- السياسه وعاءُ الإبتكار، والإحساسُ بمعاناة الشعوب والمقدرة على تحقيق انجازات الأمم بطرقٍ أكثرُ ايجابيةٍ ومنفعةٍ.فسادُ المشورةِ افسادٌ للمطابخ السياسية؛ واضرامٌ للنيران في بقايا العقول والمنتجعات الفكرية التي تذبُ عن حمى الوطن ليلَ نهار.
- انهضوا يا ساسة وأعيدوا ترتيب الأولويات؛ فبقاءُ الدول وانجازاتها لن يتحقق الإ بفقهٍ سياسي وتعليمٌ نوعي.
- منظمات المجتع المدني هي المصنع الذي يتم فيه غسيلِ العقول، واستبدال القيم والأطر والنظريات والأيدلوجيات بالأفكار الهدامة المرسومةِ لهدم الأوطان وتمزيق وحدة الشعوب.
- أطفالنا نلقمهم حناناً مجففاً ورعايةً مصطنعةً ونطالبهم بالبر والرحمة في الكبر.
- شبابنا الواعي لبَ الأساس في معركةُ الكينونةِ العربيةِ أكون أو لا أكون.
- معركة التنوير في مقابل الجهل المركب، معركة المبادىء والقيم في مقابل اللادين واللاأخلاق.
- كلما ازداد وعاءُ السياسةِ جهلاً ازدادتِ الأمةِ تقهقراً، وتراجعت ثوابتها، وضعُفت ركائزهُا، وبيع ارثها من الحضارة والأمجاد بثمن بخس.
المتابعُ جلياً لأمورِ الدولِ العربيةِ منذ ستينات القرن المنصرم؛ يستشعرُ ثمةَ خطرٌ محدّق بهذه الدول لم تدرك أبعاده؛ ولم تعي خطورته أياً كانت الأسباب؛ هل هو تغلغل قوى ناعمه في صناعة القرار السياسي؟! أم أنه احكام الضغط والسيطرة الدولية وفرض ألياتِ تنفيذٍ لسياسات التطوير والإرتقاء المزعوم بالقوة والإجبار؟! ما حذا بالعديدِ من الدول العربيةِ توقيعُ العديدِ من الإتفاقيات المحلية والدولية المجحفةُ بشأنهم وشأن القوى السياسية المحيطةُ بهم وداخل مجتماعاتهم؛ لا لشيء الإ لوجود أُمّيةٍ سياسيةٍ في العديد من دوائر صناعة القرار السياسي الناجمُ عن قلة الخبرات التراكمية في الشأن السياسي الدولي من ناحيةٍ، وتشعب المصالح والمنافع؛ دوليةً كانت أم محليةً من ناحية آخرى؛ كل ذلك– بصورة أو بأخرى – أدى الى تراجع الأداء السياسي النمطي المحدود؛ ما دفع بالعديدِ من الجماعات والأحزاب الى محاولة النهوض وتحشيد الشعوب والشارع السياسي لتحقيق قفزاتٍ سياسيةٍ غير مدروسة في تاريخ الشعوب العربية؛ وهو الأمر الذي لاحظناه على مر فتراتٍ متفاوتةٍ من تاريخ الأمم العربية الكبيرةُ الحجمِ منها أو الصغيرةُ التعداد.
الإ أن واقع تلك الأمّية السياسية ما زال بحاجةٍ الى تحليلٍ مفصلٍ لمعرفة الأسباب الجوهرية التي أدت الى مثل تلك النتائح؛ وتفاصيلُ ونتائجُ تلك الأمّيةِ؛ خاصةً أنها تسببت في جهٍل مركب أوقع العديدُ من الأحزابِ السياسيةِ في مشاكلٍ تكتيكيةٍ نجمَ عنها واقعٌ ركيك نعاصره ونتلقف آثاره يوماً بعد يوم؛ دون وجود أدنى رغبةٍ في تعديله أو تطويره.
ولكن دعونا نتسائل كيف وصل بنا الحال الى هذا المآل؟ وما هو سبيل الخروج من هذه المأزق الى العالم الرحب في منتديات السياسة الدولية وأروقةُ الأنظمةِ الحاكمة للدول الكبرى؟.
بادىءٌ ذي بدء؛ ينبغي علينا أن ندرك أن فلسفات التعليم السقيمه في الدول العربية هي المِعولُ الأول في هدم بناء الكياناتِ الفكريةِ التي ساهمت عبر عصورٍ طويلةٍ وأزمنةٍ مديدةٍ في تشكيل عقولٍ جُلها يعملُ في فلكٍ واحدٍ ألا وهو التقليدُ والتيسير، الأمر الذي أفقدها الإبتكارية والمقدرة على الأداء النوعي المتميز، فلم نجدُ عقولاً مفكرةً – الإ ما رحم ربي- ولم نحصد اختراعاتٍ ذات قيمةٍ نوعيةٍ تتناسب وكم الإنفاق على التعليم في تلك الدول الناميةِ، فكُثرٌ منا يسير في بوتقة انجازِ ما يسندُ اليه من أعمالٍ روتينيةٍ رتيبةٍ، وتلك هي الكارثةُ بل الفجيعةُ الكبرى، فالسياسه وعاء الإبتكار، والإحساسُ بمعاناة الشعوب؛ والمقدرة على تحقيق انجازاتِ الأممِ بطرقٍ أكثرُ ايجابيةٍ ومنفعة. لذا ان أردنا أن نغيرَ فلسفات الشعوب فعلينا جزماً تغير الفسلفات الأدبيةِ والمناهجُ العلميةِ التي تُقدّم الى عقولهم كغذاءٍ واعد؛ لأنه مملوء بالهدم والتراجع، فالتعليم النمطي في الدولِ العربيةِ أساسُ كل تراجعٍ ورجعيةٍ؛ لذا فهو التماسٌ من قلبٍ يحبُ أمته؛ أوجهه الى أصحاب القرار وصناع الحياة السياسية في بلداننا العربية؛ اهتموا بالتعليم فهو مصير كل الشعوب، اهتموا بالتعليم فهو أكسير الحياة، اهتموا بالتعليم فهو الطبيب الحاذق المختص بعناية الحالات الخطرة، واياكم ثم اياكم اهمالُ غذاءِ العقل لأن اهماله يعني وفاة المريض والطبيب في آن واحد.
أما الشقُ الثاني المتسببُ في أزمةِ الأمّيةِ السياسيةِ، فهو الوضع الإجتماعي البائس الذي تعاصره جلَّ الدول العربيةِ، فالأسرُ المفككةِ، والأطفالُ الصغار ممن يتربون في كنف الحنان المجفف؛ أو الرعايةِ المصطنعةِ؛ هم قنابلٌ موقوتةٌ تَصبُ جام غضبها على المجتمعِ والنواةِ الحقيقةِ التي خرجوا من رحمها للمجتمع، نعم انها نقاطٌ جوهريةٌ نغفلُ عنها بالكلية؛ فداخلُ معامل العقول في المدارس والجامعات يُنشّأ النشأُ التنشأةُ الصحيحةُ القويمة، وتصاغ العقول والأفكار ويستقرُ البناء النفسي، ويخرج الفتى يافعاً شاباً قوياً مفعماً بالأمل والطموح والتحدي، ويا حبذا لو أنعم الله عليه بالصحة والعافية، والتحلي بفضائل الخلق، هنا تكونُ البنيةُ قد اكتملت؛ واشتد العود الصحيح، فيبدأ التعليم يأخذُ مجراه، ويُسَلّمُ الفتى الى مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة التي أُعدت بعنايةٍ تامة وحرفيةٍ ومهارةٍ بالغة بُغيةِ استكمال الأطُر العامةِ لمؤسسات الدولة، وتفعيلاً لدورها في اكمال البناء العقلي للشباب، وهنا يكمنُ الخطر فاما شباب مثقفٌ واعٍ يحملُ مسؤوليةَ أمته؛ ويناهض ويجاهد من أجل اعلاء بناء الوطن، واما شبابٌ نخرَ السوسُ قوامهُ وأعمدةِ بنائه؛ فأصبح معولُ هدمٍ لقوام الأمة، ويفتتُ قوتها بل يضعف قامتها وهامتها أمام الدول. لذا فالحذر كل الحذر من مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والدينية والجماعات والتكتلات؛ فهي اما ركيزةً من ركائز البناءِ، واما دمارٌ وخرابٌ لثوابت الأمم ومقدرات الأجيال.
لذا دعونا نتسائل؛ ما هو دور مؤسسات المجتمع المدني والأحزابِ السياسيةِ في المجتمعات العربيةِ؟ وكيف تدارُ؟ وما هو تكوينها والهدفُ من استمرار بقائها؟!! من غير الخفي على الجميع أن الأحزابَ السياسيةِ والجماعاتِ الدينيةِ ومؤسسات المجتمع المدني هي المؤسساتُ غيرُ النظاميةِ المعنية بتربية النشأ على ثقافة المجتمع، وضوابطه، وقيمه، وفلسفاته، وأيدلوجياته، وهي الأقوى تأثيراً والأعمقُ انتاجاً من بقية المؤسسات؛ لأن التعليمُ فيها يتم بالأقران وادارة الأولويات؛ وهنا مكمنُ الخطر، ففيها تتم عملياتُ غسيلِ العقول، واستبدال القيم والأطر والنظريات والأيدلوجيات الناجعة بالأفكار الهدامة المرسومةِ لهدم الأوطان وتمزيق وحدة الشعوب.
وعليه أقول؛ ينبغي علينا أن نكّرس جُلَ أوقاتنا لتنميةِ وتنشئةِ قياداتٍ سياسيةٍ واعدةٍ لتولي مهام الأحزاب السياسيةِ بحرفيةٍ واقتدار. ينبغي علينا أن ننتقي أفضل الكوادر لتدريب الشباب في تلك المؤسسات. ينبغي علينا أن نساهمَ وبفعاليةٍ تامةٍ في احياء تلك الأحزاب السياسية وتحويلها الى مصانع عقولٍ وأفكارٍ داعمة لتوجهات الإصلاح والبناء؛ لأن الناتجَ منها واحدٌ لا ثاني له؛ اما مثقفٌ واعٍ مدركٌ لتفاصيلِ اللعبةِ السياسية؛ واما جاهلٌ لا علاقة له بالواقع ولا بالمستقبل السياسي، واستناداً لرغبة الأجهزة القائمة على المتابعة والتوجيه من قبل الدولة ستحصُدُ تلك النتائج وتزيدها قوةً وصلابةً.
إلا أننا ينبغي علينا أن نُوجهَ كلمةً حاسمةً الى كافة مؤسسات الوطن العربي السياسية ونقول لها؛ ان بناءَ مجتمعات الشباب أمرٌ فيّصليٌ في تاريخ وحياة الأمم؛ وهو من أهم مهام الأمن القومي للبلاد؛ فالعملُ به وانجازه على أكمل وجه ليس اختياراً انما هو فرضُ عينٍ على كل عالمٍ صاحبُ فكرٍ وارادةٍ؛ لأننا نخوض بتلك العناصرَ أشرسُ حربٍ على وجه الكون؛ انها معركةُ الكينونةِ العربيةِ أكونُ أو لا أكون، انها معركة التنوير في مقابل الجهل المركب، معركة المبادىء والقيم في مقابل اللادين واللاأخلاق، فكلما ازداد وعاءُ السياسة جهلاً ازدادتِ الأمةِ تقهقراً، وتراجعت ثوابتها، وضعُفت ركائزهُا، وبيعَ ارثُها من الحضارة والأمجاد بثمنٍ بخس، أتعلمون لما يا سادة!! لأن البطانةُ من الساسةِ تتلمذ في تلك المؤسساتِ الواهية؛ وان لم نصلح البطانةُ فسدت علينا المشورة، وان فسدت المشورة فسدت المطابخ السياسية؛ وأضرمت النيران في بقايا العقول والمنتجعات الفكرية التي تذبُ عن حمى الوطن ليلَ نهار، فانهضوا يا ساسة وأعيدوا ترتيب الأولويات؛ فبقاء الدول وانجازاتها وثوابتها لن يتحقق الإ بفقهٍ سياسي وتعليمٌ نوعي فالحكيم يسهل اقناعه بالعلم والمنطق؛ والجاهل يصعب اقتلاعه من جذوره ولو دفعت فيه الغالي والنفيس؛ لأنه بلا هوية ولا مبدء؛ فهو سلعة تباع في الأسواق دون علمٍ أو معرفة، فانهضوا وتعاونوا على انهاء الأمّية السياسية والجهل المركب كي نحيا ما تبقى في أعمارنا بيسر وسلاسة.