ما دفعني الى الإمساكٍ بقلمي وكتابةِ بعض الخواطر؛ هو قراءاتٌ اقتصاديةٌ لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد ال خليفة، ولي العهد، نائب القائد الأعلي، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، عن استقطاب الإستثمارات الإجنبية للبحرين؛ ونجاح ذلك في تنشيط الحركة التجارية، والسيولة النقدية، وفتح آفاق العمل للعديد من فرص العمل للبحرينين.
قبل البدء في طرح موضوع الأجانب والإستثمارات أودُ أن أقتبس نُبذةً من أقوال سمو ولي العهد عن التسهيلات المقدمةِ لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية يقول “تسعى البحرين لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية،عبر تقديم كافة التسهيلات لجذب الشركات والمؤسسات العالمية للعمل بالمنطقة والشرق الأوسط، لما يتميز به اقتصاد المملكة من مقومات أساسية وتشريعات اقتصادية متطورة” انتهى كلام سموه.
في الوقت ذاته أعلن مجلس التنمية الاقتصادية عن نجاحه في استقطاب 40 شركة إلى مملكة البحرين خلال عام 2016م، باستثمارات قدرها 106 مليون دينار بحريني (281 مليون دولار)، موفرةً 1647 فرصة عمل في سوق البحرين خلال الثلاث سنوات القادمة في إطار عمل المجلس في استقطاب وتشجيع الاستثمارات في البحرين.
وفي السياق ذاته قال المجلس “نحن فخورون بما تم إنجازه عام 2016، إذ أن نجاحنا في مضاعفة قيمة الاستثمارات يعكس نجاح جهود العمل المشترك بين المجلس والجهات الحكومية في توفير بيئة استثمارية محفزة وداعمه للمستثمرين لاستقطاب المزيد من المشاريع والشركات”.
مضيفاً” يتمتع المستثمرون في البحرين ببيئةِ أعمالٍ جذابةٍ توفرُ كلفةً تشغيليةً منخفضة، وبنية تحتيةً متطورةً، بالإضافة إلى وفرة القوة العاملة الكفؤة المتقنة لللغتين العربية والانجليزية“.
وبعد هذا الإقتباس أودُ أن أتعرض لعددٍ من مقالات الرأي التي تناولت موضوع الإستثمارات الأجنبية والسجلات التجارية والتراخيص منوهةً بأن السماح بترخيص السجلات التجارية قرار سيادي من مجلس الوزراء بعد عرض آليات القرار وسلبياته على المجلس؛ وبعد موافقة الجهات الإقتصادية المعنية بالدراسة على القرار؛ وهذا السماحُ يهدفُ لإستقطاب رؤوس أموالٍ أجنبيةٍ لفتح المزيد من فرص العمل للشباب البحريني، لذا فنحن نتكلم عن قرارٍ صائبٍ وموافقةٍ حكوميةٍ رشيدةٍ بامتياز، مع العلم أن وجود بعض السلبيات في التطبيق – ان وجدت – لا تُعطينا الحق بالحكم على القرار بفقدان الصواب؛ أو أنه يعملُ ضد مصلحة المواطنين العليا!!
وسؤالي أوجهه لبعض الكتاب ممن تناول الأمر، من أقرَ بأن استفادة الدولة من المستثمر الأجنبي هي تكلفة استخراج الإقامة النظامية فقط؟؟!! أليس ذلك المستثمر هو من أقام العديد من المدارس الخاصة والمستشفيات والمجمعات السكنية والتجارية؟؟!! أليس ذلك المستثمر هو من يقوم بتسديد الفواتير المالية المستحقة من قبل الدوله عليه في (الغذاء والمواصلات والكهرباء والإنترنت بالتسعيرة التي فرضتها الدولة والتي تختلفُ كليةً عن تكلفتها للمواطن)، أليس ذلك المستثمر هو من يقوم بتوفير العمالة المعتدلة الأسعار للمواطن مقابل أجرٍ زهيد!! أليست كل تلك الخدمات هي بمقابل يدفع رسومها المستثمر للدوله حسب اشتراطاتها التي أقرتها أجهزتها الرسمية!! اذن أين اخفاقات المستثمر الإجنبي؟؟!! لماذ دوماً وأبداً نتكلم عن ضرورة اخلاء البلاد من الإستثمارات الأجنبية كي نبدء العمل؛ ويكأن المستثمر الأجنبي جعل العمل حكراً عليه!! لماذا لا نجد أعمالاً ونجتهد مثل اجتهاد المستثمر الأجنبي؟؟ لماذا استطاع هذا المستمثر خلق فرص العمل والخدمات ؟؟!! لماذا لا نخلق المنافسة الشريفة الجادة القائمة على الخبرة والتميز؟؟!! أليست تلك مفاهيم ومبادىء العولمة الإقتصادية، واتفاقيات التجارة العالمية؟؟!!
العديد من المقالات مؤخراً تروج أن وجود الأجنبي سببٌ في الكوارث الطبيعة والأزمات الإقتصادية في الدول العربية والأجنبية؛ وأن الحل الوحيد هو طرد الأجنبي واستثماراته لأن ذلك يُعدُ من اعلاء مفاهيم المواطنة!! يا ساده؛ الأجنبي مستثمرٌ وموظف يعمل وفق قوانين دولة وأنظمة ادارية منضبطة؛ فان كان لدينا نقص في تفعيل بعض الأنظمة فلنطورها بما لا يضر المصلحة العامة للدولة!!.
ينبغي علينا أن نعلم أن الأسواق التجارية والبلدان الصناعية والإستثمارات لم تعد حكراً على أفراد أو كيانات، فالأداء المهني والإنجاز الحقيقي هو ما يحدد استمرار الإستثمارات من عدمها، لماذا لا ننظر الى الإمارات وكندا وبريطانيا وأمريكا وكافة دول العالم، انها استثمارات مفتوحة للكفاءات والأموال. وسؤالي لكتّاب الأعمدة اذا كانت الشكوى والألم هكذا والأجانب يستثمرون 85% من رؤوس الأموال فكيف الحال اذا ما ذهبت تلك الإستثمارات؟؟!! من سيضخ البديل؟؟ومن سيعدل الميزان؟؟ ومن سيوجد فرص عمل لأبنائنا؟؟!! قليل من التفكير الشمولي يا سادة؟؟!!
هل عمل المواطن في شركةٍ يملكها أجنبي نوعٌ من التحقير والتقزيم للمواطن؟؟!! أعتقد أننا ينبغي أن نغير نظرتنا التعصبية، وأن نكون أكثر انفتاحاً على العالم، فوفق هذا المنظور لا ينبغي علينا تلقي العلاج في المستشفيات الأجنبية، ولا الإلتحاق بالمدارس الخاصة الأجنبية، ولا استخدام أيٍ من وسائل الترفيه التابعة للإستثمارات الأجنبية!! أيعقل هذا؟؟ أهذا فكرٌ تنويري ننشره بين أبنائنا؟!
بعضُ الكتاباتِ اعتبرت حصول المستثمر الأجنبي على سجل تجاري يشكل واقعاً سياسياً خطير؛ وحينما كان السجل التجاري يؤجر على الأجنبي ألم يكن ذلك يشكل نفس الواقع؟؟!! ومن حدد خطورة الوضع السياسي أو من يملك تحديد هذه الخطوره؟؟ وتناسى البعض أن التراخيص والإجراءات الإدارية محكومةٌ بالتشريعات الصادر بها هذه التراخيص ولا يحق لأي دولةٍ خارجية التدخل في قوانين دولة آخرى ذات سيادة وقانون بحكم القانون الدولي.
فيما أشارت بعض الكتابات أيضاً الى قاعدة فقهية قانونية خطيرة وهي أن المستمثر الأجنبي بمجرد حصوله على السجل التجاري يصبح مستوطناً مهاجراً بحكم القانون ولا أعلم من أين حصل البعض على هذه المعلومة القانونية الغائبة؟؟!! وكيف اختفت عن كبار مستشاري الدولة لأنها ان صحت ستكن كارثة فقهية واقتصادية وسياسية؟؟!! لذا فاننا نطلب الفُتية من الجهات القانونية حيالها؟!.
فيما أكدت بعض الكتابات المنشورة في الصحافة المحلية أيضاً على تراجع وانتقاص حقوق المواطن، وأن ذلك التراجع من أجل أن يضع رئيس هيئة تنظيم سوق العمل هذا الإنجاز في رصيد انجازاته المهنية!! ويكأن الإضرار بمصالح المواطنين أصبح انجازاً ينال عليه كبار موظفي الدولة التشجيع والتحفيز؟؟!! أيعقل ذلك يا سادة!! لا أعلم كيف يمكن أن يصاغ محتوى بهذا التصور بما فيه من اتهامات ليس فقط لذلك الموظف التنفيذي ووووووو؟؟!!
حقيقةً وبحياديةٍ تامة ينبغي أن نشير الى أن خطورة المادة الصحفية وأبعادها أعمق من امكانية توضيحها على الملأ!! الإ أنني ربما أجد هناك حاجةٌ لعرض مثل هذه المواد الصحفية على جهة محايدة لإبداء الرأي فيها مع عدم الإخلال بحرية الرأي والتعبير في دولة القانون والدستور.
عددٌ أخر من المقالات الصحفية تناول الأمر بصورةٍ مغايرةٍ معلناً صرخة الألم والأنين وتوجيه أصحاب السلطة والقرار الى التفكير مرات ومرات في احتياج الناس وظروفهم المادية والصحية والنفسية!! ويكأن كافة أجهزة الدولة قد اتفقت على الإضرار بالمواطن وحياته المهنية والشخصية!! أعتقد أن الأمر ليس بهذ السوء وأن الصوره ليست بهذه الدرجة القاتمة.
فيما أشارت بعض المقالات الى أن رؤية 2030 بحاجةٍ لمنظومة مغايرة توصلنا لأهدافها!! أنا لا أعلم هل كافة أجهزة الدولة اليوم أصبحت في نظر المواطن العادي قاصرةً غيرُ قادرةً على التخطيط، فأمورٌ مثل الرؤية الإقتصادية والسجلات التجارية وقوانين الهجرة والتملك وأية قوانين لها علاقة بالأمن القومي لا توضع عبثية انما تضعها أعلى السلطات السياسية في البلاد واتهامها بهذا القصور والتقصير جدُ خطير وذا أبعادٍ سياسية غير معلوم هواها ولا مبتغاها.
أما وأن يصل بنا الحال للتأكيد على أن صياغة قوانين الدولة تهدف لإستحواذ الأجانب على فرص العمل وخروج وغلق العديد من الأنشطة التجارية للعديد من التجار البحرينيين واحتكار العمالة الأجنبية لقطاعات عديدة خرج منها البحريني أمرٌ بحاجةٍ الى مراجعاٍت سياسية لأنه يتعلق بقضايا أكثر خطورة من حرية الرأي والتعبير الإ اذا كان الأمر مسموح له لأهداف غير واضحة لنا فذاك شأنٌ آخر.
وهنا ينبغي علينا أن نكرس جهودنا وتفكيرنا في تطوير الوضع الإستثماري العام أمام العماله البحرينية، وأن تكون استثمارات الأجانب ملزمةً بتوفير كافة الحقوق والمزايا للعمالة البحرينية، وأن تكن هي الأساس في الإختيار حال توفر العمالة المؤهلة الكفؤه وأن نغير في فلسفات التعليم والتدريب حتى نخلق مواطن يحمل رؤية 2030 بقدرة وانبهار للمنافسة الجادة في سوق العمل.
وفي الختام أقول أن مثل هذه الإنتقادات لفلسفة الدولة ومؤسساتها الرشيدة، وانتقاصُ قدر التخطيط فيها يَضعُنا أمام سؤالٍ جوهري هل المؤسسات الإستشارية بالدولة وأقسام التخطيط فيها المعنية بتقديم النصح والإرشاد لصناعة القرار السياسي؛ وصل بها الحال لهذا الكم من الإنتقادات من كتاب الرأي ورجالات الصحافة!! فما بالنا بالمتخصصين ان تناولوا الأمر بالفحص والتدقيق!! أعتقد أنه ما زالت الفرصة سانحة للمراجعة والتقييم واثبات مدى جدية مؤسسات الدولة في تطوير مقدراتها أو ننضم نحن الآخرون الى جحافل الكتّاب للإقرار بفشل السياسات الموضوعةِ حسب رؤاهم التخصصية في مقالاتهم وكتاباتهم؛ وتلك ستكن كارثة استراتيجية في حق الدولة من الداخل، وأمام الجهات المتابعة لخطط ومسيرة التنمية الإقتصادية للبلاد في الخارج!!
كلمةٌ أخيرة أقولها للصحافة وأقسام الرأي؛ علينا جميعاً التعاون في بناءِ وتشكيلِ العقول ومراجعة الحسابات والأيدلوجيات والتغييرات المحيطة بنا لأننا جميعاً نمرُ بظروفٍ استثنائيةٍ وأنتم أصحاب الأقلام ورؤساء التحرير صمّامات أمان للوطن والمواطن ومسؤليتكم لا تقل أبداً عن الجنود على الحدود فأنتم من يدافع عن سماء وعقول الوطن.
وفي الختام أناشد أصحاب العقول والمنتجعات الفكريةِ، أصحابُ الأقلامِ الوطنية قائلةً “أليس الأحرى من ذلك الجدل الإعلامي ضد الإستثمارات الأجنبية والإقتصاد الوطني التفكير جلياً في العمالة السائبة وتقنين وجودها نظراً لما تسببه من أضرارٍ للكيان الإقتصادي للدولة واضراراً بمصالح المواطن؟! أليس من الحريّ بنا التفكير ملياً في بحرنة الوظائف واستبدالها بأبنائنا المهرةُ أصحاب الإبداع والخبرات وفق خطط مدروسة للإحلال والتغير؟!
ويبقى الأمر وجهة نظر …….