النخاسةُ الفكريةُ ونفاياتُ العقولِ البشريةِ

هي العقولُ لا محالةً، لا تدرك وأنت تخاطبها كمٌ الأمراض النفسية المستوطنةُ بداخلها، بل أكاد أُجزم أن تلك العقول نُفسها لا تدركُ كم الأمراض التي تعاني منها، لذا فان خطورة علم النفس في هذه الأزمنةِ تقبعُ في أنه السر الوحيد الذي يَسبِرُ أغوارَ النفسِ البشريةِ، لهذا ينبغي علينا أن نعي ذلك العلم ونعطيه مكانته.

ليس فقط علمُ النفس الذي ينبغي علينا اعطائهُ حقهُ لخطورةِ التكوين النفسي في حياة الناشئة؛ فاما أن نخرّج مثقفٌ واعيٍ متزنُ الشخصية؛ِ واما أنا نخرّج مثقفٌ مريضٌ قادرٌ على تدمير البشرية وهو يبتسم ويحتسي فنجاناً من القهوة.

 الخطورةُ الأعظمُ بعد علم النفس هي في وزراء التربية ومخططوا الوزارات المعنيةِ والأقسام التربويةِ لأنهم اما معولُ بناءٍ أو معاولُ هدمٍ وتدمير، فقضيةُ التربيةُ قضيةٌ محوريةٌ آثارها تمتد وتتفشى لسنوات وسنوات؛ ويصعب علاجِ أو تلافي آية آثارٍ سلبيةٍ منها ان أدركنا محتوى الضرر ذاته، لأن الضرر يتفاعلُ ويتحدُ مع مكوناتِ الشخصيةِ فينتج أشكالاً متباينةً من الألمِ والوجعِ والأضرار.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ما هو الوعاءُ الفكري الذي نسعى لتصميمه في قلوب وعقول أطفالنا؟؟ ما هو الناتج الفكري الذي سنحصده جراء العملية التربوية وعمليات التعليم والتعلم المنشودة والمطبقة داخل المدارس في الدول العربية؟؟ ما هي القدوات التي تم تشكيلها وطرحها بالأسواق كي نستنسخ منها النماذج والأهداف التي نحقق من خلالها أهدافنا التنموية المنشوده لتنمية الخطط الإقتصادية؟؟ فهل تتبع أحدُ المثقفين أو علماء التنمية أو الدين المناهج التي تُدَرسُ في المدارسِ الحكوميةِ والخاصةِ بالدولِ العربيةِ؟! هل قام بتحليلها ومعرفة مكامن الخطر فيها؟! هل قدّم أحدهم بدائلٌ وحلولٌ لما هو متاح الآن؟؟!! بالطبع …؟؟؟!! لأن البعض اكتفى فقط بالتنظير الفلسفي لا العلاج التوافقي ولم يضع حتى في أدبياته فقهية الإختلاف ولا فقه الواقع المعاصر وضغوطات الحياة، كلٌ كان يُغني على ليلاه؛ وهذا وذاك،أما أن تجد فقهاً وحلولاً يقينة المنبع؛ صافية الهدف؛ فالأمر جدُ قليل الإ ما رَحِمَ ربي.

لقد مُرِرَت بعضُ المناهج؛ وتم تسريب بعض المعلمين من أصحاب الأفكار والأيدلوجيات الخاصة بقواهم الناعمة التي فَتكَت بجسد الأمة؛ ونخرت كالسوس وزرعت كل أثمٍ وريبةٍ في عقيدة الأمة؛ حتى أصبحت اما عقيدةً مشوهةً واما عقيدةً محاربةً من أبناءها وقلةٌ منها صافيةٌ من منابعه الأصلية؛ فلم تعد هناك حاجةً اليوم لمحاربة الدين من الخارج؛ فمن يقبع بالداخل كفيلٌ بازكاء نار الفتنة والطائفية البغيضة المقيته، نعم، وتحللت بعضُ نساء المسلمين وتمايلت، وضاعت بعضُ القيمِ والمبادىء والعادات والتقاليد، وتراجعت معالمُ الرجولةِ – وفق المشاهدات الآنية- ؛ حتى أصبحت لا تفرق بين الذكر والإنثى إلا فيما رحم ربي!! أين زمن الرجال اللذين ان تلحفت بهم جهزوا الجيوش لنصرةُ امرأةٍ؟؟!! أين زمن الرجال اللذين تأتمنهم على مالك وعرضك؟؟!! أين زمنُ القيمِ والشموخِ والإباء؟؟!! كلها انتهت إلا ما رحم ربي؛ ويكأننا في آخر الأزمان.

لقد أصبحت عقولُ البعض نقاياتٌ بشريةٌ يوضع فيها كل ما تشاء من فضلات فكرٍ وافرازات قيم مريضه. لقد أصبح البعض امّعة تنافحُ عن كل باطل، وكل انحلال؛ فأصبحنا نتبع قيم الغرب وثقافتهم دون وعيٍ وادراك، فالقيمٌ تباع، والنساء في سوق الهوى، والعقول في مزادات النخاسة الفكرية فأيُ مستقبلٍ للتعليم نرتقب؟؟!!.

أيها الساسةُ والقادةُ وصناعُ القرارِ السياسي في الوطن العربي، لا أريدُ أن أُنظّر كثيراً لفكرٍ أو أيدلوجيات غائبةٍ تعلمونها أكثر مني، الإ أنني أودُ أن أُسِرَّ لكم سراً واحداً؛ ان استمرار الحضارات لن يتحققُ الإ ببناء وطنٍ قوي ومواطنٌ صالحٌ، أتعلمون لما!! لأن المواطن الصالح فقط هو الذي سيدافع عن الأمة لحظةُ الشدة، أما البطانةُ الفاسدةُ دوماً وأبداً تعقِدُ المراهنات، وتنصبُ الفخاخ كي يستمر لها الحال، اقرؤا التاريخ!! اقرؤا الخيانات!! من أين أتت؟؟ وكيف صارت بها الأحوال؟؟!!.

لذا فالحذرُ كل الحذر من التربية والتعليم، والفقه والمساجد، والصحة، فهذه الثلاثة تشكلُ مثلث النجاة، الحائط الصد لأمتنا العربية فان أصلحنا أمورها انصلحت لنا الدنيا، واستقر لنا الوضع، وان خابت أوضاعها نخرَ السوس في جسد الأمةِ الفتية فضاعت آمالنا، وتحطمت طموحاتنا، وارتكبنا مجازراً فكريةً لن يحمنا التاريخ في حسابه منها.

أيها السادةُ أعيدوا صناعة العقول وادارة الأولويات، فأنتم صناعَ قرار وأصحاب مصانعٍ للعقول الفكريةِ، نريدُ عقولاً واعيةً وأصحابُ هممٍ وقيمٍ ومبادىء؛ لا نريد قوالبَ عقلية أفضل ما يقال عنها انها نخاسات فكرية أو انتكاساتُ فطرةٍ مقلوبة.

والله يقول ” إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا” فهل وعينا دورنا جيداً في اعداد العقول الواعية أم أننا سنظل داعمين لإنشاء النخاسات الفكرية والإنتكاسات الفطرية المقلوبة.

ويبقى الأمر وجهة نظر…..

Scroll to Top
انتقل إلى أعلى