعِ أَوْ بَعْضِهِ؛ بَل يَكُونُ سَبَبًا لنِسْيَانِ مَا عَلمَ، وَلاشْتِبَاهِ الحَقِّ بِالبَاطِل، تَقَعُ الفِتَنُ بِسَبَبِ ذَلكَ. وَاَللهسُبْحَانَهُ كَانَ أَسْكَنَ آدَمَ وَزَوْجَهُ الجَنَّةَ وَقَال لهُمَا: وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [البقرة: 35، 36]، فَكُلُّ عَدَاوَةٍ كَانَتْ فِي ذُرِّيَّتِهِمَا وَبَلاءٍ وَمَكْرُوهٍ تَكُونُ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ وَفِي النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ، سَبَبُهَا الذُّنُوبُ وَمَعْصِيَةُ الرَّبِّ تَعَالى. فَالإِنْسَانُ إذَا كَانَ مُقِيمًا عَلى طَاعَةِ اللهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا كَانَ فِي نَعِيمِ الإِيمَانِ، وَالعِلمُ وَارِدٌ عَليْهِ مِنْ جِهَاتِهِ، وَهُوَ فِي جَنَّةِ الدُّنْيَا)).(مجموع الفتاوى 14/160)
ويشهد لكلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، حديث أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فِي اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ أَوْ فِي الإِسْلاَمِ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا)).(رواه البخاري في الأدب المفرد)
قال المناوي رحمه الله: ((فيكون التفريق عقوبة لذلك الذنب، ولهذا قال موسى الكاظم: إذا تغير صاحبك عليك فاعلم أن ذلك من ذنب أحدثته، فتب إلى الله من كل ذنب يستقيم لك وده. وقال المزني: إذا وجدت من إخوانك جفاء فتب إلى الله، فإنك أحدثت ذنبا، وإذا وجدت منهم زيادة ود، فذلك لطاعة أحدثتها، فاشكر الله تعالى)).(فيض القدير 5/ 437)
وهذا كما يؤثر على العلاقة بين الأصحاب، يؤثر كذلك على العلاقة مع أفراد الأسرة، ويؤثر بشكل أوضح على علاقتك بزوجك، فكوني على حذر.
نكمل غدا إنشاء الله.
والحمد لله رب العالمين

Scroll to Top
انتقل إلى أعلى