تعدُ منظومةِ الأمن الوطني؛ فكرةٌ فقهيةٌ فلسفية؛ بعيدةٌ كل البعد عن منعطفاتها الأمنية، أو ما يتبادر للذهن من معلوماتٍ وثيقةِ الصلة بها؛ كونها معنية للإشارة الى أهم مؤسسات الدولة؛ الإ أن المقصد في مقالنا هذا هو تناول الأمن الوطني من وجهة نظر المجتمعات المعاصرة، وتطبيق الفكرة على كافة مناحي الدولة، بعيداً عن التقاطعات السياسية والأمنية قدر المستطاع.
وها نحن اليوم؛ نتداول قضيةً محوريةً، أثارت ضجةً مؤخراً في دولة عربية شقيقة، وفتحت احدى الصحف المحلية شراعها عليها بطريقةٍ مغايرةٍ استوقفتني مراراً وتكراراً قبل الخوض فيها؛ وودتُ أن أناقشها جلياً مع جمهور القراء لما لها من أهميةٍ مجتمعيةٍ تخص الأمن الوطني للمجتمع بمفهومه المجتمعي لا بمفهومه الأمني.
وجاء على لسان الصحيفة في التحقيق الصحفي المنشور “بالعدد 14757 السبت 18 أغسطس 2018” هذه العبارة “حصلت الجريدة على معلوماتٍ موثقةٍ بالأسماءِ والصورِ الشخصيةِ – تحتفظ بها للجهات المختصة – تُفيدُ حصولَ عشراتِ الموظفين في الجهات الحكوميةِ والخاصةِ على شهاداتٍ مزورة من جامعاتٍ وهميةٍ وغير معترف بها” والسؤال الذي يطرح نفسه بعد هذه العبارة أين ديوان الخدمةِ المدنيةِ من اعتماد هذه الشهادات العلميةِ التي نالَ موظفوا الدولةِ بها درجاتٌ وظيفيةٌ سنواتٌ طوال؟!؟! من يدفع فاتورة فارق الراتب الذي تقاضاه هؤلاء!!؟؟ وكيف تم تمرير هذه الشهادات من قبل وزارة التربية والتعليم؟؟!! ومن المسؤول عن اعتماد هذه الشهادات المزورة!!؟؟ خاصةً اذا ما ذكر في المقال أن من بين هؤلاء المذكورين “مدرسين” بنص المقال؟؟!! فكيف لوزارة التربية والتعليم المسؤول الأول والأوحد عن تقييم الشهادات العلمية الصادرة من خارج البحرين الوقوع في مثل هذا المنزلق الخطير؟؟!! ومن نقاضي الآن بعدما وثقنا في وزارة التربية في مهمة تعليم أبنائنا فأوكلت أمرهم الى غير المتخصصين!!؟؟ أليس ذلك أمن وطني مجتمعي ينبغي أن يحاسب عنه الجميع؟؟!! وأضاف كاتب التحقيق “أهلتهم للحصول على وظائف ومناصب كبيرة وحساسة” وأنا هنا بدوري كمواطنه أريدُ تفسيراً مباشراً من وزير التربية والتعليم ورئيس ديوان الخدمة المدنية والجهات الأمنية حول مدلول هذه العبارة؟! أيعقلُ أن يمنح أشخاص غير ذوي خبرة ومؤهل صلاحيةِ اتخاذ قرار في أماكن حساسة بالدولة تُبنى عليها استراتيجيات الدوله ومنهاج تعاملها؟! هل أدركنا جيداً معنى نشر تلك المفردات على المواطن والأمن الوطني المجتمعي؟!
أندرك معنى أن هناك من زور أختاماً وشهادات رسمية لتوثيق الشهادات!!؟؟ كيف تم ذلك؟ وأين الأجهزة الرقابية كل هذه الفترة؟ وما هو تصرفها الآن؟ ولماذا لم تتحرك الجهات المعنية وترك الأمر لطرحه في فضاء الصحافةِ الورقية؟!! والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ما هي عقوبة المواطن الملهوف الذي يسعى للحصول على درجة علمية تسمى الشهادات المهنية وهو مسموح به عالمياً الآن!! وما هو عقابه اذا ما كانت بعض هذه الشهادات كانت تباع على أرض البحرين لفترة قريبة وتم تكريم فوج منها من قبل بعض المسؤولين، بل أن بعضاً من المسؤولين كانوا يحضرون مناقشة رسائل الماجستير التي تعقد بالبحرين في بعض الجهات؟!
وقال التحقيق الصحفي “وهذا ما يثير جدلاً حول لجنة معادلة الشهادات وعن كيفية فحص الشهادات والمؤهلات الوهمية التي تتم في أروقة الوزارة المختصة ” في اشارةٍ يفهمُ القارىءُ منها أن مدلول هذه العبارة أن الوزارة بها من التقصير الأمر الكبير الذي أوقع الشك والريبة في نفس الصحيفة من طريقة عملها، وعليه فأنا أتسائل عن دور الوزارة الرسمي لا الدبلوماسي؟! عن موقعها من هذه القضية المحورية التي ان ثبت تقاعس الوزارة فيها ستكون ضربة قاصمة لوزارة التربية أمام جموع المواطنين وستفقد الوزارة مصداقيتها – ان صحت اشارات معد التحقيق-.
وقالت الصحيفة في تحقيقها المنشور “وبعد الإطلاع قامت … بتقصي الحقائق من خلال مراجعة المؤهلات العلمية لكبار المديرين والمسؤولين والموظفين في بعض الجهات الحكومية والخاصة وحصلت على أدلةٍ وبراهين تثبت تورط العشرات منهم وسننشر بعضاً من تفاصيل المتهمين مع تحفظنا على نشر الأسماء والصور”؟؟!! السؤال الذي أوجهه الى وزيرا الداخلية والتربية والتعليم ورئيس ديوان الخدمة المدنية ما هو تبرير هذه العبارةِ قانونياً لجهلي القانوني بها؟! من الذي خول الصحفي امكانية الإطلاع على هذه الملفات والشهادات كونها ملفات سرية لا يجوز بحالٍ من الأحوال الإطلاع عليها الإ بأمر قضائي؟! فالثابت فقهاً وقانوناً أن بيانات موظفي الدولة محميةً بموجب قوانين الدولة ولا يجوز الإطلاع عليها الإ لأصحاب الإختصاص وبأمر من اثنين اما أمرٌ اداري او أمرٌ قانوني يخول الإطلاع على الملفات!! فأي منهما نالته الصحيفة؟؟ وما هو أسباب منحها اياه؟؟!! وهل هذا التصريح يمنح فقط للصحافة أم أنه يمكن منحه لأفراد آخرين يمكن أن يوقعنا مستقبلاً في شراك اختراق خصوصية المعلومات.
وانا لن أعرج على النماذج المطروحة من قبل الصحيفة كلها ولكنني سأكتفي باثنتين منهما؛ مسؤولةٌ كبيرةٌ بمسمى بروفسيور؛ حصلت على شهادة مزوره، وطبيب عظام، أيعقل أن يصل بنا الحال الى هذا المقام ؟؟!! انها كارثة مجتمعية بكل المقاييس فجرتها صحيفة وطنية في تحقيق صحفي ينبغي من الحرص على المنفعة العامة الأ تقوم بالتحقيق فيه الإ جهات سيادية عليا؛ لأن ما نشر بالتحقيق أثار نقاطاً تمس الأمن الوطني في مأزق كبير؛ خاصة؛ أنه أوضح ثغرات هائلة ينبغي الإنتباه اليها اذا ما كنا نتكلم عن تنميةٍ شاملةٍ حقيقيةٍ، وينبغي أن تتباري الجهات القضائية في التحقيق في معاني ومفردات ما ورد في التحقيق للمرة الثانية، لأن ما نشر يؤكد للجميع أن هناك خلل كبير في مفاصل الدولة.
يتبقى معلومة ذُكرت في التحقيق الصحفي مفاداها “وتحتفظ أخبار الخليج بكل المعلومات والصور للمتهمين حتى تطلبها الجهات المختصة لمحاسبة المتورطين في تزوير الشهادات الجامعية الوهمية”، وهنا ينبغي أن أقول أن هذه المستندات الدامغة على حد قول التحقيق “الصحفي” لا يمكن أن نقول عنها “حتى تطلبها الجهات المختصة” لأن تقديمها للعدالة أمر واجب التنفيذ حال الحصول عليها ولا يمكن الإنتظار لحين الطلب فهذا أمرٌ ليس اختياري انما اجبارُ واجبٍ وأمانة مجتمع.
لا أعلم ماذا يمكن أن يقال بعد تحقيق صحفي كهذا ضرب ثوابت رصينة في كيان الدولة، وهدم بمعول من حديد ثبات وزارات وادارات معنية بأمن وأمان المجتمع – ان ثبتت صحة هذه المعلومات – الإ أن الواقع يفرض علينا تجريم هذه المسالك غير القويمة، وسن التشريعات الضرورية التي تحفظ أمن وأمان المجتمع، واحالة المتسببين عن هذه الفوضى الى التحقيقات الجنائية فوراً لإتخاذ الإجراءات القضائية حيالهم، واقالة مسؤولى الدولة ممن تهانوا وعبثوا بمقدرات الأمن الوطني، فأمن وأمان المواطن أمرٌ لا يمكن تجاوزه لقرب مسؤول أو لوساطة لديه.
وفي نهاية مقالي هذا لا يسعني الإ أن أتقدم بالشكر الجزيل الى صحيفة أخبار الخليج على تحقيقها المتميز الذي دق ناقوس الخطر على مستقبل التعليم والتنمية في مملكة البحرين ونأمل أن تستمر الصحيفة على منوالها في كشف كل فساد وارساء سبل الديمقراطية والتنمية المجتمعية.
ويبقى سؤال متي سينال المواطن الذي تغرب سنوات وسنوات في الغربة من أجل الدراسة وتحصيل العلم وظيفةً مرموقةً تتوافق وتعبه وجهده.
ويبقى السؤال حائراً بين أروقةِ صنع القرار عله يجد جواب.
حفظ الله البحرين قيادةً وشعباً ووفقنا لما فيه المصلحة العامة ومرضاة رب العالمين